حرية- (20/11/2022)
بعد “انتصارات الخريف” التي حققتها كييف، بدأت الحرب في أوكرانيا تأخذ “منعطفا جديدا”، بحسب واشنطن بوست، التي أبرزت في تقرير لها أن القوات الأوكرانية، تواجه الآن عقبات وتحديات جديدة، تهدد بإبطاء تقدمها في ساحة المعركة.
وعلى مدى شهرين ونصف، أثارت القوات الأوكرانية، بحسب الصحيفة، إعجاب العالم بقدراتها الهجومية، بعد استعادة منطقة خاركيف بالشمال الشرقي في انتصار كاسح، ثم إجبارها روسيا على “انسحاب محرج” من مدينة خيرسون.
وأدت هذه المكاسب إلى ارتفاع آمال الأوكرانيين في تحقيق المزيد من النجاحات واستعادة باقي أراضيها المحتلة، المَهمة التي تبقى حسب مجموعة من الخبراء والمحللين “صعبة”، مع تعزيز روسيا لدفاعاتها ورهانها على عامل الوقت لتقوية صفوفها.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدفاعات الروسية صارت “أكثر ثباتا” في عدد من الجبهات الجديدة، مشيرة أنه، رغم مساعي الأوكرانيين اختراق خطوط موسكو على ساحة المعركة، إلا أن “الظروف الموحلة”، تجعل من حرب المناورة صعبة، لتؤجل خططها إلى وقت لاحق.
وفي الوقت الذي تبدو فيه روسيا أضعف من أن تأخذ وضعية الهجوم، تمكنت، حسب المصدر ذاته، من تعزيز دفاعاتها، كما قامت بسحب أفضل وحداتها القتالية من خيرسون، إلى جبهات قتال أخرى، بالتزامن مع حملة قصف عنيفة تشنها على البنية التحتية الأوكرانية.
وحشد الكرملين مجموعات القوات الخاصة في عدد من الجبهات الحيوية، بحسب الصحيفة التي تؤكد أن “جنود هذه الكتائب لا يتمتعون بخبرة أفضل فحسب، بل مجهزون بشكل جيد وتساعدهم طائرات الاستطلاع بدون طيار التي تستهدف القوات الأوكرانية خلال محاولتها التقدم”.
وأمام مخاوف من تكرار “نكسة خيرسون”، كشفت وزارة الدفاع البريطانية أن روسيا، تعمل على تعزيز دفاعاتها من خلال حفر خنادق وبناء تحصينات حول شبه جزيرة القرم.
هجوم ودفاع
ويرجح محللون أن أوكرانيا، ستواصل عملياتها الهجومية في المستقبل القريب، لكن على نطاق أضيق.
في هذا السياق، يوضح كبير محللي معهد دراسات الحرب ماسون كلارك، أن القوات الأوكرانية لن تكون قادرة على تنفيذ هجوم آخر واسع حتى شهر يناير أو فبراير، لكنه يرجح أنها ستواصل القيام بعمليات صغيرة لاستعادة أجزاء من أراضيها بحلول نهاية العام.
مدير شركة روشان للاستشارات ومقرها بولندا، كونراد موزيكا، أبرز، أن الأوكرانيين بالتأكيد في طريقهم إلى التقدم” مشيرا إلى أن “المعنويات عالية بشكل لا يصدق، ويبقى توفر المعدات الغربية ميزة للأوكرانيين”.
غير أنه يشير بالمقابل إلى أن الروس، متشبثون بشكل جيد بمواقعهم الدفاعية، وسيكون طردهم أكثر صعوبة مما كان عليه الحال في خاركيف وخيرسون، مشيرا: “لا توجد نقاط ضعف واضحة ويمكن استغلالها بسهولة على طول الخطوط الروسية، كما كان الحال في وقت سابق من هذا الخريف”.
وقال موزيكا “الآن سيكون من الصعب للغاية على الأوكرانيين تهيئة الظروف التي من شأنها أن تؤدي إلى هزيمة واسعة النطاق ضد القوات الروسية”.
ويبرز أنه بالرغم من أن “القوات الروسية ضعيفة التجهيز والتدريب إلا أنها تتفوق عدديا، مما يمنحها قوة دفاعية مهمة”.
تعزيز القوات
وعند بداية غزوها شهر فبراير الماضي، جندت روسيا 90 ألف جندي في خطوطها الأمامية، ومنذ ذلك الحين أضافت ما يصل إلى 100 ألف مقاتل، وفقًا لمسؤول من دولة أوروبية عضو في الناتو، تحدث لواشنطن بوست شريطة عدم الكشف عن هويته.
وقال المسؤول ذاته، إن ما يصل إلى 200 ألف جندي روسي إضافي يتم تدريبهم وسيصلون في الأشهر المقبلة، مرجحا أنهم “سيكونون في حالة أفضل قليلا مقارنة بالرجال غير المجهزين ولا المستعدين الذين وصلوا خلال الفترة الماضية”، وأوضح أن روسيا تعمل على إعادة بناء قوتها القتالية استعدادا للربيع المقبل.
وأبرز المسؤول الأوروبي، أن روسيا التي فقدت عددا كبيرا من الدبابات وعربات المشاة القتالية وناقلات الجند المدرعة، لا تزال تتوفر على آلاف المركبات في المخازن، لافتا إلى أن المصانع الروسية لقذائف المدفعية تعمل بلا توقف لتصنيع أسلحة جديدة.
بالمقابل، تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون مساعي إبقاء أوكرانيا مزودة بالأسلحة والذخيرة كافية وباقي التدعيمات التي مكّنت كييف من تحقيق نجاحات في ساحة المعركة خلال الأشهر الأخيرة، بحسب الصحيفة.
في هذا الجانب يقول المسؤول الأوروبي: “أن الحلفاء الغربيين، دخلوا في وضع صعب”، “لقد تم بالفعل تقديم الكثير والجهود المطلوبة الآن طويلة الأمد وأكثر استراتيجية”.
دعوات للتفاوض
وأدى غموض مستقبل الحرب إلى ارتفاع الدعوات المطالبة بالتفاوض لإنهائها، وعلى الأخص من رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارك ميلي، الذي كشف أن الوقت قد يكون مناسبا لأوكرانيا للتفاوض على حل سياسي للصراع مع روسيا – والذي سيتطلب بشكل شبه مؤكد تسليم بعض الأراضي، وفقا للصحيفة.
وقال الجنرال مارك ميلي إن هدف الأوكرانيين المتمثل في “طرد القوات الروسية من أوكرانيا مهمة صعبة للغاية، ومن غير المرجح أن يتم تحقيقها في أي وقت قريب”، وقد تتم فقط إذا انهار الجيش الروسي بالكامل وهذا أمر غير وارد.
واستبعد المتحدث ذاته احتمالية حدوث نصر عسكري أوكراني، من خلال طرد الروس من جميع أنحاء أوكرانيا، وشبه جزيرة القرم، بالقول إن “احتمالية حدوث ذلك في أي وقت قريب، ليس مرتفعا من الناحية العسكرية”.
وأضاف في مؤتمر صحافي، أن “الجيش الروسي يعاني من الخسائر لذا فأنت تريد التفاوض في وقت تكون فيه قوي، وخصمك في حالة ضعف، ومن الممكن، ربما، أن يكون هناك حل سياسي، كل ما أقوله هو أن هناك إمكانية لذلك”.
من جانبه، وعد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، بمواصلة مساعدة أوكرانيا على حماية سكانها وتحقيق أهدافها في ساحة المعركة، والتي حددها القائد العام الأوكراني فاليري زالوجني على أنها استعادة جميع الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، والتي تم ضمها بشكل غير قانوني عام 2014.
وتابع أوستن أنه لا يريد أن يفترض مسبقا ما هو ممكن للقوات الأوكرانية، مشيرا إلى أن الأمر متروك لكييف لاتخاذ قرار بشأن الوقت المناسب للتفاوض.
ويحذر المسؤولون الأوكرانيون من أي محادثات سلام من شأنها أن تمنح موسكو “متنفسا” في هذه المرحلة الصعبة.
في هذا السياق، قال المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية يوري إغنات، إن أوكرانيا لا تثق في أن روسيا ستلتزم بأي اتفاق للدخول في مفاوضات، مشيرا إلى أن موسكو ستستغل أي توقف في القتال لإعادة بناء مخزوناتها من الذخيرة والصواريخ، وتدريب قواتها التي تم حشدها حديثا وإعادة تجهيزها واستبدال المعدات التالفة.
وأضاف إغنات: “روسيا بحاجة إلى هدنة حتى الربيع وبعد ذلك سيضربون بكل ما لديهم، بالإضافة، إلى أنهم سوف يصنعون صواريخ جديدة ويضربوننا بقوة ويدمروننا بالكامل، هذه هي السياسة الخارجية لروسيا وخطتها للسلام”.
بالمقابل، اتهم المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، برفض التفاوض معتبرا أن مدينة خيرسون لا تزال أراض روسية،
وأصر على أن خطة الضم ستتم على الرغم من انسحاب القوات الروسية من المدينة.
وقال بيسكوف للصحفيين، الخميس: “الجانب الأوكراني لا يريد أي مفاوضات، مضيفا أن “العملية العسكرية الخاصة مستمرة
ويجب تحقيق أهدافها”. كما أصر على أن قصف روسيا للبنية التحتية الأوكرانية كان لأغراض عسكرية.
وعلى الرغم من الدعوات للتفاوض، توحي كل المؤشرات إلى أن كييف وموسكو سيواصلان الاقتتال، في هذا السياق، قال دارا ماسيكوت، محلل عسكري روسي في مؤسسة RAND: “نحن في مرحلة يشعر فيها الجانبان بالتعب، والجانبان مرهقان، لكنهما ليسا مستعدين لوقف القتال”.