حرية – (6/11/2022)
يخطئ من يعتقد أن ايتمار بن غفير، المنتصر الأكبر في الانتخابات الإسرائيلية، بعد بنيامين نتنياهو، يبني رصيده السياسي فقط على كراهية العرب وعقيدة التفوق العرقي التي يؤمن بها ويجعلها منارا لطريقه. فهو يكره اليهود الذين ينشدون السلام مع العرب. ويكره الجنرالات الذين يديرون سياسة «ضعيفة» في نظره، من شأنها أن تقود إلى انهيار إسرائيل. ويسعى لإحداث تغيير جوهري في السياسة الإسرائيلية، يعيد فيها «السيادة اليهودية على أرض إسرائيل».
فمن هذا الرجل الذي «يضرب على كبير»، وهو الذي كان إلى ما قبل بضعة أشهر قليلة فقط «شابا طائشا ومتهورا يسيء لسمعة إسرائيل واليهود»؟ من هذا الرجل، الذي أصبح بين ليلة وضحاها زعيما سياسيا لثالث أكبر الأحزاب الإسرائيلية، وتفوق على حزب الجنرالات، الذي يقوده رئيسا أركان في الجيش (بيني غانتس وغادي ايزنكوت)، ويحصل على مقعدين أكثر منه ويطالب بوزارة الأمن الداخلي، المسؤولة أيضا عن الشرطة وحرس الحدود ومصلحة السجون. وبين يديه موازنة تزيد على 6 مليارات دولار. وتحت قيادته 60 ألف موظف. ومطلبه هذا يحظى بتأييد مئات ألوف الإسرائيليين.
حتى بن غفير نفسه، الذي بدأ حياته السياسية في مظاهرة ضد نساء يهوديات، لا يصدق ما يجري له. في الانتخابات السابقة لم يتخط 20 ألف صوت وسقط. في هذه الانتخابات حصل على ما يزيد على 420 ألف صوت. وكيف جاءت هذه القفزة؟
– لنعد إلى البدايات
ولد ايتمار بن غفير في سنة 1976، في القدس الغربية، لأبوين من أصول عراقية. والده ولد أيضا في القدس ولكن جده يعتبر من سلالة يهودية عاشت قرونا في العراق. ووالدته من جذور كردية عراقية، كانت منظمة في حركة الشباب التابعة لتنظيم «ايتسل»، الذراع العسكرية للتيار اليميني الإصلاحي للحركة الصهيونية. وقد اعتقلها البريطانيون وهي في سن الرابعة عشرة. منها رضع أيضا التطرف السياسي. عندما بلغ الرابعة عشرة، اقترب من التدين، وبدأ يشارك في مظاهرات يمينية، ضمن حزب «موليدت» المتطرف، الذي قاده وأسسه الجنرال رعبعام زئيفي، الذي قتل بأيدي شبان من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سنة 2001.
المظاهرة الأولى التي شارك فيها كانت في ساحة صهيون في القدس الغربية، وكانت موجهة ضد مظاهرة لحركة «أربع أمهات»، وهن من أمهات الجنود الذين خدموا في لبنان وأبلغوا ذويهم أن هذه الحرب ليست لإسرائيل وعليهم الانسحاب منها. ونجحت هذه المهمة في سنة 2000، عندما قررت حكومة ايهود باراك الانسحاب من طرف واحد. لقد انضم ايتمار إلى حركة «كاخ»، التي أسسها في سنة 1971 مئير كهانا، وهو رجل دين يهودي بنى سياسته على ضرورة التخلص من العرب في أرض إسرائيل، أي كل فلسطين، في البداية بالإقناع وإن رفضوا فبالقوة. ويقول إن «معظم العرب المقيمين في أرض إسرائيل أعداء للشعب الإسرائيلي ولا يمكن التعايش معهم». وهو معاد للديمقراطية باعتبارها خيارا مناسبا فقط لأولئك الذين لم يمن الله عليهم بكتاب التوراة الذي يحتوي على نصوص ربانية حول طريقة السيادة السياسية لليهود.
لقد نجح كهانا في الفوز بعضوية الكنيست عام 1984 والتف حوله بضعة ألوف من المؤيدين. وفي سنة 1994، قام أحد مؤديه، الطبيب باروخ غولدشتاين باقتحام قاعة الحرم الإبراهيمي في الخليل عند صلاة التراويح وأطلق الرصاص من رشاشه على المصلين فقتل 29 منهم. ووقعت صدامات بين المصلين والجيش الإسرائيلي الذي قتل 20 آخرين منهم. في أعقاب ذلك، قررت الحكومة حظر هذا الحزب وإخراجه عن القانون. ومنع الجيش تجنيد شباب ينتمون لهذا الحزب ومنحهم إعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية وبينهم بن غفير. وعلى الرغم من النشاط المحظور، عرف بن غفير ورفاقه كيف يلتفون على القانون ويواصلون النشاط. وبسبب هذا النشاط، فتحت الشرطة 42 ملفا (حسب بن غفير 53 ملفا) ضده. وقد حوكم وأدين بثماني قضايا. وتمت تبرئته من القضايا الأخرى فرفع شكاوى ضد الشرطة حصل خلالها على تعويضات بحوالي نصف مليون شيكل (150 ألف دولار).
من بين القضايا التي أدين فيها قيامه بسرقة رمز سيارة رئيس الوزراء اسحق رابين. وقال في رسالة علنية: مثلما وصلنا الى الرمز يمكننا أن نصل إلى رابين. وبالفعل قام شاب يميني متطرف يدعى يغئال عمير باغتيال رابين احتجاجا على اتفاقيات اوسلو.
لكن بن غفير بقي في هامش السياسة الإسرائيلية، حتى شهر مايو (أيار) من سنة 2021. فقد استغل الصدامات العديدة بين اليهود والعرب التي وقعت في المدن المختلطة. وحضر إلى كل صدام وكل ساحة اشتباك. وعرف بصوته العالي وصراخه الدائم والتهجم بانفلات على خصومه. وحرص دائما على القيام باستفزازات تثير وسائل الإعلام. فحضر إلى مشفى لمقابلة وتأنيب أسير فلسطيني مضرب عن الطعام، وهناك التقى مع النائب أيمن عودة فاصطدم معه بشدة. وقاد عدة مجموعات مستوطنين إلى الصلاة في باحة الأقصى. واستغل كل عملية مسلحة للفلسطينيين، فحضر إلى المكان واتهم الحكومة بفقدان السيطرة وإهمال دورها السيادي.
على هذه الخلفية بنى مجده ووجد من يسير وراءه من اليهود ومن يشجعه من السياسيين اليهود واستغل كل تصريح ساخن من السياسيين العرب ليغذي غرائز الكراهية للعرب. ولكن، حتى هو، فوجئ بحجم التأييد له.