حرية – (13/12/2022)
في الوقت الذي تم فيه تهميش السد الذي كان قد بني من أجل السيطرة على الفيضانات المستمرة، التي كانت تضرب جونستاون الأمريكية، لم يمكن يعلم أحد أن هذا الأمر سيتسبب في واحدة من بين أكثر الفيضانات تدميراً في المدينة.
إذ محا الفيضان الذي ضرب مدينة جونستاون سنة 1889، ما يقارب 10% من سكانها، الذين لم يتمكنوا من إنقاذ أنفسهم، بعدما غطت المياه جزءاً كبيراً من المدينة، ليكون بذلك واحداً من من أقوى الفيضانات التي شهدتها أمريكا.
بناء سد من أجل الحد من كوارث الفيضانات في مدينة جونستاون
عرفت مدينة جونستاون التي تقع في ولاية بنسلفانيا، والتي تنتمي إلى المدن والبلدات الواقعة في المنطقة المعروفة بـ”حزام الصدأ”، ازدهاراً كبيراً في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، بعدما أصبحت صناعة الصلب في أوجها.
لكن هذه المدينة، كانت قد بنيت فوق سهلٍ يقع بين نهري ليتل كونيمو وستوني كريك، ما جعلها عرضة للفيضانات بشكل مستمر، الأمر الذي دفع المسؤولين في منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، إلى بناء سد على نهر ليتل كونيمو عند المنبع، على بعد حوالي 22.5 كيلومتر من المدينة، للمساعدة في الحد من الكوارث، إذ كان هو أكبر سد قد بني حينها في الولايات المتحدة الأمريكية، وصل طوله إلى حوالي 22 متراً، وامتداده إلى حوالي 274 متراً.
لكن هذا السد لم يعش طويلاً، بعد تهميشه، وعدم صيانته لعدة سنوات، لينهار بعد 50 سنة من إنشائه، وتشهد مدينة جونستاون واحداً من الفيضانات الأشد تدميراً في تاريخ الولايات المتحدة.
تهميش السد تسبب في كارثة
في سنة 1889، كانت مدينة جونستاون موطناً للعديد من عمال الصلب، الذين وصل عددهم إلى 30 ألف شخص، فكان السكان معتادين على الفيضانات المتكررة بسبب هطول الأمطار الغزيرة، أو ذوبان الثلوج الموجودة في الجبال التي تحيط بها، لكن استعداداتهم ضد الفيضانات لم تكن بحجم ذلك المدمر الذي ينتظرهم خلال السنة نفسها.
إذ إن الجسر الذي كان يستخدم في أربعينيات القرن 19، من أجل نقل البضائع قبل الثورة الصناعية، تم تهميشه، وعدم صيانته، مباشرة بعد بداية انتشار السكك الحديدية في الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبحت الوسيلة الأسهل المعتمدة لنقل البضائع.
وبعد ذلك، وتحديداً سنة 1879، تم شراء السد وبحيرة كونمو من طرف نادٍ خاص برجال الأعمال، وأثرياء أمريكا، من بينهم أندرو كارنيغي وهنري كلاي فريك، للإبحار وصيد الأسماك الموجودة في البحيرة والاسترخاء.
ورغم حصوله على الكثير من الأموال، فشل مسؤولو النادي في صيانة السد بطريقة جيدة، فيما عملوا على تغيير شكله، من خلال خفض ارتفاع السد من أجل توسيع المدى أعلاه، ووضعوا حواجز عند قنوات تصريف المياه لمنع الأسماك من الخروج من البحيرة، حسب ما أشارت له إدارة المتنزهات الوطنية الأمريكية.
الفيضان يجتاح مدينة جونستاون
في 31 مايو/أيار عام 1889، لاحظ أحد المهندسين الذين مروا بالقرب من السد، أن قنوات تصريف المياه صارت مسدودة بفعل الطمي المحشور فيها، وذلك بعد هطول أمطار غزيرة، خلال تلك الفترة.
ومباشرة بعد ملاحظة الانسداد، واستشعار كارثة متوقعة، توجه المهندس إلى مدينة ساوث فورك، التي تعتبر قريبة كذلك من مكان وجود السد، ليحذر سكانها، كما أنه حاول تحذير سكان مدينة جونستاون عبر التلغراف، لكنه لم يتمكن، بسبب تعطل خطوطها حينها.
وعند الساعة الثالثة عصراً، سمع سكان المدينة دوي انفجار صاخب على بعد عدة كيلومترات، حيث اندفعت كل المياه التي كانت محتجزة في بحيرة كونمو بسرعة تقترب من 65 كيلومتراً في الساعة.
وبعد عدة دقائق من الانفجار، اجتاح الفيضان مدينة جونستاون، بعد أن راكم الأشجار، والمباني، والأشياء الأخرى التي كانت تقف في طريقه، إذ إن إرتفاعه وصل إلى حوالي 12 متراً.
دمار شامل للمدينة ووفاة 10% من السكان
ي اليوم التالي، حسب ما ذكرته صحيفة “The New York Times”، كانت مدينة جونستاون قد “مُحيت من الوجود فعلياً” بعد أن غمرتها مياه الفيضان، اجتاحت 20 مليون طن من المياه جميع الأرجاء، إذ صار سكانها في حالة فوضى هائلة بعد هذه الكارثة.
إذ إنه تمكن أحد مشغلي خطوط التلغراف من إبلاغ الصحفيين بأنه أحصى مرور 63 جثة طافية من أمام مكتبه في غضون 20 دقيقة فقط، ليتم بعد ذلك الكشف عن حجم الدمار الذي خلَّفته الكارثة.
إذ إن البيانات الموجودة لدى جمعية تراث منطقة جونستاون تفيد بأن 2209 أشخاص قد ماتوا بسبب الفيضان، فيما ظلت هوية 750 شخصاً منهم مجهولة.
كما أن 99 عائلة محيت من الوجود بشكل كامل، من بينها 396 طفلاً، فيما حملت المياه بعض الجثث حتى مدينة سينسيناتي في ولاية أوهايو المجاورة التي تبعد حوالي 483 كيلومتراً. ولم يُعثر على آخر جثة من ضحايا الفيضان حتى سنة 1911.
وشمل الدمار الذي خلفه الفيضان اختفاء أربعة أميال مربعة من مساحة مدينة جونستاون، ودمر 1600 منزل، وتسبب في خسائر قُدرت بـ17 مليون دولار، كما أنه محا ما يقرب من 10% من الطفرة السكانية التي كانت مشهودة في المنطقة.
إذ إن الحطام الذي تكون عند نهاية مسار الفيضان عند جسر ستون، الخاص بشركة سكك حديد مدينة بنسلفانيا. تسبب في اندلاع النيران، ما أدى إلى مقتل الناجين الذين كانت قد جرفتهم المياه إلى هناك.
عمليات إغاثة وجمع التبرعات لإعادة إعمار المدينة
بعد خمسة أيام من الكارثة، وصل فريق الصليب الأحمر الأمريكي للشروع في أول عمليات الإغاثة من الكارثة التي ضربت المدينة.
فيما تم جمع ما يقارب 4 ملايين دولار للمساعدة في إعادة إعمار جونستاون، واستغرقت إعادة بناء المجتمع خمس سنوات، ولكن للأسف أثبتت الطبيعة أنها قوة لا يمكن الوقوف أمامها.
إذ واجهت المدينة فيضاناً هائلاً وكارثياً آخر في عام 1936، ثم واجهت فيضاناً آخر في عام 1977.
لكن ظل فيضان جونستاون أسوأ حدث تسبب في أكبر عدد من الضحايا في صفوف المدنيين في يوم واحد، حتى وقوع إعصار جالفستون سنة 1900.