حرية – (1/11/2022)
تستخدم دول الخليج العربية الطفرة الهائلة في عائداتها لبناء “جسور اقتصادية مع جيرانها الأفقر”، وفق تقرير لشبكة “سي إن إن” الإخبارية.
وتضاعف الأنظمة الخليجية من التعاون الاقتصادي من خلال صناديق الثروة السيادية التي تعمل على تأمين الاستقرار في دول إقليمية، من خلال استثمارات بمليارات الدولارات.
وتتصدر السعودية والإمارات هذه الاستثمارات، حيث ترسخ الدولتان نفسهما في بلدان واجهت اضطرابات محدودة بسبب الضائقة الاقتصادية.
وقال رئيس معهد صندوق الثروة السيادية في لاس فيغاس، مايكل مادويل، إن “المال يتكلم”.
وأضاف: “يمكن استخدام صناديق الثروة السيادية كأدوات للسياسة الخارجية كنوع من القوة الناعمة”.
وارتفعت عائدات دول الخليج بفضل انتعاش أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي، بسبب تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا، مما جعل اقتصادات هذه الدول تنمو سريعا في عام 2022 وتعود للفائض في الميزانية.
والأسبوع الماضي، قال صندوق النقد الدولي إن مصدري الطاقة في الشرق الأوسط، بما في ذلك دول الخليج، من المتوقع أن يحققوا مكاسب غير متوقعة بنحو تريليون دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة.
وكان صندوق الثروة السيادي السعودي أطلق 5 شركات استثمارية جديدة في دول البحرين، عمان، الأردن، السودان، والعراق بعد أن أطلق شركة مماثلة بمصر خلال وقت سابق من العام الحالي.
وقال صندوق الاستثمارات العامة السعودي إن الشركات ستستهدف استثمارات تصل إلى 24 مليار دولار في قطاعات تشمل البنية التحتية والعقارات والتعدين والرعاية الصحية والأغذية والزراعة والتصنيع والتكنولوجيا.
وبعد ما يقرب من عقد من الخصومة مع دول إقليمية، تتجه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نحو نهج أقل تصادمية.
وأصلح كلا البلدين العلاقات مع الخصمين الإقليميين تركيا وقطر، وتواصل كلاهما مع إيران. كما قللا بشكل كبير من نشاطهما العسكري في اليمن، حيث خاضا الحرب قبل سبع سنوات تحت تحالف عسكري.
ويقول المحللون إن هذا نهج جديد لضمان الاستقرار الإقليمي، وذلك بشكل أساسي من خلال تعزيز الاقتصادات الرئيسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط من خلال الاستثمارات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمموليها.
وقال رئيس فريق أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا، أيهم كامل، إن “الهيكل الحالي بالتأكيد تطور من الأيام التي كان يُنظر فيها إلى القوة الصلبة على أنها أكثر فعالية”.
عقد “منهك”
جاء إعلان صندوق الاستثمارات العامة السعودي في اليوم الثاني لمبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض.
وفي بيان له، قال صندوق الاستثمارات العامة إنه ينتهج “استراتيجية للبحث عن فرص استثمارية جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
وأضاف أن الاستثمارات تهدف أيضا إلى “تنويع مصادر إيرادات المملكة العربية السعودية”.
وشهدت بعض هذه البلدان اضطرابات سياسية عندما هزت انتفاضات الربيع العربي عام 2011 المنطقة قبل أكثر من عقد.
ولا تزال دول أخرى تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية.
وقال الباحث البارز بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، حسين إيبش، “هذا جزء من جانب القوة الناعمة للابتعاد الاستراتيجي والتكتيكي عن مواجهة استمرت لعقد من الزمن بدأ منذ الربيع العربي”.
وفي حديثه لشبكة “سي إن إن”، أضاف: “الدول التي عرضت قوتها في الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية والإمارات – مع استثناء جزئي لإيران – وجدت نفسها إلى حد ما منهكة بعد عقد من المواجهة”.
وكان العام الماضي جيدا بشكل عام لاستثمارات الدول في جميع أنحاء العالم، وفقا لتقرير “غلوبال إس دبليو إف” السنوي لعام 2022، حيث توسع حجم صناديق الثروة السيادية بنسبة 6 بالمئة عام 2021، وللمرة الأولى في التاريخ تجاوز علامة 10 تريليون دولار.
وكانت صناديق الثروة الإماراتية على وجه الخصوص في طليعة هذا التوسع. وقالت شركة “غلوبال إس دبليو إف” ان الدولة الخليجية تدير نحو 1.3 تريليون دولار من خلال صناديقها الأربعة.
كانت مصر، التي تواجه حاليا مشكلات اقتصادية، واحدة من وجهات الاستثمار الإقليمية الرئيسية لكل من أبوظبي والرياض.
في أغسطس، أعلنت شركة أبوظبي التنموية القابضة (ADQ)، إحدى صناديق الثروة في الإمارة، عن عدد من الاستثمارات بالشركات المدرجة في البورصة المصرية، “بناء على التزامها طويل الأجل بالاستثمار في النمو الاقتصادي للبلاد من خلال منصة الاستثمار الاستراتيجي المشتركة البالغة 20 مليار دولار”، حسبما قال الصندوق في بيان.
كما أطلق صندوق الاستثمارات العامة، الشركة السعودية المصرية للاستثمار (SEIC) في أغسطس، وهي شركة مكرسة للاستثمارات في العديد من القطاعات الحيوية للاقتصاد المصري، حيث اشترت حصصا بقيمة 1.3 مليار دولار في أربع شركات مصرية.
وأثبتت اليد الدبلوماسية المالية لدول الخليج فعاليتها بالفعل في بعض البلدان، إذ كانت تركيا ذات يوم منافسا إقليميا، وهي الآن حليف اقتصادي للسعودية والإمارات.
وقال كامل: “حتى مع الخصوم، ترى دول الخليج الآن في أصولها المالية بمثابة رافعات مهمة محتملة في بناء الجسور وتحفيز سياسات أكثر اعتدالا بهذه البلدان”.
وأضاف: “لقد أتى التقارب مع تركيا باستثمارات قيمة أو ضخ مالي”.
وفي مواجهة أزمة عملة قاسية في الداخل، يأتي إصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات في وقت مناسب لأنقرة.
والعام الماضي، أنشأت الإمارات صندوقا استثماريا بقيمة 10 مليارات دولار “لدعم الاقتصاد التركي وتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين”.
وتبع ذلك عدد من الاتفاقيات الأخرى بين صندوق “القابضة” الإماراتي وصندوق الثروة التركي (TWF)، مع التخطيط لاستثمارات كبيرة في رأس المال الاستثماري والشركات ذات الإمكانات عالية النمو في تركيا.
استثمارات “غير مرجحة”
والشهر الجاري، قال وزير التجارة السعودي، ماجد بن عبدالله القصبي، إن استثمارات بلاده في تركيا تبلغ الآن 18 مليار دولار، وفقا لصحيفة “سعودي غازيت” الناطقة باللغة الإنكليزية.
وأضاف أن صندوق الاستثمارات العامة يتطلع إلى مزيد من الفرص الاستثمارية هناك.
ويقول المحللون إنه على الرغم من تحسن العلاقات السياسية، فإن الاستثمارات الخليجية في إيران وسوريا غير مرجحة في الوقت الحالي. لكن هناك علامات على علاقة اقتصادية محتملة معهما.
وذكرت صحيفة “طهران تايمز” أن إيران والإمارات تستهدفان رفع قيمة التجارة السنوية إلى 30 مليار خلال العامين المقبلين مقارنة بـ 20 مليار دولار هذا العام.
في وقت سابق من هذا العام، أفاد التلفزيون السوري أن الإمارات تدرس الاستثمار في البلاد، دون تقديم تفاصيل.
وقد تقطع هذه الأنواع من الشراكات الاقتصادية شوطا طويلا في المساعدة على حماية دول الخليج من الاضطرابات والصراعات المستقبلية مع جيرانها.
وقال إيبش إن “البنية التحتية المتكاملة” يمكن أن تساعد على “تقليل مخاطر الصراع من خلال الترابط والمصالح المتبادلة”، مما يمنح هذه البلدان حوافز قوية لتجنب المواجهة.