حرية – (12/11/2022)
لم يثر جيش الرعب في أرجاء الكرة الأرضية بقدر ما أثار المغول الذين أشاعوا موجة من الفزع في النفوس بسبب وحشيتهم وسفكهم للدماء بشكل لم يحدث له نظير. من هم المغول.. ومن أين جاءوا.. وكيف كانوا يعيشون؟.. في كتابها «تاريخ الأيوبيين والمماليك في مصر والشام»، أجابت الدكتورة ليلى عبد الجواد إسماعيل على هذه التساؤلات.
الموطن الأصلي للمغول
تعد هضبة منغوليا بوسط قارة آسيا الموطن الأصلي لقبائل المغول، التي تأثرت حياتهم وطباعهم بما ساد الهضبة من مناخ قاس، فالشتاء شديد البرودة، وكذلك الصيف شديد الحرارة لدرجة كبيرة، أما الرياح كانت شديدة، وتتحول في كثير من الأحيان إلى أعاصير تتلف كل من يواجهها.
وقد أثرّت ظروف المناخ هذه على طبائع المغول، وجعلتهم يتصفون بالقسوة والخشونة، وفرضت عليهم ضرورة حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم من أخطار الطبيعة ومن هجمات جيرانهم، بل وحتى من بعضهم البعض.
كذلك فرضت عليهم ظروف البيئة كثرة التنقل والترحال من مكان إلى آخر بحثاً عن المراعي، فكانوا يقيمون أثناء ترحالهم في خيام أو أكواخ صُنعت من اللباد، وكانت تُحمل على عربات خشبية ذات عجل حتى يسهل نقلها من مكان لآخر دون عناء ومشقة، ومن ثم لم تعرف قبائل المغول حياة الاستقرار التي يتمخض عنها المدنية والحضارة.
وقد أثرت البيئة الطبيعية كذلك على الصفات الجسمانية التي اتصف بها هؤلاء المغول، بحيث تتلاءم مع ظروف البيئة القاسية، فكانوا يتمتعون بقوة البنية، وهم ذو وجوه عريضة سمراء اللون يغلب عليها السواد، ورؤوس كبيرة ذات شعر أسود خشن، وأنوفهم فطساء مع بروز في الخدين، وشفاهم غليظة، واسعوا الصدر، قصيرو القامة والأطراف، قويو العضلات ما منحهم سرعة في الحركة.
الطعام والشراب عند المغول
وأثرت بيئة المغول على طعامهم وشرابهم، فكانوا يأكلون لحوم جميع الحيوانات دون أن يفرقوا بين الكلاب أو الذئاب أو الثعالب أو الفئران أو الخنازير، بل كانوا يأكلون في بعض الأحيان لحوم الآدميين خاصة لحوم أعدائهم ويشربون من دمائهم، وأكثر من ذلك كانوا يأكلون لحوم بعضهم خاصة في أوقات الحروب وعندما لا يجدون ما يأكلون.
ورغم ذلك، كانت لحوم الخيل هي المفضلة عندهم، فكانوا يقومون بنقعها في الماء المملح ثم يجففونها، ويمكنهم بعد ذلك قطعها كما لو كانت خبزاً أسوداً، كما أنهم كانوا يحتفظون باللحم النيئ في حقائبهم أثناء حلهم وترحالهم أو حروبهم إلى أن يخرج ما به من دم ثم يأكلونه نيئاً.
وكان المغول يشربون لبن الخيل بعد أن يعطروه بالأعشاب، وهو أفضل شراب لديهم، ويبدو أن المغول عرفوا النبيذ كذلك.
وكانت ملابس المغول تتسم ببساطة حياتهم البدائية، وهي مصنوعة من أصواف الغنم ووبر الجمال وجلود الحيوانات، ولم يكن هناك فرق كبير بين ملابس الرجال وملابس النساء، مع ملاحظة أنهم كانوا يرتدون ملابسهم لفترات طويلة خاصة في فصل الشتاء حيث كانوا لا يخلونها على الإطلاق، أما في الصيف فهم يغيرونها مرة واحدة فحسب، كما أنهم لا يغسلون ملابسهم ولا أجسادهم، ولا يستحمون إلا نادراً، كما أنهم لا يميزون بين الطاهر والنجس.
حياة المغول الأسرية والديانة
وحياة المغول الأسرية بدائية بطبيعة الحال، فكان من حق الزوج أن يتزوج أكثر من واحدة، ولم يكن هناك حد معين، فكثيراً ما وصل عدد الزوجات إلى مائة زوجة، وكانت الزوجة لا تصبح زوجة بالفعل إلا بعد أن تنجب للرجل طفلاً.
وكان الرجل يحصل على زوجته عن طريق الشراء. وشجع المغول كثرة الإنجاب حتى يستطيعوا التصدي للأخطار، لذلك إذا لم تنجب الزوجة، كان من السهل طردها، أما إذا أنجبت فيزداد احترامها.
وكانت ديانة المغول وثنية تُعرف بـ«الشامانية»، ووفقاً لذلك كانوا يعبدون كل شيء يسمو عن مداركهم، وكذلك كل ما يرهبهم أو يخيفهم، لذا كُثرت آلهتهم في النهر وفي الجبل وفي الشجر الضخم وفي الشمس وفي القمر وفي البرق وفي الرعد، ولم تكن لهم أماكن مخصصة للعبادة، وكان لديهم جماعة من الكهنة أقرب على العرافين منهم إلى رجال الدين.
وقد اعتنقت بعض قبائل المغول المسيحية، مثل قبيلة «الكرايت» التي اتبعت المذهب النسطوري، وقد تحالف جنكيز خان مع هذه القبيلة وتزوج من بناتها.
كذلك اعتنقت قبيلة مغولية بأكملها الإسلام، وهي مغول «النفجاق» أو مغول «القبيلة الذهبية»، وعرفوا بهذا الاسم نسبة إلى لون خيامهم الذهبي.
وقد استطاع جنكيز خان أن يتولى حكم المغول، وقضى على القبائل المعادية، ووضع مجموعة من الشرائع عرفت بـ«الياسق» أو «الياسا» لتنظيم أمور الدولة، ثم وضع بعد ذلك خططاً للتوسع على حساب المسلمين.
التوسع في الشرق
ويمكن تقسيم الزحف المغولي على الشرق الإسلامي إلى مرحلتين. الأولى، كانت زمن جنكيز خان، وخلالها قام المغول بمهاجمة الدولة الخوارزمية، والقضاء على نفوذها والاستيلاء على أملاكها.
الثانية، كانت زمن جانكيز خان وأخيه هولاكو، حيث قاد الثاني الجيوش المغولية، وهاجم بقية أراضي الشرق الإسلامي إلى أن وصل إلى حدود مصر، وانتهت هذه المرحلة بهزيمة المغول في معركة عين جالوت سنة 1260.
وقد أشاع المغول موجة من الرعب والفزع في العالم الإسلامي جراء غاراتهم، حتى أن بعض المؤرخين ومنهم ابن الأثير ظل يقاوم نفسه سنوات حتى لا يسطر أخبارها، لأنه كان يعتبر أن في تاريخ هذه الحوادث نعياً للإسلام والمسلمين، وعبر عن ذلك بقوله «لقد بقيت سنين مُعرضاً عن ذكر هذه الحادثة.. كارهاً لذكرها، فأنا أقدم رجلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين.. فياليت أمي لم تلدني، وياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً».