حرية – (26/10/2022)
لعل هذه المرافعة تكون الأخيرة لي، اقتربت من الـ 80 وأعاني السرطان، وقد أديت واجبي تجاه موكلي واجتهدت، ولكل مجتهد نصيب حتى لو أخطأ”.
على رغم خطورة حاله الصحية خلال الفترة الأخيرة إثر إصابته بسرطان الدم، لم يكن المحامي المصري الشهير فريد الديب يدرك أن مرافعته في أبريل (نيسان) الماضي أمام منصة القضاء في القضية التي عرفت إعلامياً بـ “قضية الآثار الكبرى” هي آخر مرافعة علنية له في مشواره القانوني المثير للجدل على مدى خمسة عقود.
فقبل أشهر كان الديب الذي وافته المنية الثلاثاء، 25 أكتوبر (تشرين الأول)، قد أثار الجدل مجدداً بعد أن أعلن عزمه الانضمام إلى فريق المحاماة الخاص بقاتل الطالبة نيرة أشرف أمام أبواب جامعة المنصورة، مقدماً طعناً أمام محكمة النقض على الحكم الصادر بإعدام المتهم، وهي القضية التي هزت المجتمع المصري وجرت وقائعها في يونيو (حزيران) الماضي.
وأصيب الديب الذي كان يوصف بـ “محامي المشاهير” بمرض سرطان الدم منذ سنوات، وظل يعالج منه حتى تدهورت حاله الصحية خلال الأشهر الأخيرة، وأعلن أفراد أسرته الثلاثاء وفاته ونعاه كثيرون من أبرزهم علاء نجل الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي كتب على صفحته بموقع “تويتر”، “لا ننسى وقفة الرجل مع الأسرة وقت أن انسحب الآخرون”.
بين القضاء والمحاماة
ويعد الديب المولود بحي الخليفة بالعاصمة المصرية القاهرة في أكتوبر 1943 والذي تخرج في كلية الحقوق عام 1963، أحد أبرز المحامين في مصر على مدى السنوات الأخيرة نظراً إلى عدد القضايا الكبيرة والمثيرة للجدل التي تولاها.
وقبل امتهانه المحاماة عام 1971 عمل بعد تخرجه بتقدير جيداً جداً في مهنة القضاء وكيلاً للنائب العام، قبل أن يتم استبعاده من المنصب ومعه 127 آخرين عام 1969 على خلفية أحداث ما يعرف بـ “مذبحة القضاة”.
وعلى مدى مسيرته في مهنة المحاماة اكتسب الديب شعبية كبيرة لما يمتلكه من مهارة في الترافع أمام المحاكم وحيله القانونية وتركيزه على ثغرات النصوص، بحسب ما يقول مقربون منه، وعليه تولى عدداً من القضايا الشهيرة كان أبرزها دفاعه عن الرئيس الأسبق حسني مبارك (قضية القرن) بعد إطاحته من الحكم في يناير (كانون الثاني) 2011، والدفاع عن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، وقبلهم تولى الدفاع عن الأديب العالمي نجيب محفوظ فضلاً عن كثير من الفنانين والممثلين ومشاهير المجتمع.
وعلى رغم شهرته الواسعة خسر الديب عدداً من القضايا ومنها قضية الجاسوس عزام عزام عام 1997، كما خسر قضية أيمن نور المرشح الرئاسي السابق وقضية محمد الوكيل رئيس “قطاع الأخبار” بالتلفزيون المصري.
تاريخ من الجدل
وعلى مدى مسيرته في مهنة المحاماة تولى فريد الديب الدفاع عن قضايا كانت مثار جدل في الشارع المصري ومن بينها قضية الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام، وقضية رجل الأعمال والسياسي المشهور هشام طلعت مصطفى، فضلاً عن الرئيس الأسبق مبارك ووزير داخليته العادلي.
وكانت قضية الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام عام 1997 محطة بارزة في مسيرة الديب بمهنة المحاماة حين تولي الدفاع عن المتهم انطلاقاً من قناعته ببراءته، مما أثار جدلاً كبيراً في الشارع العربي والمصري، في وقت اعتبرت نقابة المحامين المصرية مرافعته عن عزام “خيانة للوطن وتلويثاً للسمعة النضالية للنقابة”، وطالبته بالانضمام إلى الحملة ضد الجاسوس، كما لوحت النقابة بأنها قد تتخذ إجراءات عقابية بحقه إن أكمل دفاعه، لكنه أصر على موقفه.
وفي تلك القضية قضت المحكمة بإدانة عزام بتهمة التخابر مع “الموساد” وحكم عليه بالسجن 15 عاماً مع الأشغال الشاقة، ليتم إطلاقه لاحقاً بعد قضائه ثماني سنوات من العقوبة في مقابل إطلاق ستة طلاب مصريين اعتقلوا في الأراضي الفلسطينية.
ولم ينته الجدل حول المحامي الشهير عند هذا الحد، إذ تقدم عام 2008 للدفاع عن رجل الأعمال الشهير هشام طلعت مصطفى على خلفية اتهامه بالتحريض على قتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم في دبي، وهي الجريمة التي تواصلت تبعاتها وأصداؤها لسنوات.
وعلى رغم حكم المحكمة بإحالة طلعت مصطفى إلى المفتي، وهو ما يعني عقوبة الإعدام، استطاع فريد الديب تخفيف الحكم ليصل إلى السجن المشدد 15 عاماً.
وفي عام 2011 عاد الديب إلى دائرة الضوء مجدداً بعد أن تقدم للدفاع عن الرئيس الأسبق حسني مبارك إبان محاكمته، وهي القضية التي كانت توصف بـ “محاكمة القرن”، حيث تولى الديب الدفاع عن مبارك وعائلته في ثلاث اتهامات حتى قضت المحكمة ببراءة الرئيس الأسبق وكل من معه من معظم التهم، مثل قتل المتظاهرين وتصدير الغاز إلى إسرائيل والفساد المالي، لكنه خسر قضية واحدة وهي “القصور الرئاسية”، بعد أن قضت دائرة في محكمة جنايات القاهرة في مايو (أيار) 2015 بسجن مبارك وابنيه ثلاث سنوات لكل منهم.
آخر المرافعات
ومن بين رموز نظام مبارك اختار الديب كذلك الترافع عن وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء حبيب العادلي في قضية اتهامه بتسهيل الاستيلاء على أموال وزارة الداخلية، إذ حصل على البراءة من تهم عدة منسوبة إليه وتم رفع الحظر عن ممتلكاته.
وخلال العام الحالي كان لافتاً تصديه للمرافعة في قضية الآثار الكبرى التي اتهم فيها رجل الأعمال حسن راتب ونائب برلماني سابق بعد تورطهما في قضايا تهريب آثار وغسل أموال، وهي القضية التي شهدت آخر ظهور للديب في المحكمة في أبريل الماضي.
وقال للقاضي خلال الجلسة إنه مريض بالسرطان وإنها ستكون آخر قضية له في محاكم الجنايات.
لكن في يونيو الماضي أعلن الديب انضمامه إلى الدفاع عن قاتل الطالبة نيرة أشرف بعد أن قضت المحكمة بإعدامه، ليقدم الديب طعنه المكتوب إلى محكمة النقض، وهي الجريمة التي هزت الشارع المصري وقتها.
وطوال الأشهر الأخيرة عانى الديب مرض سرطان الدم وتدهورت حاله الصحية مما دفعه إلى إعلان اعتزال المرافعات والتفرغ لإعداد مذكرات النقض وإدارة القضايا التي ستوكل إليه من داخل مكتبه.