حرية – (13/11/2022)
بينما تستفيد “نتفليكس” في المسلسل الكوميدي الجديد “بلوكباستر” من الحنين إلى صيغة ترفيه أسهمت هي نفسها في تدميرها، يستبشر عشاق السينما على جانبي الأطلسي بتقدير أشرطة الفيديو المنزلي من جديد
لم تكن هناك تراتبية في متاجر تأجير أشرطة الفيديو. كنت ستجد الفيلم الكوميدي الذي تدور أحداثه في إطار مجالسة الأطفال، “سانتا مفتول العضلات” Santa with Muscles الذي لعب بطولته هالك هوغان عام 1996 إلى جانب نسخة أصلية من فيلم الرعب الياباني “حلقة الشيطان” Ring الصادر عام 1998، ويمكن لفيلم الرعب الغامض “الحصن” The Keep للمخرج مايكل مان من عام 1983 أن يتشارك الرف نفسه مع فيلم “العوسق” Kes للمخرج كين لوتش من عام 1969. ولدت متاجر الفيديو عشقاً منجرفاً للسينما لدى الأشخاص الذين كانوا يترددون عليها، وشعوراً متزمتاً بالانتماء إلى وسط ما لا يمكن لأي آلية بحث أن تكرره على الإطلاق. على رغم أن أشرطة الفيديو المنزلي أصبحت من الماضي منذ عام 2006، عندما أصبح فيلم “تاريخ من العنف” A History of Violence للمخرج ديفيد كرونينبرغ أخر عمل سينمائي يتم إصداره بهذا النمط، إلا أن مشاعر الحنين إلى الماضي وهوس هواة الجمع والأساطير المنتشرة حول متاجر الفيديو، تضافرت لخلق إعادة تقييم ثقافية لما قدمته لنا هذه الوسيلة في السابق.
في قرار ربما كان هو الأسوأ تجارياً خلال الـ20 عاماً الماضية، رفضت الشركة العملاقة المندثرة لتأجير أشرطة الفيديو “بلوكباستر” Blockbuster عام 2000 عرضاً لشراء شركة صغيرة تسمى “نتفليكس” Netflix، كانت حينها عبارة عن خدمة توصيل أقراص “دي في دي” DVD التي يطلبها عملاؤها بواسطة البريد، إذ لم تقبل عرضاً لشرائها مقابل 20 مليون دولار. لو قفزنا بالزمن عقدين إلى الأمام، سنجد أن “نتفليكس” نفسها هي التي تثير في الغالب هذا الحنين إلى أشرطة الفيديو المنزلي. للترويج لثلاثية اليافعين الدموية “شارع الخوف” Fear Stree عام 2021، أطلقت “نتفليكس” متاجر فيديو متنقلة في لندن وبرايتن ونيوكاسل. كما رأينا أبطال الموسم الأخير من سلسلة “أشياء غريبة” Stranger Things يعملون في متجر يسمى “فيديو العائلة”، وأطلقت المنصة هذا الأسبوع المسلسل الكوميدي “بلوكباستر” Blockbuster الجامد نوعاً ما وتدور أحداثه في بيئة العمل في آخر متجر متبق من سلسلة متاجر “بلوكباستر”. الأمر مثير للسخرية بعض الشيء، نظراً إلى أن شركة البث التدفقي العملاقة حولت ثقافة مشاهدة الأفلام من الاستئجار إلى البث المباشر، ما ساعد على إبعاد محال التأجير عن سوق العمل تماماً. طيب، تقريباً وليس تماماً.
اليوم، لا يزال كثيرون مخلصين لأشرطة الفيديو المنزلي ويدافعون عن الشعور الساحر الذي كانت متاجر الفيديو تجسده. آندي جونسون هو مالك محل “فيديوديسي” VideOdyssey الذي يوصف بأنه متجر أشرطة الفيديو الوحيد في المملكة المتحدة. بدأ شخصياً العمل في متجر فيديو، وراح يحتفظ بأشرطة كانت تؤجر في السابق ونسخ الإعلانات الأصلية المعلقة عندما بدأت الصناعة بالانهيار. افتتح محل “فيديوديسي” عام 2018 في أطراف منطقة توكتيث بليفربول، حيث يحتل زاوية في استوديو فني، وقد نما الآن ليصبح ما يشبه محجة ثقافية لمحبي الأشرطة. أخبرني جونسون “لم أكن أعتقد بأنه سيصبح شيئاً قائماً بذاته… إنه في الواقع أكثر نجاحاً من الاستوديو الآن. نستقبل زواراً من جميع أنحاء العالم ويتم التبرع بـ 200-300 شريط في الأسبوع. أشعر بالسعادة لأنني أجد دائماً أفلاماً لم أسمع بها من قبل”. شغف جونسون بهذا النمط حقيقي، إذ يرى أن أشرطة الفيديو المنزلي أشبه بالإصدار الأول للفيلم. يقول، “إذا اعتنيت بالأشرطة، فإنها النمط الأكثر ديمومة. يمكنك إسقاط شريط فيديو منزلي من أعلى السلالم وسيظل صالحاً للتشغيل”.
في كل مرة تدور أحداث مشهد في مسلسل أو فيلم شهير في متجر فيديو، يتدفق العملاء ورسائل البريد الإلكتروني على “فيديوديسي”، حتى لو كان ذلك فقط من أشخاص يعربون عن إعجابهم برسالة المتجر. يوضح جونسون: “بالتأكيد كان لـ[مسلسل] ’أشياء غريبة‘ تأثير في الزوار من شريحة عمرية معينة… قبل المسلسل، كانت غالبية الزائرين من الرجال في منتصف العمر الذين يتحدثون معي عن التعفن الذي يصيب الأشرطة. يعيد العمل ثقافة الفيديو إلى أذهان الناس وكان تأثير ذلك فينا كبيراً”.
ربما يكون أشهر موظف سابق في متجر فيديو هو كوينتين تارانتينو، الكاتب والمخرج والمؤلف وأخيراً صاحب مدونة صوتية سميت “أرشيفات الفيديو” Video Archives، على اسم متجر الفيديو في مانهاتن بيتش بكاليفورنيا الذي عمل فيه عندما كان مخرج أفلام طموحاً، مع زميله المخرج روجر أفاري، وتهدف المدونة إلى إعادة خلق أجواء المتجر البائد. عندما أفلس محل “أرشيفات الفيديو” عام 1995، بعد عام من نجاح تارانتينو الكبير في فيلم “خيال رخيص” Pulp Fiction اشترى المخرج مجموعة الأشرطة التي كانت في المتجر بأكملها، بينما اشترى أفاري الأقراص الليزرية. كل هذه الأفلام موجودة الآن في غرفة “تبدو وكأنها مزار مهووس لـ’أرشيفات الفيديو‘”، كما يوضح في المدونة. وفي كل حلقة، يختار تارانتينو وأفاري ثلاثة أفلام من أرفف أرشيف الفيديو (حرفياً) ويناقشانها. عادة ما يتم اختيار فيلمين طويلين لاستعراضهما أولاً، بينما يكون الثالث غامضاً، من نوع الأفلام التي عندما “تجدها في متجر الفيديو لا تكون لديك أدنى فكرة عن ماهيتها”.
ميليسا فوميرو في مسلسل “بلوكباستر” من إنتاج “نتفليكس”
جزء من جاذبية المدونة يكمن في معرفة أن تارانتينو وأفاري يعيدان استعراض تلك الأفلام من أشرطة تأجير سابقة فعلية، أو “هوس الأشياء الملموسة” كما يسميه أفاري. يوافقه الرأي جيد شيبرد، كاتب السيناريو الذي ألف فيلمي الرعب “مضيف” Host و”داش كام” Dashcam ومؤسس مشارك لـ”نادي الفيديو في لندن”. جاءت فكرة نادي الفيديو قبل حوالى أسبوعين من اندلاع جائحة كورونا، عندما كانت مجموعة من الأصدقاء يتناولون مشروباً، شيبرد نفسه، وروب سافاج مخرج فيلمي “مضيف” و”داش كام” ومنسقة الأفلام إيلين وونغ. يقول شيبرد، “معظم الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة لم تكن لهم أي تجربة على الإطلاق مع أجهزة الفيديو المنزلية، لذلك فكرنا في أن نعرفهم عليها”. أثناء عروض النادي، يوضع جهاز الفيديو أمام الشاشة، ويكون مرئياً بشكل مقصود، ويطلب من شخص ما من الجمهور، عادة من بين الأصغر سناً الذي ربما لم يسبق له التعامل مع هذه التقنية من قبل، الحصول على شرف وضع شريط الفيديو في جهاز التشغيل. تحاول المجموعة دائماً عرض نسخ تم تأجيرها سابقاً والتي تحتوي على المقاطع الترويجية التي تسبق الفيلم الفعلي. فقط من أجل تعزيز تجربة الحنين إلى الماضي.
ميزة أخرى لأشرطة الفيديو المنزلي، هي الإرث شبه المنسي للأفلام التي لم تنقل على الإطلاق إلى أقراص “دي في دي” DVD أو “بلو راي” Blu-ray. يقول شيبرد الذي يعتبر أيضاً الأفلام الموجودة على الأشرطة فقط مصدراً للإلهام، “إنها تقريباً مثل مادة إعلامية مخبأة أو مفقودة… أفكار كثير منها جيدة بشكل لا يصدق، لكن ربما لم تتوافر لها الموازنة اللازمة لتنفيذها بالشكل الأمثل. كوني صانع أفلام رعب، أبحث عن أشياء تلهمني. لا أريد أن يكون منجم أفكاري مماثلاً لأفكار الآخرين. لا أريد فقط أن أستلهم من أعمال مثل “طارد الأرواح” The Exorcist أو “البريق” The Shining كما هي الحال مع أي وسيط، فإن الندرة تولد القيمة، وفي أوساط جامعي أشرطة الفيديو المنزلي، يمكن لبعض العناوين الأقل شهرة أن تجني الأموال. يقول شيبرد بتفاخر، “لدي نسخة من فيلم “هجوم الثلاجة القاتلة”Attack of the Killer Refrigerator (1990) التي تبلغ قيمتها حوالى 400 جنيه استرليني [455 دولاراً]”، في حين يمتلك جونسون بعض أفلام الرعب النادرة حقاً مثل “أشربُ دمك” I Drink Your Blood (1971) الذي “يساوي بالتأكيد 1000 جنيه استرليني [1138 دولاراً]”، وربما أكثر.
تصدر جونسون الأخبار الصيف الماضي عندما تلقى تبرعاً بلغ 20 ألف شريط من أحد هواة الجمع في داندي Dundee. من بين هذه الكمية الهائلة، هناك حوالى 5 آلاف شريط “تستحق الاحتفاظ بها” كما يقول. مهمة جونسون هي إنقاذ الأفلام من النسيان، “لأن أشرطة الفيديو المنزلي لم تصنع جميعها بأعداد متساوية، لدي 30 نسخة من فيلم ’كل ما هو مطلوب‘ The Full Monty. كذلك، من يريد حقاً 50 نسخة من ’مذكرات بريدجيت جونز‘ Bridget Jones’ Diary؟ ليست المشكلة في إيجاد مصادر للأشرطة، بل في تنظيم ما يأتي من التبرعات”.
هناك جاذبية رومانسية لثقافة أشرطة الفيديو المنزلي، يقول شيبرد، “مشاهدة شيء ما على شريط فيديو مختلفة تماماً عن مشاهدته في صالة سينمائية بمؤثرات خاصة IMAX أو شريط 35 ملم قياسياً على سبيل المثال… لأنها تجربة مصحوبة بتاريخ الشخص الذي كان يمتلك ذلك الشريط من قبل. فالشريط يتحلل، بخاصة عند المقاطع الجيدة من الفيلم”. عندما قاموا بعرض فيلم “مشروع الساحرة بلير”The Blair Witch Project مثلاً، لاحظوا وجود “تشويش حقيقي” في اللقطات النهائية المقلقة، التي حيرت المتفرجين ممن كانوا يشاهدونه فلم يعرفوا ما إذا كان حقيقياً أو خيالياً. يقول شيبرد ضاحكاً، “ظل الناس يعيدون اللقطات ليروا ما إذا كان بإمكانهم تبيان شيء ما… بالتالي أنت تحصل على تاريخ مشاهدة الفيلم داخل الفيلم نفسه. أشعر بأن هذه تجربة سحرية”.
تراود الفكرة نفسها جونسون أيضاً الذي يقول، “تقوم بفتح الأشرطة فتستطيع رؤية تلك البكرة السوداء الصغيرة… تخرجها من الصندوق، وتضعها في الصندوق الصغير الآخر هذا، وتضغط على زر التحميل في الأعلى. [أنت] تضغط زر التشغيل ثم تظهر القصة على الشاشة. وإذا كنت تحب القصة، فيمكنك إرجاع الشريط ومشاهدتها مرة أخرى. هذا ساحر ببساطة”.