حرية – (20/10/2022)
آية الله الرّئيس السّيّد إبراهيم رئيس السّاداتي، المعروف بـ”إبراهيم رئيسي”. له من اسمه نصيبٌ، وزيادة.
هو الرّئيس الثّامن للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، والرّئيس السّابق للسّلطة القضائيّة، والرّئيس السّابق للمؤسّسة الأكبر في إيران، “مؤسّسة العتبة الرّضويّة”.
شديد الولاء للنّظام الإيرانيّ،. تجمعه علاقة متينة بالحرس الثّوريّ ومؤسّسات الدّولة العميقة. نادرًا ما تظهر الابتسامة على وجهه. لا يُحبّه الإيرانيّون، وهذا لا يعنيه. ما يعنيه فقط أن ينال الحبّ الأكبر من المرشد علي خامنئيّ والحرس الثّوريّ، وكلّ حبّ أو بغض بعد هذا تفصيلٌ عابرٌ…
تنقّل مدة 35 عامًا بين المناصب الرّفيعة في مراكز القرار في إيران. عالم دينٍ وقاضٍ وحاكم ماليّ واقتصاديّ ورئيسٌ للبلاد.
يومَ احتاج مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة آيةُ الله الخميني عصًا غليظة يؤدّب بها مُعارضيه، لم يجد سوى إبراهيم رئيسي. فكان على قدر المَهمّة، بل وأسرفَ بدماء المُعارضين بأحكام إعدامٍ تراوحت بين حبل المشنقة وزخّات الرّصاص.
ويومَ احتاج خامنيئ الوصفة ذاتها، لم يجد سوى رئيسي، فعيّنه على رأس السّلطة القضائيّة، وصارَ اسمه مرتبطًا بقمع كلّ احتجاجٍ شعبيّ أو صوتٍ مُعارض.
من يتفرّس وجه رئيسيّ، يرى بين ملامح وجهه نظام الجمهوريّة الإسلاميّة بكلّ أركانه.
برزَ اسمه كأحد المُرشّحين الجديين للجلوس على عرش الإرشاد بعد كثرة الكلام حول خلافة خامنئيّ الذي بلغ الـ85 سنة، وصارَ الكلامُ حول خلافته أمرًأ واقعًا لا مفرّ منه، وإن كانَ خلف الأبواب المُغلقة.
من هو إبراهيم رئيسي؟
وُلِدَ رئيسي، في شهر كانون الأوّل/ديسبمر من عام 1960 في مدينة مشهد، ذات الرّمزيّة الدّينيّة شمال شرق إيران، وفيها مقام الإمام عليّ الرّضا بن موسى الكاظم ثامن الأئمّة الـ12 عندَ الشّيعة الإماميّة.
ترعرع إبراهيم رئيسي بين جدران بيتٍ مُتديّنٍ مُحافظ، إذ كانَ والده من عُلماء المدينة. مع بلوغه الـ15 سنة، أنهى دراسته الأوليّة في مشهد، ومنها انتقل إلى الحوزة الشّيعيّة الأكبر في العالم بعد النّجف، في مدينة قُم.
هُناك حصّلَ الرّئيس الإيرانيّ الحاليّ العلوم الدّينيّة من كبار عُلماء المدينة المُقدّسة عند الشّيعة، مثل آياتِ الله علي مشكيني، ونوري الهمداني. لكنّ درسه الأهمّ كان بحضوره أبحاث الخارج في الفقه والأصول عند المُرشِد علي خامنئي.
لا يرتبطُ إبراهيم رئيسي بالنّظام ارتباطًا عقائديًّا فقط. إذ زادَ عليه الارتباط الزّوجيّ، فاختارَ ابنة مُمثّل خامنئي في مدينة مشهَد الشّيخ أحمد علم الهُدى زوجةً له. ولا يقلّ العمّ ولاءً عن صهره، إذ يُشتهَر أحمد علم الهُدى بجملته الشّهيرة: “نطاق السّيد القائد (أي المُرشد علي خامنئي) لا يقتصر على جغرافيا إيران فقط”.
إعدامات بالجُملة
لم يقف رئيسي عند حدود العلوم الدّينيّة. إذ توجّه إلى إكمال دراسته الجامعيّة ونالَ شهادة ماجستير في الحقوق الدّوليّة من جامعة “مطهري”، وشهادة دكتوراه في “الفقه والمبادئ”.
حمَل شهاداته، ودَخلَ قطاعَ التعليم بشقّيْه الدّينيّ والأكاديميّ. اشتُهرَ بين طُلّابه بالهدوء، لكنّ هذا الهدوء يُخفي وراءه شخصيّة عاصفة حازمة لا تعرفُ الرّأفة إذا ما تعلّق الأمر بمُعارضة النّظام.
مع سقوط نظام الشّاه ووصول نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، اختيرَ رئيسي سنة 1980 مدّعيًا عامًّا لمدينة كرج غرب طهران وهو في العشرين من العمر، واستمرّ في منصبه حتّى عام 1985.
في هذا العام، كانَ المُرشد الرّاحل الخُمينيّ: اختاره المُرشد الإيرانيّ الرّاحل روح الله الخُميْنيّ في أوج انشغاله في حربه الضّروس على طول حدود بلاده مع العراق. ووجَد في رئيسي ضالّته لإسكات مُعارضي الدّاخل وقمعهم، فعيّنه نائبًا لمُدّعي عامّ العاصمة طهران.
عام 1988، كُلِّفَ رئيسي النّظَرَ في ملفّات تتعلّق بمعارضي الخُمينيّ وعلى رأسهم بـ”حزب توده” و” حركة مُجاهدي خلق”.
لم تنتظر الملفّات طويلاً على مكتبه. اختصَرَ الطّريق، واختار العلاج الأحبّ إلى قلبه، وهو حُكم الإعدام. لم يكُن سريعًا في الحُكمِ فقط، بل في التنفيذ أيضًا، فانتَزع أرواح آلاف المُعارضين في العام نفسه.
تُقدِّر منظّمة العفو الدوليّة عدد الذين أُعدموا في ذلك العام بنحو 5000.
تسبّبَت هذه الأحكام بإدراج إبراهيم رئيسي على لوائح العقوبات الأميركيّة. لكنّه لم يندَم يومًا على ذلك.
فهو أعلَن صراحةً أنّه فخورٌ بما صنعت يداه في أوّل مؤتمرٍ صحافيّ تحدّثَ فيه بعد اختياره رئيسًا ثامنًأ لإيران: “أنا فخور كوني مدافعًا عن أمن الناس وراحتهم كقاضٍ ومدّعٍ عامّ أينما كنت”.
مع بلوغه 29 عامًا، تُوفيّ الإمام الخُمينيّ فأمرَ تولّى رئيسي رئيس السلطة القضائية آنذاك آية الله محمد يزدي بتعيينه مدّعٍ عامّ للعاصمة طهران. شغلَ المنصب حتى سنة 1994. ثمّ تولّى منصب رئاسة دائرة التفتيش العامّة وبقي في هذه المهمّة حتى 2004.
تولّى إبراهيم رئيسي بين 2004 و2014 منصب النّائب الأوّل لرئيس السّلطة القضائيّة، ثمّ صارَ مدّعيًا عامًّا لكلّ إيران بين 2015 و2017.كما ترأّسَ أيضًا المحكمة الخاصّة برجال الدين منذ عام 2012. وظلّ منذ عام 2007 عضوًا في مجلس خبراء القيادة وواحدًا من 11 عضوًا يؤلّفون لجنة اختيار المُرشِد الأعلى للبلاد.
القابض على العتبة الرّضويّة
لم يكتَفِ المُرشِد الإيرانيّ بكلّ المناصب والمهام التي أوكلها إلى إبراهيم رئيسي في آنٍ واحد، فعيّنه سنة 2016 رئيسًا لأكبر وأهمّ المؤسّسات في إيران: العتبة الرّضويّة” التي تُعرَف بالفارسيّة بـ”آستان قدس رضوي”، والتي تدير أوقاف مقام الإمام الرّضا في مشهد وتستثمرها لمصلحة النّظام وأذرعه في الشّرق الأوسط.
يُضاف إلى رمزيّة المنصب الدّينيّة، رمزيّته وقوّته الماليّة والاقتصاديّة. فصارَ تجاوزه غير مُمكن في اتخاذ القرارات في الجمهوريّة الإسلاميّة.
فالعتبة الرّضويّة هي واحدةٌ من أغنى المُنظّمات الدّينيّة في العالم. وتدير شبكة واسعة من الشركات النّفطيّة والتجاريّة والماليّة والإنشائيّة والصّناعيّة والزراعيّة والإعلاميّة والثّقافيّة والطبيّة. ويبلغُ عدد العاملين بالمؤسّسة وشركاتها نحو 210 آلاف شخص. وتتهم أميركا المؤسّسة بتمويل حزب الله والحشد الشّعبيّ.
الرّئاسة: خيبة ثمّ تعيين
عام 2017، اعتقدَ رئيسي أنّه باتَ جاهزًا لقيادة البلاد. فخاضَ الانتخابات الرّئاسيّة باعتبارها مسؤوليّة “دينيّة”، لكنّ الحظّ لم يُحالفه، فرسبَ أمام مُنافسه الإصلاحيّ الشّيخ حسن روحاني.
حسمَت الأرقام الجدل حول شعبيّة رئيسي. فتبيّن أنّه يفتقر إلى الشّرعيّة الشّعبيّة في أوساط النّاخبين في بلاد فارس.
إذ نال الشّيخ روحاني 24 مليون صوتًا، فيما حصلَ رئيسي على 14 مليونًا، أي بفارق 10 ملايين صوت.
أعادَ رئيسيّ الكرّة في 2021، لكنّ هذه الدّورة الانتخابيّة كانت مُختلفة عن دورة 2017.
ساعدَه “مجلس صيانة الدّستور”، فأزاح من دربه كلّ المنافسين الجدّيين، بدعمٍ واضحٍ من المُرشد والحرس الثّوريّ وصقور التّيّار الإسلاميّ المُحافظ المعروف بـ”تيّار حزب الله”.
أزاحَ المجلس تحت عنوان “دراسة الملفّات” كلّاً من رئيس مجلس الشّورى السّابق علي لاريجاني والرّئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد الذي أعلنَ أنّ الانتخابات بـ”مُهندسة سلفًا لمصلحة مرشّح المؤسّسة الدينيّة، ودعا مناصريه لمُقاطعتها”.
كانت طريقه الرّئاسيّة سهلة ومُعبّدة في ظلّ المُقاطعة الواضحة للانتخابات التي كانت دورةً للمُصادقة على تعيين إبراهيم رئيسي رئيسًا للبلاد. فاز الدّكتور رئيسي بـ17 مليون صوت مُقابل 3 ملايين لأقرب منافسيه قائد الحرس الثّوريّ الأسبق الجنرال مُحسن رضائي.
تدلّ الأرقام على حجم المُقاطعة. إذ مجموع ما ناله رئيسيّ ورضائي معًا لا يُساويّ عدد الأصوات التي فازَ فيها حسن روحاني في دورة 2017. وهذا يدلّ على امتعاض الإيرانيين من الانتخابات المُعدّة سلفًا.
نَهَلَ رئيسيّ خبرةً ونفوذًا لا يُستهان بهما في إيران. فدخل المقرّ الرّئاسيّ براحةٍ تامّة رغم مُعاضة مُنافسيه والشّعب الإيرانيّ. تبوّأ كلّ مناصب القوّة في إيران، ولم يعد أمامه سوى كرسيّ الإرشاد. وفي حالَ جلسَ عليه رئيسيّ، فيُمكن عندها القول “إنّه لم يترك منصبًا يعتبُ عليه” .
إبراهيم ريحان