حرية – (15/10/2022)
دعا ناشطون إيرانيون إلى تنظيم تظاهرات السبت، 15 أكتوبر (تشرين الأول)، ضمن حركة الاحتجاج التي أشعلتها وفاة مهسا أميني وتدعمها واشنطن التي تؤكد أنها تقف “إلى جانب المواطنات الإيرانيات الشجاعات”.
وتوفيت الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني (22 عاماً) في 16 سبتمبر (أيلول) بعد ثلاثة أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران لعدم التزامها القواعد الصارمة للباس.
وأدى موتها إلى موجة احتجاجات في إيران ومسيرات تضامن في الخارج.
وتتصدر الشابات الإيرانيات التظاهرات وأطلقن هتافات منددة بالحكومة، وعمد عدد منهن إلى خلع حجابهن ومواجهة قوات الأمن في الشارع.
وقتل 108 أشخاص على الأقل في الاحتجاجات المنددة بوفاة أميني، كما قتل 93 آخرون في مواجهات منفصلة في مدينة زاهدان، بمحافظة سيستان بلوشستان الواقعة في جنوب شرقي البلاد، بحسب “منظمة حقوق الإنسان في إيران” ومقرها أوسلو.
وتواصلت الاضطرابات رغم ما قالت منظمة العفو الدولية، إنه “قمع وحشي بلا هوادة” شمل “هجوماً شاملاً على أطفال متظاهرين” ما أدى إلى مصرع 23 قاصراً على الأقل.
ووردت تقارير عن نزول متظاهرين إلى الشارع، الجمعة، احتجاجاً على وفاة أميني، لكن مئات الرجال شوهدوا وهم يتظاهرون، عقب صلاة الجمعة في زاهدان، بحسب ما أظهرت تسجيلات مصورة أكدت وكالة الصحافة الفرنسية صحتها.
“بداية النهاية”
وعلى رغم قطع الاتصالات بخدمات الإنترنت وبمنصات مثل “إنستغرام” و”واتساب”، وجه النشطاء دعوة على الإنترنت للتظاهر بأعداد كبيرة، السبت، تحت شعار “بداية النهاية”.
ودعوا الناس في كافة أنحاء إيران للتجمع في أماكن لا توجد فيها قوات الأمن وأن يهتفوا “الموت للديكتاتور”.
وقال النشطاء، “يجب أن نكون حاضرين في الساحات، لأن أفضل اتصال في بي أن VPN هذه الأيام هو الشارع” في إشارة إلى شبكات افتراضية خاصة تستخدم للالتفاف على قيود الإنترنت.
في موازاة ذلك من المقرر تنظيم تجمعات “مناهضة لأعمال الشغب” مساء السبت في “جميع مساجد البلاد (…) للتصدي لمؤامرات أعداء إيران”، بحسب بيان صحافي صدر، الجمعة، عن المجلس الإسلامي لتنسيق التنمية، المسؤول عن تنظيم التظاهرات الرسمية.
بايدن يدعو لوقف العنف
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه “مندهش” إزاء الاحتجاجات الجماعية في إيران التي تشهد أكبر موجة تظاهرات منذ سنوات.
وقال بايدن خلال كلمة في إحدى كليات مدينة إرفاين في كاليفورنيا، “أريدكم أن تعلموا أننا نقف إلى جانب المواطنين، ونساء إيران الشجاعات”، مضيفاً “أدهشني ما أيقظته (الاحتجاجات) في إيران. أيقظت شيئاً لا أعتقد أنه سيتم إسكاته لوقت طويل، وطويل جداً”.
ودعا بايدن سلطات إيران إلى وقف العنف ضد المواطنين. وأضاف، “يجب أن يكون بوسع النساء ارتداء ما يرغبن به… وعلى إيران وقف العنف ضد مواطنيها الذين يمارسون ببساطة حقوقهم الأساسية”.
وأشادت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ومسؤولون أميركيون آخرون بالدور القيادي للنساء في التظاهرات التي تعم إيران، وذلك خلال لقاء مع ناشطين من أصول إيرانية. واستقبلت هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان نازانين بنيادي الممثلة الإيرانية المولد والمدافعة عن حقوق الإنسان.
الفتيات الشجاعات
وأفاد مكتب نائبة الرئيس، في بيان، بأن هاريس أعربت عن “دعمها للنساء والفتيات الشجاعات اللاتي يقدن احتجاجات سلمية في إيران من أجل تأمين المساواة في الحقوق والكرامة الإنسانية”، وأكدت نائبة الرئيس كيف أن “شجاعة هؤلاء المحتجات ألهمتها كما ألهمت العالم أيضاً”.
وكان بلينكن قد التقى في وقت سابق ببنيادي المعروفة بدورها في المسلسل الكوميدي الشهير “هاو آي مت يور ماذر”، إضافة إلى الكاتبة رويا هاكاكيان والناشطة في مجال المساواة بين الجنسين شيري هاكيمي.
وقال بلينكن، إنه بعد موت أميني “وتظاهرات الغضب العفوية التي انبثقت عنها، أعتقد أننا نشهد شيئاً لافتاً للغاية في مختلف أنحاء البلاد بقيادة النساء والشباب بشكل أساسي”.
وانضمت إلى بلينكن، خلال لقائه مع ناشطات المجتمع المدني الإيراني، نائبته ويندي شيرمان وروبرت مالي المسؤول الأميركي الذي قاد مفاوضات استمرت أشهراً مع إيران في محاولة لإحياء الاتفاق النووي.
وقالت هاكاكيان، إنها مع زميلاتها ناشدن الرئيس بايدن وقف المفاوضات النووية التي يمكن أن تؤدي إلى تخفيف العقوبات عن إيران. وأضافت لإذاعة “أن بي آر” الأميركية “اقترحنا بالإجماع وقف المفاوضات النووية حتى يتوقف العنف. وأنا أعتقد أن الجميع سمعونا بشكل واضح ومرتفع”.
إدانات دولية وعقوبات
وأثارت الحملة الأمنية إدانات دولية وفرض عقوبات على إيران من بريطانيا وكندا والولايات المتحدة.
وقد اتهم المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي أعداء البلاد الولايات المتحدة وإسرائيل بالضلوع في “أعمال الشغب”.
ودانت الحكومة، الجمعة، تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر فيها عن التضامن مع الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة أميني. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني، إن تصريحات ماكرون “تدخلية” و”تشجع على العنف وانتهاك القانون”.
واستغرب كنعاني أن ماكرون ومسؤولي حكومته “يدينون إجراءات قوى الأمن في التعامل مع أعمال العنف والشغب، ويطالبون الحكومة الإيرانية بتجنب العنف واحترام حقوق مثيري الشغب، ولكن في الوقت نفسه تهدد السلطات الفرنسية (…) عمال قطاع النفط والغاز والمصافي الفرنسية المضربين عن العمل باستخدام القوة ضدهم إذا لم ينهوا الاحتجاجات والإضرابات”. وأضاف “هذا نفاق واضح”.
مقاربة “واقعية” للاحتجاجات
في سياق متصل، حض وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الاتحاد الأوروبي الذي يعتزم فرض عقوبات على طهران، على اعتماد مقاربة “واقعية” للاحتجاجات، مؤكداً أن بلاده ليست “أرضاً للانقلابات المخملية أو الملونة”.
وخلال اتصال الجمعة مع المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قال أمير عبداللهيان، “وفاة المرحومة مهسا أميني كانت مبعث أسف لنا جميعاً… بالطبع، نحن نتطلع إلى إطار أكبر للتعاون بين الاتحاد الأوروبي وإيران”، وذلك وفق بيان للخارجية الإيرانية السبت.
وتابع، “لذلك ، ننصح الأوروبيين بالنظر إلى القضية من منظار واقعي”، مشدداً على أن “إيران ليست أرض الانقلابات المخملية أو الملوّنة”.
من جهته، كتب بوريل الجمعة عبر “تويتر”، أنه نقل إلى أمير عبداللهيان “موقف الاتحاد الأوروبي الواضح والموحد: للناس في إيران حق التظاهر السلمي والدفاع عن الحقوق الأساسية”. وأضاف، “يجب أن يتوقف القمع العنيف فوراً. يجب الإفراج عن المحتجين”.
وسبق لمسؤولين إيرانيين أن انتقدوا “رياء” الدول الغربية في مسألة حقوق الإنسان و”تدخلها” في الشؤون الداخلية لإيران، وذلك في أعقاب تصريحات لمسؤولين غربيين دعموا فيها الاحتجاجات في إيران.
وفي بيان منفصل الجمعة، سأل أمير عبداللهيان خلال لقائه مشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلامية، “من يصدّق أن تكون وفاة فتاة بهذا القدر من الأهمية بالنسبة للغربيين؟”. وأضاف، “إذا كان الأمر كذلك، فماذا فعلوا إزاء مئات الآلاف من القتلى في العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان؟”.
واتفقت دول الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين بسبب الاحتجاجات، وفق ما أفادت مصادر دبلوماسية، على أن تصبح الخطوة رسمية بعدما يصادق عليها وزراء الخارجية خلال اجتماع يعقد الاثنين.
وفي اتصال منفصل مع نظيره البرتغالي جواو غوميش كرافينيو، كرر أمير عبداللهيان التحذير من الرد بالمثل على أي عقوبات أوروبية على طهران. وقال، “في بياناتها التدخلية، وضعت بعض الدول… مسألة إصدار قرار أو فرض عقوبات على جدول أعمال الاجتماع المقبل لمجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي”، مضيفاً “في حال اتخاذ خطوة كهذه، إيران ستتخذ خطوة في المقابل”.
تفادي الاعتقال
وتشارك شابات وتلميذات مدارس في تظاهرات خاطفة لتفادي اعتقالهن، كما يُشاهد في تسجيلات مصورة نشرت على الإنترنت.
ويقول المحللون، إن طبيعة الاحتجاجات المتعددة الأوجه عقدت مساعي الدولة لإخمادها، وقد تمثل تحدياً أكبر للسلطات مقارنة بالتظاهرات التي اندلعت في 2019 احتجاجاً على رفع أسعار الوقود بشكل مفاجئ.
وأجبر ذلك النهج العناصر الأمنية، بحسب تقارير، على التحرك بشكل كبير وتسبب في إرهاقهم، في وقت يبدو أن التظاهرات ستتواصل للشهر الثاني.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع صدرت دعوة إلى “المتقاعدين” في الحرس الثوري الإيراني للتجمع، السبت، نظراً لـ”الوضع الحالي الحساس” بحسب تقارير صحافية.
وفي مواجهة التظاهرات نفذت قوات الأمن حملة اعتقالات واسعة طالت نشطاء شباناً وصحافيين وطلاباً بل حتى قاصرين.
واعتقل تلاميذ داخل صفوفهم وانتهى بهم الأمر في “مراكز طب نفسي”، بحسبما نقلت تقارير عن وزير التعليم يوسف نوري.
وفي خطوة قلما تحدث أعلنت شرطة طهران، الجمعة، أنها ستحقق في سلوك أحد عناصرها بعد تقارير عن تحرشه بمتظاهرة أثناء محاولة توقيفها على هامش مشاركتها في احتجاجات أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني.
وأظهر شريط فيديو عنصرين من شرطة مكافحة الشغب على الأقل، وهم يعملون على توقيف امرأة، ونقلها إلى متن واحدة من أكثر من 10 دراجات نارية للشرطة في المكان.
ويظهر الشريط أحد العناصر وهو يقوم بلمس مؤخرة الشابة وهو يحاول وضعها على الدراجة النارية. وبعيد سقوطها أرضاً، تمكنت المتظاهرة من الوقوف مجدداً وسمح لها بمغادرة المكان.
تأييد داخلي
وعلت بعض الأصوات المؤيدة للمتظاهرين داخل البلاد.
وفي رسالة مفتوحة نشرت على صفحتها الأولى، دعت صحيفة “إعتماد” الإصلاحية أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني إلى الكف عن تنفيذ اعتقالات “تحت مسوغات قد تكون خطأ في بعض الأحيان”.
ونظمت السلطات الإيرانية بدورها تظاهرات مؤيدة لها شاركت فيها نساء يرتدين “التشادور”.
واستبدلت جدارية ضخمة تمثل شخصيات نسائية إيرانية يضعن الحجاب، غداة رفعها في ساحة رئيسة وسط طهران، بعدما أثارت جدلاً في ظل الاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا أميني، وفق وسائل إعلام محلية، الجمعة.
وتضمنت الجدارية التي رفعت، في وقت مبكر الخميس، عند ساحة وليعصر، صوراً لعشرات السيدات المعروفات في إيران، مع عبارة “نساء أرضي، إيران”.
إلا أن الجدارية استبدلت، وحلت مكانها أخرى لا تظهر فيها أي من الصور، بل يتوسطها الشعار الأساسي لكن على خلفية بيضاء.