حرية – (23/11/2022)
يسعى بعضهم إلى الابتعاد عن الأسواق الحديثة المكتظة بالسيارات والضوضاء والبحث عن أماكن هادئة تحمل ميزات تاريخية للتجول فيها بهدوء
أجواء ليالي شارع المتنبي في العاصمة العراقية بغداد لا تشبه غيرها من السهرات… حركة لا تنضب ودردشات وضحكات تملأ الجو بهجة وحياة.
فالعائلات والأسر العراقية تقصد شارع المتنبي الزاخر بالمكاتب القرطاسية والكتب ودور النشر لتكتسب زوادة ثقافية، وتنتهي جولتها بزيارة القشلة والإطلالة الجميلة على نهر دجلة.
كان شارع المتنبي يكتظ بالزائرين لاسيما أيام الجمعة، إلا أن مبادرة تمكين المجتمعية التي يشرف عليها البنك المركزي العراقي ورابطة المصارف الخاصة العراقية، حولت تلك الجمع إلى أيام على مدار الأسبوع، حيث تجتمع العائلات ليلاً للتجول في شارع المتنبي، الذي رأى النور وأعيدت له الحياة بفضل تلك المبادرة.
يقع في وسط العاصمة العراقية بغداد بالقرب من منطقة الميدان، وهو أحد تفرعات شارع الرشيد، ويعد الشريان الثقافي لأهالي بغداد والمحافظات العراقية، تزدهر فيه تجارة الكتب بمختلف أنواعها ومجالاتها، كما يضم مطبعة تعود إلى القرن الـ19 ومقهى عمره أكثر من قرن ومبنى يعود لفترة العهد العثماني.
أبو سارة، وهو بغدادي وأب لثلاث بنات، أكد أن شارع المتنبي أصبح مختلفاً تماماً عما كان عليه قبل إعادة تأهيله بواسطة مبادرة تمكين، مبيناً أن التجول مع العائلة في هذا المكان له تأثير كبير في أفراد الأسرة لما يحمله الشارع من عبق تاريخي وثقافي وتراث بغدادي.
ولفت إلى أن العائلات والأسر العراقية باتت تقصد الشارع كونه متنفساً جديداً لشعب اشتاق إلى الحياة.
يوفر الشارع فرصا للترفية والتسوق
الأديب العراقي إبراهيم سبتي، يقول حول تجول العائلات العراقية في شارع المتنبي “الثقافة بوصفها منهاجاً معرفياً وإنسانياً، ترتبط روحياً بالحالة اليومية التي يعيشها الإنسان، لذا ليس غريباً أن نجد العائلة تبحث عن ملاذ ترفيهي بعيداً من الهموم اليومية المتواصلة”.
وتابع شارع المتنبي بإرثه وأصالته المستمدة من ارتباطه بتاريخ ثقافي ومعرفي ممكن أن يتحول إلى معلم سياحي وترفيهي رائع، وليس من المستبعد أن يتحول إلى مرفق بغدادي تتوفر فيه جميع مقومات النجاح والتميز.
مقصد للمغتربين والأجانب
لم يكن المتنبي مقصداً فقط للعائلات العراقية، بل شهد أيضاً تهافتاً لسياح من خارج العراق سواء المغتربين أو الأجانب، إذ يقول أحد زائري هذا الشارع إنه يشعر بعمق التاريخ وهو يتحرك من جهة شارع الرشيد باتجاه نهر دجلة وينتهى بساحة جميلة تطل على الشاطئ مع تمثال الشاعر أبو الطيب المتنبي.
كذلك تقول الفنانة التشكيلية المغتربة ميسون الربيعي “يعلم الجميع أن شارع المتنبي له مكانة خاصة في ذاكرة العراقيين قبل وبعد عام 2003. لقد وجد المثقفون فضاء فكرياً وأدبياً وفلسفياً في هذا الشارع التاريخي، خصوصاً بعد أعمال الإعمار والتطوير التي قامت بها أمانة بغداد”.
وأوضحت أن عدداً من الشعراء والأدباء بادروا إلى إلقاء أبيات شعرية وكلمات نثرية تعكس مشكلات وهموم البلد، ضمن منظور المجتمع المدني المتعدد في أديانه وطوائفه وأعراقه تحت ظل حب الوطن الواحد.
شارع المتنبي ملتقى للشباب العراقي
وتنقل الربيعي مشاعرها بعد 25 عاماً من الفراق قائلة “وجدت في شارع المتنبي وقهوة الشابندر العريقة ملتقى للشباب العراقي الحالم بمجتمع ذي منظومة أخلاقية متطورة، مستأنساً بالتعددية الفكرية والعدالة الاجتماعية لراسختين في فسيفسائه الجميل”.
وتعتزم الربيعي المغتربة منذ سنين طويلة خارج العراق، ترتيب زيارة قريبة إلى شارع المتنبي ومقترباته، “أنا على يقين أنه سيكون فضاء مهماً لتجمع العائلات البغدادية”.
ولكن الربيعي ترى أن المشروع يحتاج إلى تصاميم معمارية وحضرية جديدة لكي تتم توسعة الساحة وإضافة مطاعم ومقاه وفتح ساحات قريبة لركن السيارات وتوفير محطات النقل العام مع مراعاة وتعزيز وسائل الأمن والأمان من قبل المختصين في الأجهزة الداخلية.
وهي تعتقد أنه يمكن وعلى غرار شارع المتنبي، تحويل مناطق بغداد التراثية إلى مواقع مهمة لجذب السياح، بحيث توفر فرص عمل كبيرة وأماكن لعقد الندوات الأدبية بإلإضافة إلى الترفيه والتسوق، إذا أخضعت لعمليات تأهيل مماثلة لما حصل في شارع المتنبي. هذا وقد أصبحت الصور ومقاطع الفيديو التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حول الحياة الليلية في شارع المتنبي حديث أشخاص كثر، “أعتقد أن التأثير الجميل لشارع المتنبي لا ينحصر بالعراقيين، بل يشمل المواطنين العرب أيضاً”.
مكانة ثقافية وسياحية
في المقابل يكشف الباحث العراقي صالح لفتة عن أن شارع المتنبي لم يفقد مكانته الثقافية وبقي محافظاً على تلك المكانة على رغم وجود كثير من المكتبات في مناطق مختلفة من بغداد خصوصاً والعراق عموماً، والتراجع الكبير للكتاب الورقي أمام الكتاب الإلكتروني والمواسم التي تشهدها حركة شراء الكتب في السنة أثناء دوام الجامعات أو العطل.
ويرى لفتة أن هذه المكانة الثقافية نمت معها ميزة أخرى لهذا الشارع العريق والمعروف لدى كل مواطن عراقي، وهي المكانة السياحية بعد إجراء صيانة وإعمار لهذا الشارع، ودفع كثير من الزوار من بغداد وجميع المحافظات، وزوار من الخارج وبعض سفراء الدول الأجنبية لزيارته والتجول في مكتباته ومشاهدة بائعي الكتب على الرصيف، والابتعاد عن الأسواق الأخرى الحديثة المكتظة بالسيارات والضوضاء، والبحث عن أماكن هادئة تحمل ميزات تاريخية والتجول فيها بهدوء.
وتابع “لا يوجد خطر على هذا الشارع في تداخل الثقافة مع السياحة، فبعض ما هو معروض من كتب يدفع السياح لاقتنائها لشتى الأسباب، وهذا ينعكس إيجاباً على الحركة الثقافية عموماً”.