حرية – (11/10/2022)
مع مرور الزمن لا تتغير عواطفنا وأفكارنا فحسب، فحتى أجسامنا تمر بتغييرات جذرية، ولا نعني هنا أننا نزداد طولاً أو نفقد بعضاً من الشعر على رؤوسنا أو نشيخ، إنما نعني أن أجسادنا تبدل نفسها “حرفياً” وبالكامل، فما الذي يحدث بالضبط؟
خلايا الجسد..كيف تتبدل مع مرور الوقت؟
سواء أكان ذلك من خلال تقشير الجلد، أو نمو شعيرات جديدة، فإنَّ جسم الإنسان في حالة تغير مستمر.
ووفقاً للأبحاث تستبدل أجسامنا العديد من الخلايا (ما يقرب من 30 تريليون خلية بشرية) بشكل منتظم.
وتُجدِّد أجسامنا نحو 330 ملياراً من هذه الخلايا كل يوم، أي نحو 1% من جميع خلايا الجسم، وتتجدد الخلايا الأخرى؛ مثل الخلايا الصغيرة في أمعائنا، في غضون أسبوع.
وقد تعتقد أن خلاياك الجديدة تلك هي المفتاح لحياة أطول، لكن لسوء الحظ الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، فعلى سبيل المثال بعض خلايا الجسم؛ مثل تلك الموجودة في الدماغ والقلب والعين، تبقى معنا طوال حياتنا.
المبادئ الأساسية لتجدد خلايا الجسم
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، درس باحثون سويديون من معهد كارولينسكا تجديد أنسجة الجسم عن طريق قياس مستويات مادة مشعة تسمى الكربون 14.
كانت هناك زيادة مفاجئة في نسبة الكربون 14 في الهواء خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عند اختبار الأسلحة النووية فوق الأرض، حتى التوقيع على معاهدة الحظر المحدود للتجارب في عام 1963. وتتنفس النباتات كربون 14، التي يأكلها البشر والحيوانات كل يوم، وهو جزء من حمضنا النووي.
لكن على عكس الذرات والجزيئات الأخرى التي تتغير باستمرار يظل الحمض النووي للشخص كما هو منذ يوم ولادة الخلية- الذي يحدث عندما تنقسم الخلية الأم- وطوال فترة حياتها. بعبارة أخرى، عندما تنقسم الخلية يشتمل الحمض النووي المُدمَج في الخلية الجديدة على مستوى معين من الكربون 14، يتوافق مع مستوى المادة الموجودة في الهواء من حولنا في ذلك الوقت. ويعمل هذا كطابع زمني من نوع ما، يمكن للباحثين من خلاله تحديد وقت تكوين الخلية بناءً على مستوى الكربون 14 في حمضها النووي.
ما وجده الباحثون هو أنَّ متوسط عمر جميع الخلايا في جسم الإنسان يتراوح من 7 إلى 10 سنوات، لكن هذا لا يعني أنَّ الخلايا تستبدل نفسها كل 7 إلى 10 سنوات؛ بل تتجدّد الخلايا بمعدلات مختلفة في الجسم على المستوى الفردي. على سبيل المثال تتبدَّل خلايا القولون كل 3 إلى 5 أيام، لكن خلايا العضلات والدهون يمكن أن تستغرق ما يصل إلى 70 عاماً لتجديدها.
لكن إذا كانت أجسادنا تتجدد باستمرار بخلايا جديدة فلماذا نتقدم في العمر؟ ألا ينبغي أن يكون هذا التدفق للخلايا الجديدة مثل حقنة من مادة البوتوكس؟ عندما يتعلق الأمر بالشيخوخة يبدو أنَّ السر لا يكمن في خلايانا، لكن بشكل أكثر تحديداً في الحمض النووي الخلوي داخل الجسم.
أعمار خلايا الجسم
كما ذكرنا، تتجدد الخلايا في الجسم بمعدلات متفاوتة، وتعتمد المدة التي تستغرقها خلايا معينة على مقدار العمل المنوط بها تنفيذه، على سبيل المثال خلايا الدم الحمراء لها متوسط عمر يبلغ حوالي 120 يوماً بسبب رحلتها الشاقة عبر الدورة الدموية، التي تنقل خلالها الأوكسجين إلى الأنسجة في جميع أنحاء الجسم.
إليكم بعض توقعات الأعمار للخلايا الأخرى:
الجلد: تتعرض البشرة لقدر لا بأس به من التَّلَف، وذلك بفضل دورها في الحماية الخارجية للجسم، وتتجدد خلايا الجلد هذه كل أسبوعين إلى أربعة أسابيع.
الشعر: يبلغ العمر الافتراضي للزغب الطبيعي في الجسم نحو 6 سنوات للنساء و3 سنوات للرجال.
الكبد: الكبد هو جهاز إزالة السموم من جسم الإنسان؛ إذ يعمل على تنقية مجموعة متنوعة من الملوثات من أنظمتنا، ويساعده في هذه العملية إمداد مستمر بالدم، ويظل محصناً إلى حد كبير من التلف الناتج عن هذه السموم من خلال تجديد نفسه بخلايا جديدة كل 150 إلى 500 يوم.
المعدة والأمعاء: الخلايا التي تبطن سطح المعدة والأمعاء لها حياة صعبة وقصيرة، إذ تتعرض باستمرار للتلف من المواد المُسبّبة للتآكل مثل أحماض المعدة، وعادةً ما تستمر لمدة تصل إلى 5 أيام فقط.
العظام: تتجدد الخلايا في نظام الهيكل العظمي بانتظام تقريباً، لكن العملية الكاملة تستغرق 10 سنوات كاملة، وتتباطأ عملية التجديد مع تقدمنا في العمر، وبالتالي تصبح عظامنا أرق.
على الرغم من كل هذا التجديد وحقيقة أنَّ متوسط عمر جميع خلايانا يبلغ نحو 7 سنوات، لكننا في الواقع نظل نتقدم في العمر ونموت بسبب الطفرات التي تظهر في حمضنا النووي وتكاثُر خلايانا بمرور الوقت.
ومع ذلك، هناك خلايا لا تتركنا أبداً، وقد تساعد في عملية الشيخوخة، أو على الأقل انهيار الجسم بمرور الوقت، في حين أنَّ قرنية العين يمكن أن تتجدد في أقل من يوم واحد، فإنَّ العدسة والمناطق الأخرى لا تتغير. وبالمثل فإنَّ الخلايا العصبية في القشرة الدماغية -الطبقة الخارجية للدماغ التي تتحكم في الذاكرة والفكر واللغة والانتباه والوعي- تبقى معنا منذ الولادة حتى الموت. ونظراً لعدم استبدالها، فإنَّ فقدان هذه الخلايا بمرور الوقت يمكن أن يسبب أمراضاً مثل الخرف.
لكن الخبر السار هو أنَّ مناطق أخرى من الدماغ، مثل البصلة الشمية التي تساعدنا على الشم والحُصين (أو قرن آمون) التي تساعدنا على التعلم، قادرة على تجديد شبابها.
السرطان وتجدد الخلايا
وفقاً لما ورد في موقع How Stuff Works الأمريكي، يعتقد الأطباء والعلماء أنَّ سرطانات مختلفة تنمو في جسم الإنسان عندما تتجدد الخلايا السرطانية نفسها من خلال الانقسام، لكن أحد أكثر أشكال العلاج شيوعاً هو العلاج الكيميائي، الذي يعمل عن طريق القضاء على مجموعة واسعة من الخلايا عشوائياً، دون التركيز تحديداً على تلك التي تمثل مصدر السرطان. ومن خلال تعلم كيف ومتى تتجدد الخلايا ذاتياً يأمل الباحثون أن يصبحوا قادرين على تحديد منشئ السرطان، ومنع هذه الخلايا من التكاثر دون التدخل في عمل الخلايا السليمة الأخرى.