حرية – (5/12/2022)
يشهد العراق تصاعدا مستمرا في أعداد الملقى القبض عليهم بتهمة تعاطي أو ترويج المواد المخدرة خلال السنوات الثلاث السابقة، وفي ما تؤكد الأجهزة الأمنية المعنية بالأمر، على ضرورة تعاون الجميع للتخلص من المخدرات، يحدد مختصون أسباب انتشارها، داعين إلى إنشاء مصحّات متخصصة للتعامل مع هذا الملف الخطير على المجتمع.
وأمسى العراق في السنوات الأخيرة، من البلدان التي تنتشر فيها المخدّرات وخاصة في مدن جنوبي البلاد، ومنها مدينة البصرة، بسبب قربها من دول الجوار التي تنتشر فيها زراعة وتجارة المواد المخدرة بكثرة.
وتنفذ القوات العراقية حملات يومية ضدّ شبكات تجّار المخدّرات في البلاد، أدّت إلى اعتقال الآلاف من التجّار والمتعاطين، كذلك ساهمت في محاصرة شبكات استيراد المخدّرات بصورة كبيرة.
استهداف كبار التجار
يقول مدير إعلام المديرية العامة لمكافحة المخدرات، العقيد بلال صبحي، في حديثه، إن “المديرية تبذل جهودا كبيرة لمحاربة جرائم المخدرات رغم قلّة الإمكانيات، وقدّمت العديد من الشهداء والجرحى في سبيل محاربتها، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية كافة، حيث تعمل على استهداف كبار تجار المخدرات بناء على التوجيهات الأخيرة لوزير الداخلية عبد الأمير الشمري”.
وكان وزير الداخلية قد أقال، الخميس الماضي، مدير مكافحة المخدرات في محافظة البصرة، مبيناً أن القرار جاء “لتقصيره في أداء الواجب والمهام الموكلة إليه”، بحسب بيان للوزير، وأكد الوزير في بيان آخر، أن “المخدرات لا تقل خطورة عن الإرهاب ويجب محاربتها بقوة”.
ويكشف صبحي، أن “أعداد الملقى القبض عليهم بتهمة المخدرات في ارتفاع مستمر مقارنة بالأعوام السابقة، ففي عام 2020 بلغ عدد المقبوض عليهم 7500 متهم، وفي 2021 بلغ 12 ألفاً و800 متهم، وفي 2022 للأشهر العشر الماضية بلغ 13 ألفاً و700 متهم”.
ويُبيّن أن “المواطن كان له دور كبير في عمليات التخلص من هذه العصابات الإجرامية، عن طريق التبليغ من خلال الاتصال بالخط الساخن المجاني للمديرية العامة لمكافحة المخدرات المرقم 178 لمحافظات العراق كافة”.
ويُعرب صبحي عن أمله بأن “يتعاون الجميع في محاربة هذه الجريمة إلى جانب وزارة الداخلية وتثقيف المجتمع للحد منها، بداية من الأسرة والمدرسة وصولا إلى الجامعة، وكذلك الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، فضلا عن العشائر”.
وكان وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري، قد عقد مؤتمرا موسّعا بحضور شيوخ العشائر، الأسبوع الماضي، شدّد فيه على أنّ “العشائر العراقية الأصيلة هي التي حفظت السلم الأهلي وهي صمام الأمان في الحياة العراقية”، داعياً إياها إلى “المساعدة في محاربة الظواهر الدخيلة على المجتمع العراقي، من بينها المخدّرات”.
تفاوت نسب المتعاطين
يقول العضو السابق في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، علي البياتي، إن “أرقام متعاطي المخدرات تتفاوت ما بين مؤسسات الدولة نفسها، إذ تقول وزارة الداخلية إن نصف الشباب يتعاطون المواد المخدرة، في المقابل تقول وزارة التربية إن عدد المتعاطين من الطلاب أقل من 10%”.
ويضيف البياتي ، “لو اعتمدنا أقل هذه الأرقام -وهو تصريح وزارة التربية- إن هناك نحو مليون متعاطي للمخدرات في العراق، فهذا أيضا عدد كبير والتعامل معه ليس بالأمر السهل”.
ويتابع “ونتيجة لذلك، تحتاج البلاد إلى إنشاء العشرات من المصحّات المتخصصة التي فيها بنى تحتية حقيقية وكوادر وإمكانيات للتعامل مع هذا الملف، علما أن العراق فيه نقص كبير في الكوادر المختصة في هذا المجال سواء على مستوى الأطباء أو الكوادر الوسطية بالإضافة إلى البنى التحتية”.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الصحة العراقية معالجة 4500 مدمن ومتعاطي مخدّرات منذ بداية عام 2022. وقال مستشار الصحة النفسية في الوزارة عماد عبد الرزاق، في بيان الأربعاء الماضي، إنّ “أكثر المتعاطين هم بأعمار تتراوح من 15 إلى 30 سنة”.
ولفت عبد الرزاق إلى توفّر “مؤسسات ومراكز للعلاج من الإدمان في كلّ المحافظات”، موضحاً أنّ الوزارة تخطّط لإنشاء المزيد منها.
أسباب الإدمان
تعزو الدكتورة جيهان حسين، أسباب الإدمان إلى “عدم المعرفة بمخاطر استعمال المواد المخدرة، وضعف الواعز الديني، وعدم تنشئة الفرد تنشئة اجتماعية سليمة، فضلا عن التفكك والمشاكل الأسرية”.
وتضيف حسين، في حديث له، أسباب أخرى للإدمان من بينها “الفقر والجهل، والثراء وتبذير الأموال على الإدمان وشراء المواد المخدرة، بالإضافة إلى مصاحبة أصدقاء السوء والتأثر بهم، ووجود مشاكل نفسية، والنظر الى الإدمان كوسيلة علاجية للهروب من الواقع”.
مقترح لفحص العراقيين
وكان عضو مجلس النواب العراقي، عدنان الجحيشي، اقترح تعديل قانون المخدرات وتضمينه فقرة إجراء فحص دوري للعراقيين لكشف المتعاطين منهم، معلنا جمع تواقيع نيابية بهذا الخصوص.
وأوضح الجحيشي في مؤتمر صحفي عقده بمبنى البرلمان الشهر الماضي، أن “التعديل يتضمن فحص الموظفين في القطاع العام والخاص والدرجات الوظيفية العامة والخاصة والطلبة المتقدمين للتعيين من منتسبي وزارتي الداخلية والدفاع وللفئات كافة ودون استثناء من قبل اللجان الطبية المختصة وبشكل دوري كل سنة ومنحهم بطاقة فحص تعتبر جزء من المستمسكات الرسمية”.
قانون المخدرات
تنص المادة 28 من قانون المخدرات العراقي والمؤثرات العقلية على “عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار، ولا تزيد على ثلاثين مليون دينار لكل من أدار أو أعد أو هيأ مكانا لتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، ومن أغوى حدثاً وشجع زوجه أو أحد أقربائه حتى الدرجة الرابعة على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية، وللمحكمة بدلاً من أن تفرض العقوبة لها الحق بأن تلزم من تعاطى المواد المخدرة بمراجعة عيادة نفسية تنشأ لهذا الغرض لمساعدته على التخلص من عادة تعاطي المخدرات”.
وكان العراق يفرض عقوبة الإعدام على متعاطي المخدرات وتجارها، لكنه سن قانوناً جديداً عام 2017 يمكن بمقتضاه علاج المتعاطين في مراكز التأهيل أو الحكم بسجنهم فترة تصل إلى 3 سنوات.
يشار إلى أن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، كان قد أوضح في تقرير أصدره العام الماضي أن مخدر الكريستال يعتبر الآن المخدر الأخطر والأكثر انتشارا في العراق، محذرا من أن هذا النوع أصبح يصنع سرا داخل العراق، بعد أن كان يهرب سابقا من إيران.