حرية – (9/11/2022)
لمن لا يعرف جوليا تشايلد، فهي تُعتبر السبب الرئيسي وراء تعليم أمريكا فنون الطهي وطريقة الطبخ التقليدية، بعد أن كانت معظم وصفات الطعام هناك تعتمد على المكونات المعلّبة، أو مسبقة التحضير.
ويعتبر معظم الناس جوليا تشايلد، الطاهية الأمريكية الشهيرة ومؤلفة ومقدمة برامج الطبخ الشهيرة، هي السبب في تعريف العالم على المطبخ الفرنسي من خلال كتابها الذي طبّقته في برنامج بذات العنوان، ويُدعى “إتقان فن الطبخ الفرنسي”.
ومع ذلك، قد يتفاجأ البعض عندما يعلمون أنها عملت ذات مرة ضابطة مخابرات خلال الحرب العالمية الثانية. إذ قبل أن تبتكر وصفات رائعة أمام الكاميرا، عملت كضابط مخابرات، تحت إشراف الوكالة التي سبقت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
في الواقع، أسفرت مهنة جوليا تشايلد في مجال التجسس عن أول تمهيد لها في المطبخ، حيث تعرفت على فنون الطهي العالمية. ما علاقة المطبخ بالعمالة والتخابر لصالح الحكومة الأمريكية؟ هذا ما نستعرضه في هذا التقرير.
من هي جوليا تشايلد؟ وكيف شاركت في الحرب؟
بدأت حياة جوليا تشايلد عادية إلى حد ما. حيث حصلت على شهادة في التاريخ، وبعد تخرجها عام 1934، انتقلت إلى مانهاتن، وهناك عملت مؤلفة إعلانات سعياً وراء حلمها في أن تصبح كاتبة.
عندما دخلت أمريكا الحرب العالمية الثانية عام 1941، أرادت تشايلد أن تقدم خدماتها وتشارك، لكن طول قامتها الاستثنائي، الذي تجاوز 190 سم، منعها من الانضمام إلى الجيش.
عملت آنذاك في خدمة تحذير الطائرات، وهي فرع خدمة مدنية في الجيش الأمريكي، مكلف بمراقبة طائرات العدو التي تدخل المجال الجوي الأمريكي.
لسوء الحظ، عندما حاولت الانضمام إلى الجيش بصورة رسمية مجدداً، تم رفضها من كل من فيلق الجيش النسائي (WACs)، ورُفضت في خدمة الطوارئ النسائية التطوعية (WAVES)؛ لأنها كانت طويلة جداً.
وبدلاً من ذلك، توجهت إلى واشنطن العاصمة وانضمت إلى مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS)، المعروف اليوم باسم وكالة المخابرات المركزية (CIA).
في البداية، كانت تعمل في مقر وكالة المخابرات الأمريكية مساعد باحث لقائد المؤسسة، الجنرال ويليام ج.دونوفان.
وبالفعل عام 1942، أصبحت كاتبة كبيرة في وحدة البحث في مكتب معلومات الحرب في واشنطن العاصمة، وبحلول نهاية العام، كانت تشايلد مساعد باحث مبتدئ في فرع المخابرات السرية التابع لمكتب الخدمات الاستراتيجية. وكانت من بين 4500 امرأة خدمت في الوكالة.
العمل على تطوير وصفة طاردة لأسماك القرش!
بحسب موقع All That’s Interesting، كانت مهمتها ضمن تطوعها في مؤسسة الاستخبارات الأمريكية غريبة من نوعها، إذ كُلفت بالمساعدة في تطوير وصفة تعمل كطارد لأسماك القرش، وذلك للتغطية على المتفجرات التي كانت تستهدف غواصات يو الألمانية.
إذ على ما يبدو أن أسماك القرش كانت لديها عادة مؤسفة خلال الحرب تسبب العديد من الخسائر، وهي تفجير المتفجرات من حين لآخر “عندما تصطدم بها”، ما يفوّت فرصة النيل من سفن وغواصات الأعداء في البحر.
وبين عامي 1944 و1945، أُرسلت جوليا تشايلد إلى سيلان، المعروفة باسم سريلانكا الحديثة حالياً، وكونمينغ في الصين، حيث شغلت آنذاك منصب رئيس لسجل منظمة الـOSS.
وبالتالي كانت جوليا تشايلد تحمل تصاريح أمنية عليا، و”تتعامل مع أوراق سرية للغاية، من بينها مثلاً مواثيق رسمية متعلقة بغزو شبه جزيرة الملايو”، حسب وكالة المخابرات المركزية.
كما أدى الوقت الذي قضته في المؤسسة إلى تطور مهم آخر في حياة المرأة المحبة للطهي والطبخ، فخلال خدمتها التقت بزوجها بول، الذي كان ضابطاً متجولاً للوكالة، وكان هو السبب في تعريفها بالمطبخ الفرنسي وفنون الطهي التي غيّرت حياتها بشكل جذري.
الزواج وعلاقتها بفنون الطهي الفرنسي
كان بول متمركزاً في العاصمة الفرنسية باريس، وهناك عمل مع وكالة المعلومات الأمريكية من 1948 إلى 1954، ما جعلها تترك عملها مع المؤسسة، خاصة مع وضع الحرب العالمية أوزارها تقريباً.
وفي عام 1950 التحقت جوليا بمؤسسة Le Cordon Bleu، إحدى مدارس فنون الطهي الأكثر شهرة في البلاد، بترشيح من زوجها.
صحيح أن بداية التحاقها بالمدرسة تم بادئ الأمر بسبب شعورها بالملل الشديد نتيجة لانشغال زوجها، لذلك ووفقاً لكتابها الذاتي بعنوان “حياتي في فرنسا”، لم يكن نجاحها فورياً في المطبخ، وفقاً لموقع NPR.
بعد تخرجها من مدرسة الطهي، التقت تشايلد بسيمون بيك ولويزيت بيرثول، اللتان كانتا في خضم كتابة كتاب طبخ للقراء الأمريكيين. لتنضم إليهما لإكمال المشروع، ونشرن الكتاب بعنوان “إتقان فن الطبخ الفرنسي”.
نجاح منقطع النظير
استغرق الأمر 10 سنوات من العمل الشاق في المطبخ للحصول على وصفات جديدة وإعادة كتابة وتحرير مخطوطة الكتاب قبل أن يتم الموافقة عليها أخيراً من قبل ناشر رئيسي، حتى نُشر أخيراً عام 1961.
بعد نجاح إتقان فن الطبخ الفرنسي، قدمت جوليا تشايلد برنامجها الخاص الذي حمل عنوان “الشيف الفرنسي”، ومن هناك حصلت على فرص ذهبية مثل المشاركة في تأسيس مؤسسات طهي معروفة، وإجراء البرامج والأفلام التي تناولت قصة حياتها.
وكان برنامجها للطهي يُعد الأول من نوعه على شاشة التلفزيون، حيث لم يعرض مهاراتها في الطهي الذي لا تشوبه شائبة فحسب، بل عرض أيضاً سحر جوليا تشايلد كشخصية تلفزيونية محببة.
وقد أنتج البرنامج 199 حلقة، تم بثها بين عامي 1963 و1966 ورسخت مكانتها كرمز للطبخ، إلى أن توفيت عن عمر يناهز 91 عاماً عام 2004.