حرية – (26/10/2022)
سمير النصيري
انتشرت بشكل واسع خلال الاسبوع الماضي ومازالت مستمرة اشاعات في سوق تداول العملة الاجنبية يروج لها المضاربون وبعض السياسيون غير المختصين بالاقتصاد لاغراض ولمصالح ضيقة مستغلين مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة ودغدغة مشاعر الجمهور من ذوي الدخول الواطئة
الذين عانوا من ارتفاع الاسعار للمواد الغذائية والمواد الاساسية الاخرى وارتفاع نسب التضخم .لذلك لاحظنا تأثر سوق العملة بالاشاعات مما ادى الى ارتفاع طفيف ومؤقت بالدينار والذي كان محافظا على استقراره على مستوى السعر المعلن والمستهدف من البنك المركزي ومنذ عدة اشهر .
ان المهم هنا هل هناك مصلحة اقتصادية عليا من تغيير سعر الصرف واعادته الى سعره السابق وماهي الفوائد والاضرار في حالة تم التغيير .هل سيستفاد المواطنون الذين تضرروا من ارتفاع الاسعار وهل كان تغيير سعر الصرف هو السبب الاساسي في معاناة المواطنين ذوي الدخول الواطئة.
ان عملية رفع قيمة العملة المحلية بكل تأكيد سوف لاتؤدي الى تخفيض الاسعار بنسبة كبيرة لان المبدء الاقتصادي يؤكد (مرونة الاسعار في الارتفاع محدودة في الانخفاض) ولان ارتفاع الاسعار كان السبب الاساسي لها هو ارتفاعها عالميا لتأثيرات جائحة كورونا واغلاق الاقتصاد العالمي والحرب الروسية الاوكرانية وهذا يدحض ادعاءات بعض السياسين الذين يبحثون عن مصالح احزابهم .وان عملية التغيير والعودة للسعر السابق ستودي الى تكاليف باهضة يتحملها الاقتصاد واضرار كارثية سيتحملها المواطنين بسبب المشاكل التي ستحدث في التعاملات التجارية والمالية الداخلية فيما بينهم والى مشاكل مالية واقتصادية ستشكل ضغوطا على العلاقات البينية مع دول العالم .
لذا يجب اقتصاديا دراسة توقعات اتخاذ اي قرار بشأن سعر الصرف ومنها ، انخفاض احتياطيات البنك المركزي وكفايتها ونسبة الدين الخارجي والداخلي الى الناتج المحلي الاجمالي ، الانفاق الحكومي وعلاقته بنمو الايرادات النفطية ونمو الناتج المحلي الاجمالي ، و نسبة استجابة الاسعار لتغيرات سعر الصرف ،
اضافة الى اعادة التوزيع للدخل الفردي والدخل القومي ، وعدم وجود عمق مالي يمثل احتياطي الحكومة بسبب عدم وجود صندوق سيادي وبالتالي سيتم تأثر الاقتصاد العراقي بالتضخم الركودي العالمي المتوقع كما ان الحكومة لم تسدد مابذمتها الى البنك المركزي من الدين الداخلي بالرغم من الوفرة التي تحققت بسبب ارتفاع اسعار النفط مما سيمنع البنك المركزي من انقاذ الاقتصاد من الانهيار في حالة الازمات المتوقعة خصوصا اذا انخفضت الاحتياطيات بسبب توقع هبوط اسعار النفط مستقبلا .
لذا ليس من السهل استهداف سعر الصرف الحالي في دولة مصادر دخلها يعتمد على (العوائد النفطية) وهي مصدر الدولار في العراق) ، لذلك يعاني اقتصادنا من عجز مالي بنيوي. ولانمتلك رؤية اقتصادية اصلاحية شاملة وذات ملامح واضحة و محددة لذلك فان تغيير سعر الصرف لايضمن الاستقرار الاقتصادي في الظرف الحالي .
وعليه يجب توخي الحذر عند اتخاذ اي قرار متعلق بموضوع سعر الصرف . وفقا لثاثيرات وانعكاسات الواقع الاقتصادي في بلدنا وهو يعاني من تحديات وتداعيات وازمات اقتصادية ومالية وخلل بنيوي ومنهجي في ادارة الاقتصاد والمال لايتحملها البنك المركزي بمفرده لان دوره واضحا ومحددا ومستقلا يتركز في تحفيز الاقتصاد وفقا لادوات وتطبيقات السياسة النقدية والقطاعات الاقتصادية الاخرى وتفعيل الاقتصاد الحقيقي وتنويع مصادر الدخل القومي ومغادرة احادية الاقتصاد بالاعتماد على النفط كمورد رئيسي.
لذلك فان الذين ينتقدون البنك المركزي يجب ان يعودوا لبيان البنك المركزي الذي حدد فيه اسعار الصرف الجديدة بتاريخ كانون الاول / ٢٠٢٠ واالذي اوضح فيه بشفافية عالية اسباب وحثيثيات تحديد السعر وماهي الاجراءات التي سيتخذها وما يتوجب على الجهات الاخرى اتخاذها لكي نحافظ على استقرار السعر الجديد لان البنك لايمكن العمل بمفرده بدون منهجية اقتصادية ومالية منسقة مع المالية العامة يدعمها البنك المركزي وفقا لما ورد بقانونه ٥٦ لسنة ٢٠٠٤ من مهام واهداف. بسبب هذهِ الأحوال مجتمعة، لم يكن أمام البنك المركزي إلا التدخل في أكثر من مناسبة، لدعم المالية العامة وإنقاذ متطلبات الانفاق العام الحرجة.،
ويتفهم البنك المركزي المصاعب التي تواجه نوايا الإصلاح التي تتجه الحكومة للقيام بها، ولكن ذلك لا يمنع من رهن أية خطوات يمكن أن تقوم بها السلطة النقدية بخطوات فاعلة لإجراء الإصلاحات التي تمس حتماً مؤسسات السلطة المالية، وخصوصاً مؤسسات الجباية الفاعلة، الجمارك والضرائب، ومؤسسات الجباية العامة الأخرى، وأن يجري ترشيق الانفاق وترشيده، وكل ذلك يعتمد على الإرادة السياسية لمؤسسات الدولة العليا التي تدعم توجهات السلطة المالية لتحقيق ذلك.
ويتطلب الأمر توجه الحكومة لدعم الفئات الهشة التي تأثرت حتماً بشكل مباشر. بتفعيل القطاعات الاقتصادية من غير النفط وتحفيز وتنشيط الاقتصاد واكمال المشاريع الاستثمارية المتلكة وتشغيل العاطلين
ودعم القطاع الخاص وهذه ستساهم حتما برفع قيمة الدينار العراقي وليس بتعديله سياسيا .