حرية – (9/11/2022)
صرح الرئيس العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد، خلال حديث له على هامش القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في الجزائر، أن “الوساطة العراقية” بين إيران والسعودية لا تزال مستمرة منذ العام الماضي رغم تغير الحكومة في بغداد. كما ركز على أن “العراق لا يتدخل في قرارات الدولتين بهذا الخصوص”. وتشير هذه الملاحظات إلى أن الحوار المتعثر لم يُجمد بعد. وتشير التطورات التي تجري خلف الكواليس إلى مسار مختلف تمامًا، بحسب ما علم موقع أمواج.ميديا.
لكن مصادر مطلعة أشارت إلى أن الرياض أبلغت طهران عبر “قنوات خاصة” أن عصر الحوار قد توقف مع انتهاء ولاية مصطفى الكاظمي (2020-2022)، وعودة وجوه من “الحرس القديم” إلى السلطة في العراق.
وصرح مصدر عربي معني بالتعامل مع الحوار الإيراني السعودي، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن تأكيد الرئيس رشيد “كان للإعلام… لا أكثر”. وبحسب المصدر، أُدار الحوار بشكل أساسي مصطفى الكاظمي “وعدد محدود جدًا من أعضاء فريقه”، من دون إشراك مؤسسات الدولة العراقية الأخرى.ومع تولي محمد شياع السوداني منصب رئيس الوزراء، أوضح المصدر أن “الوساطة [العراقية] … انتهت منذ زمن بعيد”، مشيرًا إلى أن: “هناك الكثير من الصعوبات… إن لم يكن من المستحيل أن تستأنف المحادثات، والأمر نفسه ينطبق على الحوارات الأخرى التي سهلها الكاظمي بين طهران وعدد من عواصم المنطقة، وبين عدد من العواصم الإقليمية من جهة أخرى”.
ولفهم سبب توقف الحوار الإيراني السعودي، من الضروري فهم العوامل التي ساعدت على تسهيل الجلسات الخمس التي استضافها الكاظمي في مطار بغداد الدولي والتي تتمثل في شخصية الوسيط وظروف العراق السياسية بالإضافة إلى الظروف الخاصة بالرياض وطهران، ناهيك عن المناخات الإقليمية والدولية السابقة.
المضيف
شكلت شخصية الكاظمي عاملا مطمئنًا لإيران والمملكة العربية السعودية، خاصة وأن الجانبين يعرفانه قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء في مايو/أيار 2020. فحقيقة أن الفريق الذي عمل مع رئيس الوزراء العراقي السابق كان قادرًا على التواصل مع الإيرانيين والسعوديين بلغتيهما الأم، أي العربية والفارسية ساعدت أيضًا في إزالة بعض العقبات. بالإضافة إلى ذلك، أُحيطت الاجتماعات بعناية فائقة ودقة كبيرة.
وفي الأشهر التي سبقت الدورة الأولى في ربيع 2021، عمل الكاظمي على تهيئة المناخ المناسب للحوار بعيدًا عن البروتوكولات. وكان يغوص في الأسباب الجذرية للنزاع ويعمل على إزالتها وحلها ويمهد الطريق لفصل جديد في تاريخ العلاقات الإيرانية السعودية. وعندما واجهت المحادثات ضغوطًا وتوترات كادت أن تنهي جولة أو تهدد المسعى بأكمله، كان الكاظمي قادرًا على احتواء غضب ضيوفه وإعادة توجيه المناقشات إلى القواسم المشتركة والحلول الممكنة.
![](https://huria.news/wp-content/uploads/2022/11/22222.jpeg)
في الواقع، عندما تلاشى الحماس للحوار، عمل الكاظمي على استعادته من خلال مناورات مثل زيارة جدة ثم طهران في أواخر شهر يوليو/تموز، ما أدى إلى اقتناع مشترك في إيران والمملكة العربية السعودية بضرورة عقد الجولة السادسة من المحادثات على مستوى وزراء الخارجية، على أن يرافق تلك الجولة الإعلان عن خارطة طريق لتطبيع العلاقات الثنائية برعاية عراقية.ولم يتوقف الكاظمي عند هذا الحد،إنما أرسل وزير خارجيته فؤاد حسين ومسؤولين آخرين إلى طهران للغرض نفسه في 29 أغسطس/آب. وقد رحبت القيادات الإيرانية والسعودية بهذه التحركات. وعلم موقع أمواج.ميديا أن طهران نقلت عبر القنوات الخاصة “تحية” من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي للعراق بشكل عام وللكاظمي أيضًا لجهود الوساطة التي يقودها.
الإعداد العراقي
فرضت الظروف السياسية في العراق بين عامي 2020 و2021 حاجة ماسة لتقريب إيران والمملكة العربية السعودية من بعضهما البعض إيمانًا بأن استقرار العراق يعني منطقة هادئة ومستقرة والعكس صحيح. وكان الهدف الواضح تحويل العراق من ساحة معركة لتصفية الحسابات إلى ساحة للحوار الإقليمي.
ومكّن هذا النهج بغداد من إعادة تثبيت مكانتها كساحة لعقد قمم إقليمية ومساحة آمنة للجمع بين وجهات النظر المختلفة. وبصرف النظر عن الحوار بين الرياض وطهران، ظهر ذلك جليًا خلال مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي عقد في أواخر أغسطس /آب 2021 والذي نجح في جمع كبار المسؤولين من دول المنطقة.
كما أن الحوار العربي الإيراني الذي سهله فريق الكاظمي تضمن أيضًا مشاركات ثنائية مصرية وأردنية منفصلة مع إيران. ومن الجدير بالذكر أن العراق لعب دورًا في تقريب وجهات نظر الخصمين السابقين مصر وقطر وكذلك تركيا والإمارات العربية المتحدة.
وقال مصدر مطلع على تفاصيل جهود الوساطة الإقليمية العراقية في حديث لأمواج.ميديا شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه عندما قام الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بزيارة تاريخية إلى أنقرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، استضافه فيها نظيره التركي رجب طيب أردوغان، أجرى الزعيمان مكالمة مع الكاظمي شكراه فيها على دوره في تقريب وجهات النظر بينهما.
ظروف خاصة
بالإضافة إلى ما تقدم، استُؤنف الحوار الإيراني السعودي في سياقين محليين ساهما في الميل نحو قبول المحادثات. أولًا، وقبل كل شيء، كان هناك استنزاف وإرهاق من الحربين السورية واليمنية، وانعكاساتهما المباشرة وغير المباشرة على الرياض وطهران.
ثانيًا، كان هناك فراغ ناتج عن اغتيال الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2020 قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس الإيراني خارج الحدود الإقليمية. وأدى القتل الذي وقع في مطار بغداد الدولي إلى تصاعد أصوات داخل دوائر صنع القرار الإيرانية التي لطالما دعت إلى ضرورة الانفتاح على جيران إيران العرب.
ثالثًا، أدى السياق الدولي الأكبر أيضًا إلى إحداث تغييرات في نهجَي السياسة الخارجية للرياض وطهران. من جهة، أشارت الولايات المتحدة إلى أن الشرق الأوسط لم يعد ضمن أولوياتها. ومن جهة أخرى، برزت مؤشرات على أن إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي انسحبت منه إدارة دونالد ترامب السابقة (2017-2021) من جانب واحد في عام 2018 بدأ يلوح في الأفق. ودفعت هذه الديناميات إيران والمملكة العربية السعودية إلى بذل المزيد من الجهود لتعزيز علاقاتهما الإقليمية وتنويع شراكاتهما، بعيدًا عن التوجهات الأيديولوجية والتحالفات خارج المنطقة.
![](https://huria.news/wp-content/uploads/2022/11/cc4137e1-885d-44af-96a5-6104a09d3282.jpeg)
المسار المستقبلي
وصل رئيس الوزراء العراقي الحالي إلى السلطة بمساعدة تحالف سياسي وفي بيئة سياسية داخلية تنظر على الأقل إلى الرياض بعين الريبة. والأهم من ذلك، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لا يملك أدوات سلفه، ما يحرمه في أحسن الأحوال، في الوقت الحالي لعب دور الوسيط بين إيران والمملكة العربية السعودية.
أكثر من ذلك، هناك مجموعة أخرى من التغييرات المحلية والإقليمية والدولية التي تعيق الوساطة العراقية بشكل أكبر، وتشير إلى عودة العراق إلى ماضيه كساحة لتصفية الحسابات.
وتأتي هذه التطورات في وقت لا تزال فيه إيران رهينة الاحتجاجات، وقد أصدرت تحذيرات للسعودية تتهم فيها المملكة بالعمل بطريقة أو بأخرى على تأجيج الاضطرابات. وعلى هذه الخلفية، أُفيد بأن الرياض تخشى هجومًا محتملًا على مصالحها ينطلق من العراق. وهناك أيضًا تأجيل للمحادثات غير المباشرة الإيرانية الأميركية بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015. علاوة على ذلك، فإن الأولوية المعطاة للحرب الروسية الأوكرانية والاتهامات الغربية بأن طهران تزود موسكو بطائرات مسيرة تثير أيضًا مجموعة واسعة من الأسئلة التي تقلل في النهاية من احتمالية الوساطة العراقية.
ومع ذلك، وفي حين أن المحادثات الإيرانية السعودية المباشرة تبدو مجمدة، ومع تردد مصر والأردن أيضًا في مواصلة الحوار الذي ييسره العراق مع الجمهورية الإسلامية، لا يمكن القول إن هذه المحاولات لم تؤت بعض الثمار خاصة وأن المفاوضات كانت قادرة على الإسهام في صياغة الهدنة في اليمن وفي تهيئة المناخ لحوار تقني موازٍ بين الرياض وطهران في العاصمة العمانية مسقط.
على سبيل المثال، وفقًا لمصدر مطلع، كشفت إحدى جولات المحادثات بين إيران والمملكة العربية السعودية عن “قواسم مشتركة عميقة” في مقاربات كل منهما للقضية الفلسطينية. وتجدر الإشارة إلى أن الجولة الأخيرة ا تزامنت مع إطلاق الجماعات الفلسطينية المتمركزة في غزة في مايو/أيار 2021 عملية سيف القدس ضد إسرائيل.
ويجب أخذ إنجازات الحوار الإيراني السعودي في الاعتبار. ففي حين لم تسفر المحادثات عن تطبيع العلاقات، تشمل النتائج الملحوظة التسهيل السعودي للحجاج الإيرانيين للمشاركة في مراسم الحج السنوي في يوليو/تموز. وسبق ذلك اجتماع في أواخر يونيو/حزيران بين رئيس هيئة الحج والعمرة الإيرانية ووزير الحج والعمرة السعودي.
بعبارة أخرى، وعلى الرغم من تجميد الحوار حاليًا، لم تصل المسألة إلى حائط مسدود. فالمحادثات هيأت حتى وقت قريب المناخ السياسي لإعادة فتح القنصليات والسفارات المعنية وهو ما كان من المحتمل أن يتم في الأشهر المقبلة من دون اجتماع لوزراء الخارجية. ولولا التطورات التي حدثت على الساحة السياسية العراقية التي أدت إلى ترك الكاظمي منصبه، ولولا الظروف الخاصة بالرياض وطهران في الآونة الأخيرة، كانت جولة محادثات سادسة تلوح في الأفق. وبوجود السوداني في منصبه ، فإن الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كان سينجح في عبور حقل الألغام السياسي الذي يحول بينه وبين استئناف الحوار.