حرية – (10/12/2022)
شربل صفير
وكالات
صحيح أنّ “القمة العربية _ الصينية” للتعاون والتنمية في الرياض تأتي في وقت يشهد فيه العالم تحوّلات وصراعات سياسية واقتصادية كبيرة، وتأتي تزامنًا مع عبور العراق مرحلة سياسية صعبة، إلا أنّ استقبال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في مطار الملك خالد الدولي في العاصمة السعودية الرياض، أثار خشية الشارع العراقي، من إمكانية تدهور علاقات بغداد مع محيطها الإقليمي والدولي، عطفًا على تجربة الحكومة ما قبل السابقة التي قادها عادل عبد المهدي، المنتمي إلى “الإطار التنسيقي”.
لا شكّ أن العراق بحاجة في الوقت الحالي للنهوض بواقعه الاقتصادي عبر تعزيز موقعه العالمي، وزيادة نموه الاقتصادي، من خلال التقارب مع بكين، والسّعي للاستفادة من التكنولوجيا الصينيّة وتوسيع العلاقات التجارية مع صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لكن وكما يبدو وفق ما أكدّ المحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم لـ “جسور”، فاستقبال السوداني الفاتر في الرياض هو رسالة واضحة إلى العراق الذي يعاني من مخاض عسير لاتباع نهج التوازن في علاقاته بعيدا من سياسة المحاور، كاشفًا عن تغييرات جذّرية ستشهدها الحكومة العراقية خلال الأيام المقبلة، إذ يجري الحديث وفق الحكيم عن سحب الثقة من السوداني كونه مكبّل داخليًا وخارجيًا، كما أنّ أغلب الوزراء عبّروا عن استيائهم من إدارته لهذه المرحلة، من هنا ستكون الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت.
خلافات عقيمة
وتابع الحكيم، أنّ أداء الكاظمي خارجيًا كان ناجحًا، كونه أعاد برمجة العلاقات السياسية العراقية إقليميًا ودوليًا، كما نجح في تحقيق العديد من الإنجازات، منها إدارة ملف الانتخابات، مضيفا، أنّ سياسة المحاور إن كانت إقليمية أو حتى دولية، ستدمّر العراق الذي عانى ما عانه منذ العام 2003 ولغاية يومنا هذا.
وفيما رأى أنه إذا تغيّرت السياسة الدولية تجاه استقرار العراق وإعادة بنائه، رجّح أن أغلب ساسة البلاد ستتم محاسبتهم، خصوصًا من يتبع منهم لأجندات خارجية.
وأضاف الحكيم: “لا أستبشر خيرًا بهذه الحكومة، كون السوداني حتى اليوم لم ينجح بإدارة الكثير من الملفات، وهناك خلافات قويّة وجذرّية بدأت تظهر داخل الإطار التنسيقي وداخل “ائتلاف إدارة الدولة” وتحديدا خلافات بين السوداني ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حول إدارة الحكومة خلال الـ 40 يومًا.
أنجح حكومات العراق
ولا يخفى على أحد أنّ الحكومة العراقية السابقة بقيادة مصطفى الكاظمي، كانت أنجح حكومات العراق ما بعد 2003 على مستوى العلاقات الخارجية، رغم قصر عمرها، إذ كانت انتقالية لمدة عامين ونصف فقط، مهمتها الأساسية إجراء انتخابات مبكرة، ونجحت في ذلك.
وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، كان الجميع يرغب بالتجديد لمصطفى الكاظمي بولاية ثانية على رأس الحكومة العراقية، نظرًا للطفرة التي أحدثها في علاقات بغداد الخارجية بشكل إيجابي كبير، ودفعت باتجاه ذلك الرياض وباريس وواشنطن و”يونامي”.
وفي هذا الإطار، يؤكد المحلل والباحث السياسي العراقي، علي السامرائي، في تصريح لـ “جسور”، أنّ سياسة الكاظمي أولت اهتمامًا كبيرًا وواسعًا للانفتاح مع الغرب من جهة ومع الدول العربية على حساب العلاقة مع إيران، وحضور العراق ممثلا بالكاظمي شخصيًا لأغلب المناسبات والمؤتمرات العربية وإعادة العمل بالإتفاقيات” النفطية” مع الأردنّ وبدرجة أخفّ مع مصر، كانت بوادر انضمام تام مع العمق العربي، وهو ما أتاح له وفق السامرائي، ليبرهن أنّ العراق العربي سيحظى بمزيد من الدعم والاهتمام والتقدّم، وهو ما أوعز للكاظمي بتأسيس طيف سياسي سيظهر في الانتخابات المقبلة، وسيكون رأس الرمح بمواجهة الطيف الآخر الموالي لإيران، وهو ربما الأهم لاسيما إذا تمّت مقارنته بمستوى النتائج الإيجابية في الجانب الاقتصادي والدولي، بمعنى أن الوقت كان قصيرًا لظهور نتائج سياسة الإنفتاح على الغرب والمحيط العربي، وسيكتمل عندما نرى طيف الكاظمي يظهر ككتلة برلمانية أو محليّة مقبلة.
وأكدّ السامرائي أنّ العلاقة الثنائية بين العراق والسعودية شهدت أوج ازدهارها في عهد حكومة مصطفى الكاظمي الأخيرة، آملا أنّ يستثمر العراق في عهد السوداني مشاركته في هذه القمة لتنمية العلاقات الثنائية والمشتركة مع قادة الدول الصديقة والمشاركة فيها لدعم الاقتصاد والتنمية والمشاركة في مواجهة التحديات التي تواجه العراق والمنطقة والعالم.
مشاركة بروتوكولية!
في الجانب الآخر، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، في اتصال مع “جسور” أن مشاركة العراق في القمة “القمة العربية _ الصينية” للتعاون والتنمية ستكون بروتوكولية ولن تسفر عن أي اتفاقات، عازيًا ذلك إلى حاجة بغداد لمفاوض حقيقي لديه القدرة والمعرفة بالاقتصاد الدولي والمصالح الدولية، وتقريب وجهات النظر لخلق حالة من التوازن مع الاقتصادات المنافسة.
واستبعد حنتوش تمكّن العراق من المضي قدمًا بعلاقته مع الصين، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة سترفض منافسًا اقتصاديًا لها في منطقة نفوذها بالشرق الأوسط، معتبرًا أنّ مشاركة العراق في القمة لن تكون سوى بروتوكولية ولن تفضي إلى شيء عملي.
ويقول متابعون أنه في كل مرة يحاول فيها العراق إبرام أية تفاهمات اقتصادية أو استثمارية مع دول غير إيران خلال السنوات الماضية كانت الأحزاب والجماعات الموالية لطهران تواجهها باتهامات تؤدي في النهاية إلى عرقلتها.
نفوذ طهران
وبعد فترة قصيرة من تسلّمها مقاليد السلطة، تثير حكومة “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران بقيادة السوداني عددًا من علامات الاستفهام، ففي حين يعتقد متابعون أنها ستمثل منصة لبدء ربيع جديد للفصائل المسلحة بشكل أكبر من نفوذها في العراق، يرى آخرون أن تلك الجماعات تسيطر منذ سنوات طويلة على غالب مفاصل النظام في البلاد.
وبدأ نفوذ الميليشيات الموالية لإيران في التنامي بشكل أكثر صراحة وقوة بعد إنشاء ما يطلق عليه بـ”قوات الحشد الشعبي” عام 2014 لمواجهة تنظيم “داعش”، لكن نفوذ تلك الفصائل توسّع بشكل كبير وأدى في النهاية إلى سيطرتهم على مساحات كبيرة في الجغرافيا السنيّة في البلاد، وتكوين جهاز أمني مواز لسلطة الدولة مثل الواجهة الرئيسة لتوسيع نفوذ طهران في البلاد بشكل عام.
إضافة إلى سيطرة “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران على نحو نصف التشكيلة الحكومية، تشير سلسلة التغييرات التي أجراها مكتب السوداني إلى توجه واضح لتمكين الأذرع المسلحة بشكل متصاعد.
وكان السوداني عيّن في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي الصحافي ربيع نادر، مديرًا لمكتبه الإعلامي، وهو ما وصفه تقرير صادر عن معهد واشنطن للدراسات بأنه “قد يعرض مكتب رئيس الوزراء لخطر العقوبات المحتملة”.
وأشار التقرير إلى أن “لدى ربيع نادر تاريخ طويل في العمل مع (كتائب حزب الله) و(عصائب أهل الحق) اللتين صنّفتهما الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب”.
وتابع التقرير أن “نادر يرتبط بميليشيات شيعيّة عدة مدعومة من إيران، وعمل في وسائل إعلام مختلفة تابعة للميليشيات، أبرزها (قناة الاتجاه) التابعة لجماعة (كتائب حزب الله)، و(قناة العهد) التي تديرها (عصائب أهل الحق)”.