حرية – (31/10/2022)
لم يعد تطبيق “تيك توك” منصة للترفيه فقط، بل فضاء افتراضياً يستقطب المشعوذون من خلاله الزبائن ويوهمونهم بأن لديهم قدرات خارقة ستساعدهم على حل المشكلات وتحسين ظروفهم إلى الأفضل.
“مولات اللدون” هكذا تلقب نفسها على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، شابة مغربية في الثلاثينيات من عمرها لديها قناة على “تيك توك”، تقدم النصائح وتشرح طرق فك السحر وإيجاد الشريك، ترتدي ملابس عصرية، وتعرف نفسها على أنها ساحرة واكتسبت الخبرة من أحد أقاربها، ومعظم متابعيها من النساء التي تقدم إليهن النصائح و”الوصفات السحرية”.
ومن أجل الحصول على خدماتها تشترط على المتابعات إرسال مبلغ مالي وتوثق عبر تقنية الفيديو كيف مارست طقوسها السحرية لحل مشكلة زبونتها وتنشر الفيديو على قناتها في “تيك توك”، وبحسب بعض التعليقات فإن المتابعات يرسلن المال الذي يختلف بحسب نوعية الخدمة وينتظرن نشرها للفيديو للتأكد من أنها قدمت خدماتها إليهن.
وعلى رغم أن القانون المغربي يجرم أفعال السحر والشعوذة، بيد أن مواقع التواصل الاجتماعي زادت من شعبية السحر وخلقت له طرقاً جديدة، بحيث يملك المشعوذون حالياً قنوات على “تيك توك” ويمارسون طقوسهم عن بعد ومن دون الحاجة إلى التواصل المباشر مع الزبائن.
الربح من “السحر الافتراضي”
عندما نتصفح الفيديوهات القديمة للملقبة “مولات اللدون” نجد أنها كانت في البداية ترقص وتتحدث عن يومياتها خلال العمل بالبيوت في إيطاليا، لم تكن حينها تحظى بنسب مشاهدة عالية، لكن بمجرد ما تناولت موضوع “السحر” تضاعف عدد متابعيها وخصصت حينها محتوى القناة لشرح “وصفات السحر”.
بسؤالها عن الأسباب التي تجعلها تثق بـ”ساحرة افتراضية” وتطلب منها مساعدتها في إيجاد شريك أجابت “أمينة” (39 سنة)، إحدى متابعات قناة “مولات اللدون”، “هناك عدد كبير من النساء جربوا وصفاتها وكتبوا في التعليقات أنها جيدة، لهذا قلت لماذا لا أستعين بخدماتها أنا أيضاً لإيجاد زوج”.
كريمة شابة مغربية مقيمة في فرنسا تعرضت للنصب والاحتيال من طرف سحرة “تيك توك”، قالت “كنت أعاني اختناقاً في التنفس وأشعر برغبة في البكاء”، وجدت فيديوهاته صدفة، “هو شاب يدعي امتلاكه قدرات خاصة في فك السحر، تواصلت معه وأعطيته رقمي اتصل بي حينها وطلب مني إجراء محادثة فيديو ليشخص حالتي، بعدها أخبرني أني ضحية سحر وأنه سيتابع معي حتى أتعالج”.
وتوضح أنها أرسلت له مبلغ 500 يورو مقابل علاجها، لكن “لم أشعر بأي تحسن وكان يطلب مني أن أرسل مزيداً من المال، لكني رفضت لأنه احتال علي”.
احتيال بملابس عصرية
لا يرتدي سحرة “تيك توك” ملابس تقليدية، فمعظمهم يرتدون ملابس عصرية ويستهدفون الجيل الجديد من الشباب عبر نشر فيديوهات عن السحر وزيارتهم للأولياء والأضرحة.
ينشر إبراهيم الذي يعيش في إسبانيا على قناته عبر “تيك توك” فيديوهات خاصة بالسحر ويتابعه الآلاف ويدعي أيضاً أنه “يفك السحر” ويتلقى عدداً كبيراً من التعليقات معظمها من نساء.
يدرك المشعوذون كيف يحتالون على ضحاياهم ويستغلون جهلهم لإيهامهم بأنهم سيحلون مشكلاتهم.
استغلال جهل الضحايا
المخرج والخبير في مواقع التواصل الاجتماعي حكيم الهشومي يرى أن الهاتف المحمول أصبح منزلاً يعيش فيه الناس وامتداداً لعالمهم ورؤيتهم وآفاقهم، لقد أصبح “أنا آخر”، وقال إن منصة “تيك توك سهلت ممارسة الطقوس السحرية لأنها لم تعد تتطلب التنقل، بل فقط مشاهدة فيديو وكتابة الرسائل وتحويل المال أيضاً عبر الهاتف وإجراء محادثات بواسطة الفيديو”، مضيفاً أن زبائن السحرة في السابق كانوا من الحي نفسه أو المدينة ذاتها، أما اليوم، فلديهم متابعون من مختلف دول العالم ويستخدمون “تيك توك” وخوارزمياته العصرية لاستغلال جهل الضحايا وإيهامهم بقدرتهم على حل مشكلاتهم والنصب عليهم لأن هدفهم هو الربح.
وأوضح أن “تيك توك” سهل على المشعوذين استقطاب زبائن جدد كانوا في السابق يخشون الذهاب إليهم، خوفاً من الوصم الاجتماعي وأيضاً بسبب الفوارق الطبقية لأن معظم المشعوذين يعيشون على الهامش.
ويدعو الهشومي إلى “ضرورة تعزيز الوعي النقدي في المدارس والإعلام، سواء التقليدي أو الرقمي، ليتجنب الناس التعرض للنصب والاحتيال، مضيفاً أن “عالم مواقع التواصل الاجتماعي ما زال جديداً بالنسبة إلينا ولا توجد آليات للتعامل معه لهذا أفضل حل هو التوعية”.
وكان المركز الأميركي “بيو” تناول في تقرير “ظاهرة الشعوذة والسحر داخل المجتمع المغربي”، مشيراً إلى ارتفاع نسبة ثقة المغاربة بالمشعوذين وأن نحو 86 في المئة منهم يعتقدون بوجود الجن، بينما 78 في المئة يؤمنون بـالسحر والشعوذة و80 في المئة متأكدون من حقيقة شر العين و7 في المئة استعملوا تعويذات لمحاربة الشر وجلب الحظ و16 في المئة استعملوا وسائل أخرى لطرد شر العين.