حرية – (8/12/2022)
بشكل واسع تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الأخيرة صورة تظهر ضباطًا في الجيش العراقي يؤدّون التحية لرئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني.
العديد من العراقيين أدانوا هذه الصورة معتبرين أنها تشير إلى استبدال نظام الحكم الحالي في بلاد الرافدين بنظام ولاية الفقيه الذي يسمح للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي بأن يكون الحكم النهائي في جميع القرارات.
وقوبلت هذه الصورة بردّات فعل غاضبة وتعليقات ساخرة من العراقيين، ودان كثيرون ما وصفوه بالمحاولات الرامية إلى “الترويج لمبادرة النظام الإيراني” من قبل “الجيش الإلكتروني التابع للميليشيات المدعومة من إيران”.
“الولاء والطاعة”
وتعليقًا على الصورة، قال المحلل السياسي العراقي، علي السامرائي، إنّ الوجهة الحالية لأغلب مؤسسات الدولة والعاملين الحكوميين تعود بطريقة أو بأخرى لأحزاب وكتل وتيارات سياسية، أمّنت لهم وظائف ومسؤوليات ضمن مناطقهم ومدنهم، وللمحافظات الجنوبية الحظ الأوفر بذلك، وقد يتم التعبير عنها بإظهار الولاء والطاعة للجهات مدار البحث، ولا يعني بالضرورة أن الجميع يدين بالطاعة والولاء لدول مجاورة أو أحزاب ومليشيات مدعومة من تلك الدول.
ويضيف في اتصال مع “جسور”: “ربما كان أداء التحية للسوداني باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، وهو ابن محافظة ميسان/العمارة، وينتمي لعشيرة لها وزنها وثقلها في جنوب العراق”.
ويبقى الأهم وفق السامرائي، إعادة النظر بطريقة نمط العلاقة بين المؤسسات المهنية والأخرى في سياقها السياسي، وتكون الوجهة الوطنية والمهنية هي الإطار العام لانضباط والتزام موظفي القطاع العام، وتقويم سلوكهم.
رفض التدخلات
مصدر متابع للعلاقات العراقيّة الإيرانية فضّل عدم الكشف عن اسمه، قال إن “العراق لن يسمح بكل تأكيد بأن تكون أراضيه معسكرًا يهدد دول الجوار، سواء إيران أو تركيا أو أي بلد آخر، لكن بشرط أن تقوم هذه الدول باحترام سيادة العراق. بالتالي فإن رفضه للتدخل العسكري التركي ينسحب على رفض العراق لأي خطط إيرانية للتغول في شمال العراق ومحاربة الجماعات المعارضة للسلطات الإيرانية”.
وأضاف: “على الرغم من أن رئيس الحكومة العراقية نقل وجهة النظر هذه إلى المسؤولين الإيرانيين، وأكد أنهم احترموا ذلك، بشرط أن يتعهد العراق بحل الإشكال الأمني الخطير الذي يواجه إيران بسبب هذه الجماعات المنتشرة على الأكثر في أربيل، إلا إنه لم يصدر عن اللقاء أي ضمانات تتعلق بوقف القصف الصاروخي ضد جيوب المعارضة الإيرانية داخل العراق”.
وقال المصدر إن “الإيرانيين كانوا واضحين لجهة الإصرار على استهداف أي موقع تتوفر عنه معلومات بأنه يشكل تهديدًا ضد أمنها، وخلال ذلك ينتظرون ما ستسفر عنه الإجراءات العراقية”.
وتحدث المصدر عن “اتهامات إيرانية لأطراف داخل إقليم كردستان بأنها توفر دعمًا غير مباشر لتلك الجماعات، من باب التعاطف القومي الكردي”.
وأضاف: “النظام الإيراني سيحاول البقاء في العراق، بطريقة أو بأخرى، وعبر ذرائع شتى، ولكنه لن يستطيع، فحتى شعوب إيران، التي تعاني من العقوبات الدولية والفقر والقمع والتعسف والتخلف وتزوير إرادتها عبر انتخابات هزلية، لم تعد تتقبل هذا التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتطالب بأن تهتم حكومة إيران بالشؤون الداخلية، بدلا من تبديد الثروة على التسلح والقتال في دول أخرى”.
محاولة الهيمنة
وفي العصر الحديث، حاول الإيرانيون جاهدين أن يهيمنوا على العراق، وتحديدًا في زمن الشاه محمد رضا بهلوي، لكن أقصى ما تمكنوا من تحقيقه هو السيطرة على شط العرب العراقي، عبر اتفاقية الجزائر، التي أصبحت مشكلة مستمرة للعراق، لأنها أعاقت استخدام العراق للقناة الملاحية عندما أصبح نصفها إيرانيا بموجب الاتفاقية، وسمحت بتمدد إيران البطيء نحو البصرة، لأن المياه المنحدرة إلى الخليج العربي تجرف ضفة النهر في الجانب العراقي، فتجعل الحدود الإيرانية تتمدد نحو العراق.
تلك الاتفاقية المجحفة التي وقعها صدام حسين وشاه إيران، تتمسّك بها إيران رغم أنها تخنق العراق وتتمدد في أراضيه وتحرمه من استخدام قناة شط العرب الملاحية. إضافة إلى ذلك، أقدمت إيران في السنوات الأخيرة على حرف مسار نهر الكارون الذي ينتهي في شط العرب، ونهر الكرخة الذي يصب في أهوار العراق، ولم يعد يصل العراق منهما أي كمية من المياه، ما تسبب في تزايد الملوحة في جنوبي العراق.
وقد تأجّج طموح إيران بالسيطرة على العراق وبلدان أخرى بعد (الثورة الإسلامية) وأخذت تؤسس جماعات مسلحة موالية لها، تغذيها بالشرعية الدينية والمظلومية الطائفية، وتدفعها إلى العراق لممارسة (السياسة) المعزّزة بالسلاح، لكن إيران لم تنجح في مسعاها إلا بعد أن أسقط الأميركيون النظام السابق وحلوا الجيش العراقي والأجهزة الأمنية المتعددة، بما فيها حزب البعث الذي كان في الحقيقة جهازا أمنيا، أكثر منه حزبًا سياسيًا، ما مكَّن هذه الجماعات من العودة إلى العراق وملء الفراغ.
فشل المشروع الإيراني!
المشروع الإيراني في العراق ولد ميتا، وهو الآن يتراجع بخطى سريعة لأنه مصمم في الأصل لأجل الإضرار بالعراق وتسخير هذه الدولة التاريخية، التي نشأت فيها أولى الحضارات، وسُنّت فيها أولى القوانين واختُرعت فيها أولى العلوم، لصالح إيران.
العراقيون، وإن تمتعوا بصفات الكرم ومساعدة الآخر وحسن الظن به، لكنهم يعلمون أن إيران، في ظل كل الأنظمة التي حكمتها، لم تسعَ لخير العراق، بل العكس حصل في كل الأزمان. العراق دولة راسخة تاريخيًا، وشعبه يحمل هوية رافدينية يعززها الانتماء لأولى الحضارات في التأريخ، ونذكّر الإيرانيين بأن إيران كلها كانت تحكم من بغداد لمئات السنين.
العراقيون الآن نهضوا من كبوتهم ولن يقبلوا بأقل من دولة عصرية مستقلة قوية تحترم الإنسان وتساوي بين سكانها ومواطنيها، وتخلو من المليشيات والتدخلات الأجنبية. لقد قدموا مئات الشهداء حتى الآن، ومازالوا يقدمون، فلا حياة كريمة يمكن أن تقوم في العراق إن بقيَ ذيول إيران يتحكمون بالدولة والمجتمع. لقد ثار شباب العراق ضد مليشيات إيران الإجرامية، وواجهوا الموت بصدورهم العارية ولم يخشوا أحدًا، وأول من ثار هم أبناء المدن الشيعية لأنهم أدركوا أن إيران تستهدفهم وتريد استعبادهم والاستيلاء على بلدهم باسم المذهب، الذي لم يكن مهددًا يومًا من الأيام.
المشروع الإيراني فشل في العراق، والشّعب العراقي رافض له ويزداد رفضًا كل يوم، والنظام الإيراني أول من يدرك هذه الحقيقة، لذلك أصيب بالهلع وأخذ مسؤولوه يخاطبون العراقيين باللغة العربية ويستجدون عطفهم باللجوء إلى الدين والمذهب، ولكن هيهات، فالذي قتل العراقيين وأذلهم ونهب أموالهم وغيب شبابهم لا يمكن التصالح معه ولا حل إلا بخروج آخر ذيل إيراني من العراق.