حرية – (30/10/2022)
إذا كنت من جيل الألفية ، فقد يتهادى إلى ذهنك لحن الإعلان التلفزيوني لمشروب كحولي يدعى “ميتز” (Metz) والذي تقوم على وقعه شخصية شريرة شبيهة بـ”جاك فروست” بالتحايل على قروي لإقناعه بالاستمتاع بـ”مذاق الشراب اللذيذ”. والآن، كلما أكون في الغابة تحت ضوء القمر، أفكر في هذه الشخصية وينتابني القليل من الخوف.
فمنذ الإغلاق الذي فرضته علينا جائحة كورونا وأنا أمارس رياضة السباحة الليلية في الهواء الطلق في بحيرة مجاورة تحيط بها من كل جانب غابة من أشجار السنديان المخضرم التي تتكئ على بعضها بعضاً لكأنها دعائم من الطراز القوطي. وفي كل مرة أقصد فيها هذا المكان أشعر بارتعاش حقيقي، فالليل في الطبيعة هو الوقت الذي تستيقظ فيه معظم الحيوانات وتصدح فيه أصوات غريبة (صوت “جودرمان” بطبيعة الحال) وتعبق فيه الأجواء بروائح قوية.
وقد تعرفت إلى رياضة السباحة الليلية فيما كنت أبحث، مثلي مثل كثيرين، عن نشاط مجاني يخفف عني القلق من الموت الوظيفي وسط معمعة كورونا. وحسب آخر إحصاء، فقد تجاوز عدد أعضاء “جمعية السباحة في الهواء الطلق” (OSS) عتبة الـ170 ألف عضو، مرتفعاً بأكثر من الثلث منذ عام 2020. أما بحسب أحدث استطلاع رأي أجرته الجمعية، فإن السبب الرئيس وراء الاندفاع الكبير نحو السباحة في الهواء الطلق هو “الفرح” وأكثر من ثلث المستطلعين اليوم يغطسون تحت جناح الظلام.
وتعليقاً على هذه النتائج. تقول كايت رو، مؤلفة “دليل السباحين في الهواء الطلق” (The Outdoor Swimmers” Handbook) ومؤسسة “جمعية السباحة في الهواء الطلق” إن “الكثير من الناس يعودون إلى أحضان الطبيعة ليجدوا فيها الراحة الحقيقية”. وتضيف: “إنها طريقة رائعة لتشعر بأنك جزء من الكوكب ولتعانق الجانب الأكثر جموحاً من شخصيتك”، على أساس أن السباحة الليلية تعزز الإحساس بما سبق، “وفي ظل انعدام الجاذبية واستبعاد أحد الحواس البشرية الرئيسة، لا بد وأن يشعر الواحد منا وكأنه رائد فضاء يسبح في الفضاء”.
وفي هذا المساء، أعود إلى البحيرة لأواصل مغامراتي الجريئة مرتدياً رداء الحمام وفي رجلي خفي المعتاد. وبعد أن تجاوزت البوابة الدوارة على عجل، مشيت بخطى بطيئة – بما أن عيني لم تتكيفا بعد مع الظلام – عبر الطريق المخيف باتجاه رصيف البحيرة. وهناك، لمحت طيور البجع المفضلة لدي تستريح على متن زورق مصمم خصيصاً لهذا الغرض. ولما دنوت منها، غطست في الماء، تاركة لي ممراً واضحاً إلى البحيرة.
الغوص في هذه الطبقة الزجاجية المتلألئة لا ينفك يذهلني ويشعرني بأنه فعل إيمان
وصحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي أغوص بها في هذه الطبقة الزجاجية المتلألئة، لكن النزول فيها يذهلني في كل مرة ويشعرني بأنه فعل إيمان “عن حق وحقيق”. ولهذا تراني آخذ دقيقة قبل أن أفتح عيني وأستمتع بضوء الهلال وهو يخترق دمس السماء، كما يخترق الطلاء الفرنسي الجوارب باللون الأزرق الداكن، وبمنظر القصب وهو يتمايل عند حافة المياه وخلفه تلة ارتفعت عليها ظلال قصر من العصر اليعقوبي رسمتها نوافذه المضاءة بالشموع.
“يمكن أن تستغرق العينان ما بين 25 و40 دقيقة للتكيف مع الظلام”، توضح رو. “ومن أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة من السباحة الليلية، امنح نفسك بعض الوقت بعيداً من الضوء الاصطناعي قبل أن تدخل في الماء، وستتفاجأ بما يمكنك رؤيته لو فعلت”.
بحيرة داميان تصبح ملاذا للهدوء عندما يحل الليل
ولعل الوقت الأنسب للسباحة الليلية، على عكس قصتي، هو عشية اكتمال القمر. وبرأي رو، “أكتوبر (تشرين الأول) هو شهر مميز بشكل خاص. فخلاله، يبزغ القمر بعد غروب الشمس ويبان عند الأفق”. وكي لا يفوتك هذا المشهد، تأكد من السباحة في موقع مطل على الأفق طبعاً.
والأهم من ذلك، “اختر موقعاً تعرفه تمام المعرفة – واستكشف ما يمكن أن تكون عليه حال السباحة فيه ليلاً.”
وقد يكون العثور على موقع جيد للسباحة الليلية أمراً صعباً بالنسبة إلى المبتدئين، لا سيما أن الوصول العام لمواقع مماثلة محدود جداً في المملكة المتحدة (97 في المئة من مياهنا الداخلية خارج الحدود)، لكن بالنسبة إلى كايت، ثمة مواقع عديدة لممارسة هذه الرياضة والمفضل لديها يقع على نهر التايمز في ساوث ستوك في أوكسفوردشاير ويمكن الوصول إليه عبر ممر للمشاة. “إنه مكان مثالي للسباحة عند اكتمال القمر لأنه مفتوح للغاية.”
وإن كان على البحر، فهو متاح للجميع طبعاً، لكن حري بنا توخي الحذر منه لأن البدر (اكتمال القمر) يتزامن مع ارتفاع المد والجزر بشكل غير عادي ويتسبب بمزيد من التيارات البحرية. انضم إلى المجموعة المحلية للسباحة في الهواء الطلق على “فيسبوك” للحصول على المشورة، أو اشتر كتاب كايت الذي يتضمن فصلاً كاملاً عن السباحة الليلية.
فيما أشق طريقي في البحيرة، يتحول سطح المياه إلى اللون المعدني. وما بين الظلال ولون الكروم، تبرز نقاط غير متبلورة وما بين النقطة والأخرى، أشك في العمق والشكل
ومن يتساءل عن الساعة الأنسب لممارسة السباحة الليلية، فالإجابة هي عند الشفق الفلكي، أي حينما يبدأ الليل بالأفول وتكون السماء في أوج تلألئها. يمكنك تحديد الوقت الدقيق لهذه الظاهرة بإجراء بحث بسيط عبر شبكة الإنترنت.
آحح!! ينقض الماء البارد على جسمي وعقلي بقوة، لكنه سرعان ما ينحسر إلى ألم ممتع قادر على أن ينتشلني من هموم الماضي والمستقبل ويوقف الزمن عند اللحظة الحالية. وفيما أشق طريقي في البحيرة، يتحول سطح المياه إلى اللون المعدني. وما بين الظلال ولون الكروم، تبرز نقاط غير متبلورة وما بين النقطة والأخرى، أشك في العمق والشكل.
كنت أستخدم عيني وأنظر إلى الشاشة طوال اليوم، لكن الآن وقد نزلت البحيرة، لم أعد في حاجة إليهما، لذا أريحهما وأترك المجال أمام حواس الشم والسمع واللمس لتقود طريقي بدلاً منهما. “ثمة شيء مختلف في شأن السباحة أثناء الليل”، تشرح رو، “ومن شأن هذا الاختلاف أن يغير تجربتك مع المياه، بمعنى آخر، من دون بصرك، سيبدو الأمر وكأن أطرافك تتحرك بطريقة ما في أكثر من بعد”.
من المهم اختيار مكان تعرفه جيدا للسباحة في الليل
إلى ذلك، هناك شيء يبعث على الحنين في شأن السباحة في الليل. ويمكن لهذا الشيء أن يتلخص في أغنية “السباحة الليلية” لفرقة “آر أي أم”: “الخوف من الوقوع/ من التهور والماء// لا يمكنهم رؤيتي عارياً// هذه الأشياء تزول// ويتم استبدالها كل يوم.”
وبينما أسرح نظري في الغابة، أيقنت أن هذا الموقع هو الملاذ الذي دخنت فيه أول سيجارة وشربت فيه أول زجاجة “ميتز” في حياتي، وكان ذلك قبل 20 عاماً من اليوم. بعد ذلك، خرجت من المياه واتجهت نحو السيارة وأنا أرتجف قليلاً وأقول لنفسي: “لا داعي للخوف”. “أنت (جودرمان) الآن.”
لمزيد من النصائح حول السباحة الليلية، قم بزيارة الموقع الإلكتروني:outdoorswimmingsociety.com أو استشر “دليل السباحين في الهواء الطلق” الصادر عن دار” رايدر بوكس” (Rider Books) للنشر بسعر 22 جنيهاً استرلينياً.