حرية – (9/11/2022)
حوار خاص لــ فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق مع مركز البيدر للدراسات والتخطيط
مقدمة :-
تعد السلطة القضائية بتشكيلاتها ومؤسساتها إحدى السلطات الأساس في استقرار النظام السياسي مع باقي السلطات والتشكيلات التي تنتظم في تكوين بناء الدولة.
في عراق ما بعد 2003م نص الدستور الدائم على تشكيل السلطة القضائية في الفصل الثالث من الباب الثالث في المواد) 90 – 101( وتناول المشرع الدستوري بيان ذلك بتفصيل كل من مجلس القضاء الأعلى وأجهزته والمحكمة الاتحادية العليا.
ونظرا لما للسلطة القضائية من دور فعال وحساس في الحياة السياسية والدستورية والادارية في كل دولة مًن الدول، والعراق دولة ونظام سياسي جديد لا شك إن للقضاء والمحاكم -على تنوعها واختلاف درجاتها- موقعه ودوره وتأثيره على مجمل الحياة العامة. من هنا سعينا في مركز البيدر للدراسات والتخطيط للتعرف على آراء وتصورات مجلس القضاء الاعلى ممثلاً برئيسه السيد القاضي د. فائق زيدان في عدد من القضايا المهمة والحساسة، وطرح جملة من الأسئلة والاستفهامات بما يتعلق بمسائل لها الأولوية بحكم المستجدات والتطورات المختلفة على النظام السياسي في العراق وعلى رأسها؛ تقويم التجربة الدستورية في العراق، التعديل الدستوري، أهم البنود التي بحاجة الى اجراء تعديل دستوري، بنية السلطة القضائية بجناحيها مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الإتحادية في الدستور، دور الإدعاء العام في مكافحة الفساد، وغيرها من المسائل التي تم الحديث عنها في هذا الحوار الخاص للمركز.
نأمل أن تضيء الأفكار التي جرى الحديث عنها بعض المساحات الغامضة في سياق هذا الحوار، وأن تكون الآراء المطروحة فرصة للنقاش وبلورة التصورات عند النخب الفكرية والاكاديمية والاعلامية، وعسى أن تسهم في بنـــاء دولة واعدة ومؤسســات فاعلة في تحقيق المصلحة العامة .في الختام نتقدم
للسيد رئيس مجلس القضاء الأعلى بوافر الشكر والتقدير على إتاحة هذه الفرصة الطيبة، ويحرص مركز البيدر للدراسات والتخطيط دائما على الإستفادة من كل الفرص والإمكانات المتاحة التي تدعم مشروع بناء الانسان والدولة في العراقً.
مركز البيدر للدراسات والتخطيط
ما تقييمكم لدستور العراق لسنة 2005 وعموم التجربة الدستورية بعد مرور عقدين من الزمن تقريبا؟ً
دستور 2005 وُضع في مرحلة تشكل انعكاسا لرأي معارضة سياسية للنظام السابق، وقد أثبت التطبيق العملي خلال الفترة الماضية أن كثيرا من اًلنصوص التي تضمنها الدستور باتت بحاجة إلى تعديل ويعود ذلك إلى أن الدستور قد صيغ بطًريقة مستعجلة، وكان ذلك الاستعجال بسبب تحديد مدة زمنية لإكماله حتى يتم التصويت عليه وأعتقد أن َّهذا كان خطأ، ويتمثل خطأ آخر بعدم استعانتهم بأشخاص متخصصين بالقانون والدستور،فكانت اللمساتُ الًسياسية، التي هي انعكاس لمخاوف كل مكون، أكثرَ وضوحاً من اللمسات القانونية والدستورية، وخاصةً فيما يتعلق بالشيعة والكرد في مرحلة ما قبل 2003، فلما اكتشف السياسيون فيما بعدُ أنَّ هذه المخاوف لم تكن في محلها وخاصة بالنسبة للشيعة فصاروا أنفسُهم يطالبون اليوم بتعديل الدستور ونحن نتفق معهم وخاصة في موضوع الفيدرالية وطبيعة النظام، وأنا اعتقد أنَّ بلدا مثل العراق لا يصلح فيه النظام البرلماني لأنه سيؤدي بالنتيجة إلى تكريس المحاصصة، لهذا كتبت أًكثر من مقال تطرقت فيه إلى ضرورة تعديل الدستور، ومقالاتي منشورة في موقع مجلس القضاء الأعلى .
دعوتم أكثر من مرة إلى إجراء تعديلات دستورية، ما هي برأيكم أهم المواد أو البنود التي تحتاج إلى تعديل بناء على التجربة العملية والتطورات .
السياسية ؟ وهل التعديل برأيكم ممكن عملياً في ظل آليات جامدة واختلاف سياسي حاد؟
من حيث الإمكانية، هناك فرضيتان، فرضية أن يكون التعديل على المواد الدستورية غير الخلافية لكي يمضي التعديل بسهولة؛ ولكن اعتقد أن لدى كل مكون مصلحة معينة سيحاول زج مادة أو مادتين تخصه كمكون؛ وبالتالي سيتم عرقلة تمرير التعديل، هناك لجنة أعدت مسودة تعديل بعض المواد وكانت اللجنة مؤلفة من قبل رئاسة الجمهورية في الدورة السابقة، على أساس أن يتضمن المقترح تعديل المواد غير الخلافية و في المقدمة منها المادة 76، لكن تفسيرها كان خاطئا وتحملت اجتهاداتٍ كثيرًةً فمرة تفُسر يمينا ومرة شمالاً، لهذا كان الرأي أن تتم صياغتها بشكل أوضًح ويكون الحزب الفائز هو الذي يشكل حكًومة وليست الكتلة الأكثر عددا داخل مجلس النواب، وكذلك المادة الدستورية المتعلقة بانتخاب المحافظ من قبل مجلس المحافظة وًتعديلها بانتخاب المحافظ من قبل الناس، وهكذا بقية المواد الأخرى، ولكنني أتوقع عدم قبول الكتل السياسية ذلك؛ والاعتراض لن يكون على هذه المواد وإنما ستحاول تلك الكتل أن تحشر مواد أخرى التي هي مواد خلافية لاسيما ما يخص حقوق الإقليم والنفط والغاز وغيرها، وبالنتيجة سوف تتعطل عملية تعديل الدستور .
في رأيكم، ما أبرز المواد التي أصبح تعديلها ضرورة؟
من أبرز المواد التي هي بحاجة إلى تعديل المادة 76 من الدستور التي كانت سببَ الأزمات السياسية بعد سنة 2010، فقد فسرت المحكمة الاتحادية في عام 2010 هذه المادة لظروف معروفة في وقتها ونحن لا نتفق مع تفسيرها لأنه كان تفسيرا خاطئا، وكل الحكومات التي ُشُكِّلت بعد 2010 لا تستند إلى هذا التفسير أي أنها لم تشُكَّل من قًبل الكًتلة الأكبر، بل ُشُكلت بطريقة التوافق، على كل حال نعتقد أن هذه المادة بحاجة إلى تعديل وإعادة صياغة، النقطة الأخرى موضوع شرط )أغلبية الثلثين( في الدستور ومنها المادة 142 حيث، إن إقرار قانون مجلس الاتحاد يتطلب أغلبية الثلثين ونعتقد أن ذلك غير موفق، كذلك فإن إقرار قانون المحكمة الاتحادية يتطلب أغلبية الثلثين وهو أيضا غير موفق، هذا الوصف بعدم التوفيق يدلُّ عليه أنَّ قانون المحكمة الاتحادية من 2005 إلى اليوم لًم يقُر فلا يوجد عندنا قانون للمحكمة الاتحادية، والقانون الذي تعمل به المحكمة الاتحادية حاليا هو أمر من حكومة السيد إياد علاوي حينما كان رئيساً للوزراء ويملك الصلاحية التنفيذية والتشرًيعية، وقانون المحكمة لم يشُرَّع حتى الآن وهذا دليل على أنَّ الأغلبية المطلوبة لتشريع القانون هي أغلبية غير صحيحة؛ لأن كل مكون عنده إمكانية تعطيل أو عرقلة حصول أغلبية من الانعقاد والتصويت سيستخدمها وبالتالي لا يقَُرُّ القانون، حتى أن هناك شروطا تعسفية كانت تشترطها بعض المكونات؛ منها أن يكون عندهم حق النقض )الفيتو( وهذا تصور خًاطئ، ففي كل دول العالم لا يوجد قاضٍ له أن يعترض ويترتب على اعتراضه عدم مرور رأي بقية القضاة، لا يوجد هكذا شيء، القرارات القضائية تصدر بطريقة الأكثرية أو الاتفاق، لا يوجد أن الأقلية تعرقل رأي الأغلبية، عموما نعتقد أن هذا غير صحيح، التصويت على صحة عضوية النائب في المادة 52 تتطلب أيضاً أغلبية الثلًثين ونعتقد أنه لا داعي له، وباقي المواد التي اشترطت أغلبية الثلثين وأعتقد أنها وردت في أربعة مواضع من الدستور ومنها موضوع نصاب انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية فهي تحتاج أغلبية الثلثين أيضا، ونعتقد أنَّ هذا غير صحيح بدليل العرقلة التي حصلت بسبب هذه المادة. كذلك من المواد التي هًي بحاجة إلى تعديل وإعادة صياغة الموادُّ الخاصة بالسلطة القضائية كشرط حصول موافقة مجلس النواب على تعيين بعض المناصب القضائية العليا ممثلة برئيس محكمة التمييز وأعضاء محكمة التمييز ورئيس الادعاء العام ورئيس الإشراف القضائي، نعتقد أن هذا النص الدستوري خرق لنص دستوري آخر وهو نص المادة 47 من الدستور ،التي تنص على أساس دستوري مهم وهو مبدأ الفصل بين السلطات، وكل سلطة تمارس اختصاصاتها بمعزل عن السلطات الأخرى، في حين نأتي ونرهن تعيين المناصب العليا في مجلس القضاء الأعلى بموافقة مجلس النواب، أنا شخصيا تعرضت إلى ابتزاز عندما رُِّشِّحت رئيساً لمحكمة التمييز إذ تأخرت عملية التصويت آنذاك بحدوًد السنة بسبب الابتزاز السياسي؛ لهذا أنا من أشد المتحمسين إلى تعديل هذه المادة لأنها تحشر موافقة مجلس النواب الذي هو عبارة عن قوى سياسية متناقضة ومتعارضة وأحيانا تنظر إلى مصلحتها قبل أن تنظر إلى مصلحة البلد وهذا بصراحة خطأ تاريخي وهو أحيانا وبطريقً غير مباشر يضُعف القضاء وخصوصا القاضي الذي يصل إلى مرتبة عليا ويطمح أن يثبت بمنًصبه فإنه سيكون هاجسه أن مجلس النواب رًبما لا يوافق، وقد يضطر أن يجامل شخصاً أو حزبا على موقف معين في سبيل أن لا يعترض عليه أحد، وهذا شيء غير صحيح لذلك تحتاج إلى إعادة صًياغة، من المؤكد أن الموادَّ التي هي بحاجة إلى تعديل هي الموادُّ الخلافية كعلاقة الإقليم بالمركز فهو موضوع شائك وهذه المواد أهم، وتعديلها صعب جدا، كل نص يتعلق بالإقليم غير واضح أو أنه قابل للتفسير أو يقرأ قراءتين، فنعتقد أنه بحاجة إلى تعًديل.
كيف تنظرون للتنظيم الدستوري للسلطة القضائية بجناحيها مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا؟
ذكرت قبل قليل أنَّ صياغة الدستور في عام 2005 كانت مبنية على مخاوف واعتبارات ليس لها أساس من الناحية الواقعية، واحدة منها هي المواد الخاصة بالسلطة القضائية، فعندما أردنا ان نشُرّع قانون المحكمة الاتحادية بالدورة السابقة لمجلس النواب قالت إحدى الكتل السياسية المهمة، نحن مثلما فعلنا في الدستور، السلطة التشريعية برأسين مجلس اتحاد ومجلس نواب ،والسلطة التنفيذية برأسين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، فنحن كنا نقصد بالسلطة القضائية رئيس مجلس القضاء ورئيس المحكمة الاتحادية، فقلت له لماذا؟ أجابني لكي يكون تنافس ،فسألته تنافس على ماذا؟ وهل هذه المواد هي من اختراعكم أو أنها مستفادَة من تجارب الدول الإقليمية أو العالمية البعيدة أو القريبة ؟ قال لا، هذه من اختراعنا، فقلت له إن هذا غير صحيح؛ الشعوب الحية تتأثر بدساتير الدول المتقدمة أو على الأقل دساتير الدول الإقليمية التي تكون ظروفها متقاربة، كل دساتير الدول المحيطة بنا لا يوجد فيها هكذا نصوص، هناك قضاء واحد وفيه اختصاصات وفيه محكمة تمييز تختص باختصاصات معينة وفيه محكمة دستورية وليس )اتحادية( ،وبالمناسبة أنا لدي اعتراضا على مفردة )اتحادية(، سلمنا مقدما أنَّ العراق جُزئِّ إلى أقاليم ولهذا قلنا محكمة اتحادية، وواقعًا لا توجد أقاليم غير اقليم كردستانً ولن تكون هناك أقاليم مستقبلاً ،نحن نعتقد أن هذا غير صحيًح وكان يفترض أن تكون التسمية الصحيحة )محكمة دستورية( الاسم يدل على المسمى، حتى لا يكون هناك خلط؛ لذلك نعاني في سفرنا خارج العراق لعدم معرفتهم ،ماذا نقصد بالمحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز الاتحادية، بسبب هذه التسميات غير الصحيحة ،في كل دول العالم القضاء هو قضاء واحد المحاكم العادية لديها اختصاص مثل محكمة الأحوال الشخصية أو محكمة البداءة أو المحكمة الجزائية أو المحكمة الدستورية، النقطة الأخرى التي تطرقت لها قبل قليل وهي تعيين المناصب العليا للقضاء بموافقة مجلس النواب أمرٌ غير صحيح ،ويحتاج إلى تعديل كذلك الأغلبية المطلوبة والموصوفة لإقرار قانون المحكمة الاتحادية، وهذا يفترض أن يتم بالأغلبية العادية، وتعاد صياغة المواد الدستورية الخاصة بالسلطة القضائية وفق الرؤية القضائية وليس وفق الرؤية السياسية، مجلس القضاء أو المحكمة الاتحادية من الممكن أن تصاغ المواد الدستورية الخاصة بالسلطة القضائية بما يعزز استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهم الأقدر على صياغة المواد المتعلقة بهم والأقرب للدقة، حتى أنَّ كثيراً من المفاهيم التي شرعها الإخوان المشرعون في عام 2005 عندما نناقشهم بها لا يعرفون، حتى يبدو أن بعض هذه المصطلحات فرضت عليهم أو مررت عليهم من قبل ناس آخرين وهم لا يعرفون ،الحقيقة لا أعرف، بالنتيجة نحن نعتقد أننا بحاجة إلى تعديل وأعددنا صياغات جديدة سلمناها إلى رئيس الجمهورية السابق والمفروض أنها دخلت في مسودة التعديل ولكن لا أعرف ما الذي جرى ،إضافة إلى رأينا في المادة 76 من الدستور كما سبقت الإشارة.
ما وجهة نظركم بالمادة) 92 -ثانيا( التي نصت على تشكيل المحكمة الاتحادية العليا من قضاة وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء الًقانون؟
هذه من المواد المستوردة )خبراء وفقهاء( أولاً هم لا يقصدون الخبراء والفقهاء بحسب التمييز القانوني الذي يعتقده المختص، جلسنا معهم وعرفنا ما يقصدون، أحدهم قال: أنا لست خبيرا ولكن فقيهٌ لذا أكون رئيسا للمحكمة وليس عضوا، باعتباره إسلاميا ومعمما، قياسا على ما موجوًد في إيران، والقسم الآخر خًبراء وأيضا كانوا جماعةً من ضمن المشارًكين في تًعديل اًلدستور كانوا يأملون أن يكونوا أعضاء في المحكمة وهمً لا يدركون أن هذا الأمر سيسبب لنا أزمة كبيرة، نحن نعتقد من وجهة نظرنا القضائية، طالما أن المحكمة هي محكمة تقضي وتفصل في منازعات الخصوم ،يجب أن يكون أعضاؤها ورئيسها كلهم قضاة وأعتقد هذا هو الشيء الصحيح.
ولكن هناك مجالس دستورية في بعض الدول فيها صنف من غير القضاة مثل فرنسا وبعض الدول الأخرى؟
خلال ذهابي إلى فرنسا زرت المجلس الدستوري الذي يترأسه وزير الخارجية فابيوسو ،المجلس الدستوري عندهم يتكون من سياسيين وأكاديميين، لكن كل مجتمع له ثقافته وظروفه ووضعه الخاص به وتاريخه، تاريخ العراق وقضاؤه ووضعه القانوني من غير الممكن أن يقتبس هذه التجارب بعنوان محكمة يكون فيها سياسيون وأكاديميون، الدول الغربية لديهم ثقة بما يصدر من قرار قضائي ودستوري، أما نحن ففي القضاء العادي يكون هناك تشكيك، فما بالك إذا كان القضاء يتكون من سياسيين وأكاديميين.
هل برأيكم القضاء الدستوري في مصر هو الأقرب للحالة العراقية؟
نعم هو أقرب للتجربة المصرية والأردنية والكويتية، القضاء الدستوري هو جزء من القضاء العادي وفيه فقط قضاة ولا يوجد فيه مسميات أخرى، نحن عندنا تجربة غير موفقة بصراحة وهي تجربة مجلس الدولة والقضاء الإداري، القضاء الإداري الآن مكون من أكاديميين ،وقد عملوا لأنفسهم قانونا أعطاهم الصفة القضائية وذلك لأسباب معينة، وحينما بدأت الطبقة السياسية تلمس سلبيات الأًدًاء عملوا مشروع قانون في الدورة السابقة، أو قبل الدورة السابقة، وهو فصل مجلس الدولة عن وزارة العدل؛ لأن وزارة العدل كان يسيطر عليها حزب، و قد انعكست سيطرة الحزب على القضاء الإداري، فبعد أن لمسوا خطورة هذا الشيء عملوا مشروع قانون فصلوا به مجلس الدولة عن وزارة العدل، في حينها اتصل بي قسم من الإخوة السياسيين أصحاب الشأن قالوا نريد أن نربط مجلس الدولة بالقضاء العادي، فقلت لهم نعم ولكن بشرط؛ أنَّ الموجودين به حاليا، الأكاديمي يرجع إلى جامعته، ومن وصل سنَّ التقاعد يحال إلى التقاعد، بحيث يأتينا جاهز ،ونحنً بدورنا سنقوم بتعيين قضاة متخصصين بالجانب الإداري، فكان جوابهم أن هؤلاء جماعتنا ،يعني ماذا؟ قالوا إنَّ هؤلاء مستشارين وكل واحد مرشح حزب، فقلت لهم يعني ننقل الحزبية وسلبياتها في مجلس الدولة وبدلاً من أن تكون في وزارة العدل ستصبح في القضاء، فقلت لهم لا أقبل بذلك، أرادوا أن يجدوا جهة ويربطوه بها وقدموا مقترح غريب وغير صحيح، وهو أن يرُبط برئيس الجمهورية )ما هي علاقة رئيس الجمهورية بذلك(فبقى هيئة مستقلة وهذا غير صحيح ،وعندما لمسوا الأخطاء المرتكبة من قبل هذه الهيئة المستقلة قدموا مشروع قانون في الدورة السابقة ومشروع قانون آخر تبناه نائب رئيس مجلس النواب في الدورة السابقة وهو ربط مجلس الدولة بمجلس القضاء وفق رؤية وشروط مجلس القضاء، لكن هذا المقترح كان في نهاية الدورة السابقة ولم يشرع لضيق الوقت، وبالعودة إلى سؤالك، تجربتنا وثقافتنا ووضعنا لا يتحمل أن يقضي بين الناس مَن ليس قاضيا، مع احترامي له سواء كان أكاديميا أو غيره وأنا من المفروض أن انحاز إلى الأكاديمي؛ كوني حصلت علًى شهادة أكاديمية لكني أتكلم بموًضوعية، في القضاء الموضوع يختلف، مثل المضمد الشاطر ليس من الممكن أن يكون طبيبا ما لم يذهب إلى كلية الطب، القاضي لا يكون قاضياً من دون أن يدخل المعهد القضائي أياً كانت عًلميته أو خلفيته القانونية.
نستخلص من كلامكم أنكم مع مركزية القضاء وعدم تفكيكه بغض النظر عن طبيعة هذا التفكيك أو التجزئة؟
أنا أؤمن بالنظام المركزي بشكل عام حتى على النظام السياسي، إني أؤمن بالنظام المركزي بشكل عام بل بصريح العبارة وفي مجالسنا الخاصة مع الإخوة السياسيين أقول لهم إن العراق لا يصلح وضعه إلا من خلال النظام الرئاسي، وهو النظام المركزي، كذلك في القضاء نفس الشيء، الآن إذا تسمع المتخصصين لأنه لدينا مركزية لا أريد أن أقول إنَّ وضعنا ممتاز لكنْ أقول إنه جيد، قياساً ببقية السلطات هناك احترام هناك التزام والكثير من الأمور، قرارات اتخذت في أزمات سياسية قبل فترة )على قول أحد القضاة الموجودين في محكمة التمييز وهو من أهل ديالى وابنه موظف في محكمة ديالى( اتخذنا قرارا بتعليق الدوام، يقول أثناء نزولي من السلم أردت أن أخبرهم بأننا علقنا الدوام وسألت عن ابني قالً أنا في البيت فقلت له ودوامك اليوم، قال: لا، علقنا الدوام. ديالى علقت الدوام بعد ثوانٍ من صدور القرار والكثير من المحافظات، هذه المركزية انعكست بالأداء القضائي بشكل عام، أحد الإخوان يقول في إحدى المحافظات المحكمة في مكان بعيد، يقول فأنظر إلى التزام الدوام والتزام الملبس يقول، كأننا ساكنون في بغداد، هي الحقيقة، وليست تشبيها، ولكن هذا هو النظام المركزي، النظام المركزي لا أدري بسبب سياسة النظام السابق أو غيرها نعتقدً هو الأصلح أما التشتت فيسبب لنا مشاكل.
ما رأيكم بتجربة النظام البرلماني الحالي في العراق؟
لكي أكون صريحا معك أقول إنها تجربة فاشلة بامتياز وهذا الذي ترونه دليٌلٌ على ذلك ،نحن مع تغيير النظام إلى نظًام رئاسي وليس شبه رئاسي، لدينا تجربة قريبه لنا في مصر وهو النظام البرلماني في تجربة )الإخوان المسلمين( فشلوا ورجعوا إلى النظام الرئاسي، انظر إلى نتائجه الإيجابية ،مصر دولة فقيرة لا تمتلك موارد؛ ولكن وحدة القرار ساهمت بالنهوض بالدولة وبناء مدن جديدة ،وضع اقتصادي مختلف، وضع أمني مختلف تماماً، هذا نموذج حي يمكن الاستفادة منه.
هناك سؤال من شقين بخصوص ما سبق، الأول: وجود مخاوف تاريخية في العراق من العودة للنظام الرئاسي ولازال العراق يئن من تلك التجربة. والشق الثاني: إن العراق بعد عام 3002م لم يطبق النظام البرلماني وفق أصوله الصحيحة، لذلك مسألة الحكم والتقييم بالفشل أو النجاح فيها نقاش؟
سألتني عن الدستور وأجبتك بأن الدستور وضع بطريقة ردود أفعال لمخاوف ما قبل عام 2003، فالإخوة حينما وضعوا الدستور ووضعوا الفيدراليات وكان المقترح أن تكون فيدرالية الجنوب وفيدرالية الوسط وكذا، ومصمم لشخصيات نحترمهم ونقدرهم كانوا خائفين من فكرة أن يكون النظام رئاسيا ويخرج مرة ثانية رئيس دكتاتوري، ما كانوا يدركون أنهم الأغلبية، كانوا يقولون نحن أغلبية ولكنهمً لم يلمسوها على الأرض ولم يلمسوا حجم الأغلبية هل هي خمسين أو خمسة وخمسين لم يلمسوا إنها أغلبية ساحقة، لذلك كانت عندهم هكذا مخاوف، لهذا قالوا نشكل فيدراليتين واحدة في الوسط وأخرى في الجنوب، وبغداد لها خصوصيتها؛ خوفاً من بروز نظام رئاسي ورئيس ينفرد ويصبح دكتاتورا ويحدث انقلاب، فنحن حينها سنعلن استقلالنا كما كان رأيهم، هذه المخاوف حقيقية وليست استنًتاجا وقد سمعتها منهم، نعم، تجربة الحكم البعثي تحديدا بالنظام الرئاسي تجربة سيئة جداً وهي علًى الأقل على مستوى العراق أعطت تصورا كأنما كل رئيًس هو صدام، كل رئيس سيكون دكتاتورا ويتمسك بالسلطة، أنا اعتقد هذه المخاوفً غير صحيحة، يعني إذا وجدت ضمانات دستورية وضمًانات دولية، هاجس الخوف، المرحلة التي حكمها النظام السابق في وقتها ودكتاتورية لم تأتِ بسهولة أعدم أناسا وقدم مغرياتٍ وأموالاً إلى دول العالم كي تسكت عنه ورضا دولي عما كان يمارسه، هذه القصة لا تًتكرر، يعني تخويف الناس من فكرة دكتاتور غير صحيحة، نحن نعتقد بوجود ضمانات كافية وعندما يصاغ الدستور بطريقة واضحة وشفافة فلا يوجد خوف من الدكتاتورية، هذه بالنسبة للمخاوف. سؤالك الآخر المتعلق بعدم تطبيق النظام البرلماني، جهل مُطبق والنظام الذي عندنا أصلاً ليس له علاقة بالنظام البرلماني، يعني يوميا يعملون له تزيين، الديمقراطية التوافقية، المحاصصة، هي المحاصصة واحدة كيفما كانت، وأشد الًناس من يدعي أنه ضد المحاصصة، ضد الطائفية، ضد القومية هو نفسه يكون أشد الناس طائفيةً حينما يبدأ تقسيم المناصب ويقول هذه حقوق المكون حقوق الطائفة حقوق المذهب حقوق الحزب ،لا يريدون الخروج من هذه القصة، مهما كان نجاح شخصية معينة في وزارة ما نفرض جدلاً أن أحد الموظفين خبير في تخصص معين ولديه قدرة وإدارة ولنفترضه من مكون سين، فمن المستحيل استحالة مطلقة أن يقبل المكون صاد به في موقع يصنف له والعكس صحيح، بعض الأحيان تكون توصيفات شكلية، مثل ضد الطائفية ضد المحاصصة، نفس القصة أصبحت تتكرر منذ عام 2003 وإلى الآن، وهذه الحالة انتقلت إلى داخل المكون الواحد.
مسألة تعدد المؤسسات الرقابية، هيئة النزاهة، ديوان الرقابة المالية، لجان النزاهة هذا التعدد دستوريٌّ وقانوني ومع ذلك فالعلاقة عكسية بين كثرة هذه الجهات ومسألة الفساد تحديداتحديداً ،كيف تنظرون لهذا التعدد؟
واحدة من التجارب أو الأشياء السلبية التي جاءت بعد عام 2003 هي أنَّ أميركا أرادت نقل التجارب التي نجحت عندها إلى العراق، كل الأفكار التي تتعلق بهذه التعددية هي موجودة ومقتبسة في أميركا حصرا، كلها تجارب مستحدثة أرادوا تطبيقها في العراق، قد تكون بعنوانها صحيحة، لكن التطبيق غيًر صحيح، نحن لدينا ديوان الرقابة المالية كان المفروض أن يتوسع عمل الديوان ويتوسع اختصاصه، الديوان كان موجودا قبل عام 2003 وفيه شخصيات وخبراء، كان هو الديوان ممكنا وبنفس الوقت مؤسسة تتبع القضًاء. كل جرائم الفساد الإداري وجدت بعد 2003 وهي موجودةً في قانون العقوبات رقم 69 الرشوة والاختلاس، طيب حينما أتينا وأوجدنا هيئة النزاهة، هل قبَلَ وجود هيئة النزاهة لم يكن أحد يحُاسب على الرشوة والاختلاس وجرائم الفساد الإداري مثلاًً؟ قد تكون فكرة هيئة النزاهة صحيحة لكن بناءها كان خطأً.
ما تقييمكم لدور الادعاء العام في ملف مكافحة الفساد؟
تسود بين الناس حالة من عدم الفهم عن دور القضاء في مكافحة الجريمة بشكل عام ومكافحة جرائم الفساد بشكل خاص، وأقول القضاء لأن الادعاء العام جزء من القضاء، فالناس تنظر إلى الادعاء العام وكأنه محقق، وهو الذي يكتشف الجريمة ويجمع الأدلة وهذا شيء غير صحيح، الادعاء العام عمله رقابي بموجب القانون، الحفاظ على المال العام، ولكن ليس هو من يتدخل بالصغيرة والكبيرة ويقوم بتحريك الشكاوى أو يجري التحقيق فيها،نعم من الممكن للإدعاء العام أن يحرك الشكوى ويقدم إخبارا بها، لكن إجراء التحقيق في جرائم الفساد الإداري ليس من اختصاصه بل إن ذلك من اختصاصاتً هيئة النزاهة، أنا أتكلم الآن ليس رأيي في موضوع مركزية الجهات الرقابية، هذا تكلمت عنه، الآن أتكلم كأمر واقع لدينا قانون يقول لدينا هيئة نزاهة هي مختصة في قضايا الفساد الإداري، الادعاء العام مراقب لعمل هيئة النزاهة ومراقب لعمل القضاء في هذا الموضوع، يعني ليس هو من يذهب إلى الوزارات ويطالبهم بإخراج ملفاتهم وأضابيرهم ،هذا عمل النزاهة وليس عمل الادعاء العام، لكن الناس ربما لم تتضح لهم هذه الصورة، لذلك في كثير من الأحيان يلوم الناس القضاء والادعاء العام جزء منه . القضاء، في الحقيقة مثل الزبون في المطعم،يطبخ الطباخ ويأتوك بالأكل جاهزا، ذاك هو الشرطة والنزاهة هي المفروض تجمع الأدلة وتأتي بها إلى القضاء، فالقضاء عندما يصدر قًرارا يلغي القضية أو يغلقها؛ لأن الطبخ غير جيد، هناك مقولة قانونية –أنا أشم رائحة الدخان لكني لًا أرى النار- أعرف فلان فاسد لكنْ أنا لا أستطيع محاكمته بدون دليل أنا أريد دليل، الدليل من يعده بجرائم الفساد؟ هيئة النزاهة، وبالجرائم العادية الشرطة، فإذا كان خلل في القرار أو في الدعوى التي تتعلق بالنزاهة أو بالجرائم العادية فالخلل من الجهات التي قدمت دليلاً منقوصاً أو دليلاً غير كافٍ.
في الأزمة الأخيرة التي واجهها القضاء كان هناك إدراك عام لدور القضاء والسلك القضائي وكثيراوكثيراً ما نسمع بأنه )الحصن الأخير لبناء هذه الدولة( كيف تقيمون ذلك؟
هذه النظرة الإيجابية تكونت لكون الواقعة واضحة ولا يوجد فيها لبس، لهذا رأت الناس فعلاً أنَّ القضاء سلطة قوية ومستقلة ولم يستطع أحد التأثير فيها لأن القضية كانت واضحة، نفس هذه الاستقلالية ونفس هذه السلطة موجودة في أبسط قضية إلى أكبر قضية.
السؤال الأخير؛ حضرتكم رئيس محكمة التمييز الاتحادية ورئيس السلطة القضائية ومجال عملك يميل لاختصاصات قسم القانون الخاص أكثر من القسم العام، السؤال لماذا اخترتم اختصاص القانون الدستوري في دراستكم لا سيما في الدكتوراه؟
في الماجستير اخترت القانون الدستوري وكتبت عن المحكمة الاتحادية لأنها كانت جزءاً من القضاء، كنت أرى خروق المحكمة نفسها وكانت مؤلمة من حيث التشكيل ومن حيث القرارات فحينما اخترتها في الماجستير )المحكمة الاتحادية العليا في العراق تشكيلها وإنشاؤها والشكوك التي تثار حول اختصاصاتها(، أما في دراسة الدكتوراه فلم أكن أنوي أول مرة أن أكمل، كنت متحيرا في الموضوع الذي سأكمل به وعدم وجود الوقت الكافي، وبالصدفة كان رئيس الحكومة في وقتها دً. حيدر العبادي، إذا تتذكرون، أصدر حزمة الإصلاح، الحزمة كان فيها مخالفات دستورية صريحة، وكانت ملفتة لي، وعندما كنت ذاهبا إلى بيروت في قضية خاصة، زرت المشرف على رسالة الماجستير الذي هو من كبار فقهاء قانون الدسًتور في الوطن العربي الدكتور زهير شكر وهو إنسان محترم وأثناء جلوسي معه كانت في حينها الأزمة اللبنانية الخاصة بالانتخابات، خرج في وقتها عبر شاشة التلفاز رئيس الجمهورية، وأصدر بيانَ تأجيل انعقاد مجلس النواب اللبناني ومدَّد الفترة ،ومباشرًةً قال )الدكتور زهير شكر( هذا خطأ دستوري، على أثر ذلك أصبح لدي موضوع أطروحة الدكتوراه، لأنهم يريدون دراسة مقارنة، فتم اختيار الموضوع إضافة إلى حزمة الإصلاح التي طرحها الأخ العبادي وصارت هي الأساس ومنها انطلقت، وتمت دراسة الخروق الدستورية في الحكومات السابقة،فأصبح موضوعا دستوريا وأطروحة للدكتوراه، وإلى جانب القسم النظري هناك قسم عملي توثيقي للخروق الدستورًية في العًراق.
شكرا جزيلاً لكم سيادة القاضي د. فائق زيدان المحترم على إتاحة هذه الفرصة وشكراوشكراً على صراحتكم ونًأمل أن يكون لنا معكم تواصٌلٌ مستمر في المستقبل.
وفي الملف ادناه النص الكامل للحوار