حرية – (14/1/2023)
من السهل الاستهزاء بـ الإظهار أو اعتقاد أن إرادتك الإيجابية ستمكنك من تحقيق مرادك، لكن عندما تأخذه على محمل الجد وتمارسه بصورة صحيحة قد يغير حياتك
هل انتهيت بعد من كتابة رؤيتك على لوحك الخاص؟ هل تلوت ترنيماتك اليومية؟ وكتبت في دفتر يومياتك الأشياء التي تشعرك بالامتنان؟ إذا كانت الإجابة على هذه الأسئلة هي “لا” أو “هل هذه مزحة؟”، حسناً، ربما ستكون في عداد من يضيعون فرصة ثمينة. نظراً لأن هذه ليست سوى بعض مبادئ الإظهار manifesting – وبقدر ما تبدو مثيرة للريبة، فإن ممارستها يمكن أن تغير حياتك.
قد يكون المنغمسون في عالم الإنترنت بشدة بينكم على دراية بالمصطلح المتمتع بروح العصر، والذي يعني تحقيق الأفكار الطموحة عن طريق الإرادة، إذ إنه يسيطر على “تيك توك” و”إنستغرام” منذ السنة الماضية. ابحث عن مصطلح “الإظهار” على أي منصة اجتماعية وستنهمر عليك الاقتباسات والأمثلة. يحتمل أن تجد مقطع فيديو غريباً لشخص يمارس اليوغا على الشاطئ وترافقه موسيقى خافتة في الخلفية بينما يخبرك عن كل الأشياء التي يحبها في نفسه. كما أن غوينيث بالترو دافعت عن النهج على موقعها، “غوب” Goop. أما أوبرا وينفري فقد عزت الفضل في حياتها المهنية بالكامل إليه وتقسم الشخصيات المؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه قادر على جعلك ثرياً.
لكن الكثير من هذا مضلل. نظراً لأنه من السهل تبسيط الإظهار في بضع كلمات تنتشر على نطاق واسع مثل: عِش، ابتسم وأحِب، فإن دلالات الممارسة نفسها تتجاوز ذلك بكثير. ولا، ليس بإمكانك ممارسة الإظهار للحصول على بطاقة يانصيب رابحة أو علامات ممتازة في امتحاناتك الدراسية. أولئك الذين يقولون إن هذا ممكن، لا يعرفون أي شيء عن الإظهار ببساطة.
تعود أصول الإظهار، الذي نشأ عن قانون مبادئ الجذب، أو الفكرة الأساسية القائلة إن الطاقة قادرة على التأثير في مسارات حياتنا، إلى القرن التاسع عشر في أميركا. لكنه أصبح مفهوماً للعافية كما نعرفه اليوم عام 2006 مع نشر كتاب “السر” The Secret لـ روندا بايرن، وهو كتاب للمساعدة الذاتية يزعم أن التفكير الإيجابي قادر على تغيير حياة الشخص. استهزأ به النقاد وقت صدوره، ومع ذلك فقد بيع أكثر من 30 مليون نسخة منه. قد يبدو كل من الإظهار ومبادئ الجذب اللذين يستند إليهما كتاب “السر” علماً زائفاً، لكن عندما تقوم بتحليلهما ستجد أنهما ببساطة يعادلان التفكير الإيجابي والسلبي. يخلق الأول “طاقة عالية” – أو “اهتزازات” ما يعني بالتالي أنك تجذب المزيد من الإيجابية في حياتك. أما الثاني فيخلق “طاقة منخفضة” ويمكن أن يكون له تأثير معاكس. تنسب الكاتبة روكسي نافوسي إحدى رواد الإظهار الفضل إلى هذه الممارسة في مساعدتها على التعافي من إدمان المخدرات وقلب مسار حياتها.
قالت لي: “قبل أربع سنوات، كنت مدمنة عاطلة من العمل، ولا أشعر بقيمة ذاتي وليست لدي علاقة عاطفية ولا هدف”. اليوم، تعتبر نافوسي مؤلفة ذائعة الصيت ومدربة ناجحة في مجال التطوير الذاتي ولديها ابن يبلغ من العمر ثلاث سنوات اسمه وولف. تضيف: “لا يمكن أن تكون حياتي مختلفة أكثر مما هي عليه الآن، وكل ذلك بسبب الإظهار”.
في كتابها الأول، “الإظهار: سبع خطوات لتعيش حياتك بأفضل طريقة” Manifest: 7 Steps to Living Your Best Life، تحدد نافوسي الخطوات السبع للنجاح في ممارسة الإظهار من أجل مستقبلك، وهي: كن واضحاً في رؤيتك، تخلص من الخوف والشك، قم بمواءمة سلوكك، وتغلب على الاختبارات التي تواجهك، واعتنق الامتنان من دون محاذير، وحوّل الحسد إلى إلهام، وثق في الكون.
توضح نافوسي أن “الإظهار هو ممارسة لتطوير الذات، ما يعني أنه طريقة للعيش وليس شيئاً “تفعله”… على سبيل المثال، أنا أتبع الخطوات السبع في حياتي بأكملها. لكن هناك طقوس يمكن أن تدعم عملية الإظهار، وتشمل التأمل وتحديد الأهداف والتأكيدات وأي ممارسات يومية تبني تقدير الذات والتوافق”. كما يمكنك القول، فإن الإظهار يتجاوز مجرد كتابة قائمة بالأشياء التي تريدها من الحياة. يوضح كتابا نافوسي (أصدرت أخيراً كتاباً ثانياً بعنوان “الإظهار: تعمق أكثر” Manifest: Dive Deeper) بالتفصيل كيف يجب أن تتخيل ما تريد بأكبر قدر ممكن من التفاصيل. بعد ذلك، بدلاً من مجرد تمني أن ينجح، عليك التفكير في الشعور الذي سيخلقه تحقق الأمر لديك.
وتضيف: “إنه ليس سحراً، أو مجرد تمنٍ… إنني أدحض كل تلك المفاهيم الخاطئة حول الإظهار التي تعطيه سمعة سيئة”. إنها تفهم سبب حدوث ذلك أيضاً، وتقول: “هناك الكثير من المعلومات الخاطئة. إذا لم أفهم الممارسة واكتفيت بالاستماع إلى ما يقوله الناس عن الإظهار على تيك توك، فربما سأصبح متشككة أيضاً”.
أحد المكونات الرئيسة للإظهار – والشيء الذي قد لا يدركه الناس بالضرورة – هو أنه يهدف إلى الاستشفاء. هذا تفصيل تتعمق فيه نافوسي في كتابها الثاني. تشرح قائلة: “حاول ألا تستعجل أو تفرض بالقوة وضع الأشياء في مكانها الصحيح… هذه ممارسة تتعلق بالاستسلام أكثر من أي شيء آخر. إذا حاولت تجاوز عملية الاستشفاء، فلن تنجح”.
يمكن أن يُعزى ظهور الإظهار اليوم بشكل جزئي إلى إحياء الروحانية بين جيل الألفية وجيل العقد الأخير من القرن الماضي والعشرية الأولى من الألفية الحالية. في غياب الممارسات الدينية السائدة، قد تفترض أن الجانب الروحاني لدى الشباب المعاصر ليس كما هو لدى الأجيال الأكبر سناً. لكن البحث يدحض هذه النظرية، ففي عام 2015، وجدت إحدى الدراسات التي أجراها مركز بيو للأبحاث أن جيل الألفية أقل تديناً من الأجيال الأكبر سناً ولكنه يمتلك القدر نفسه من الروحانية.
قال قسم كبير من الذين شملهم الاستطلاع (55 في المئة) إنه لا يمر أسبوع في حياتهم من دون أن يفكروا في معناها وهدفها. وأفاد حوالى ثلاثة أرباع (76 في المئة) من جيل الألفية أنهم يشعرون بإحساس قوي بالامتنان أو الشكر مرة واحدة في الأسبوع على الأقل. بينما قال 51 في المئة إنهم يشعرون بإحساس عميق بالسلام الروحي والسلامة كل أسبوع على الأقل.
لكن هذا لا يبدو جلياً في حالة الإظهار فقط. انظر إلى الهوس الشديد، والمثير للسخرية شيئاً ما، لدى جيل الألفية وأبناء العقد الأخير من القرن الماضي والعشرية الأولى من القرن الحالي مع علم الأبراج. يوجد الآن عدد لا يحصى من التطبيقات المخصصة لهذا الموضوع، التي تربطه بكل جزء من حياتنا: من الحب إلى الوظائف. حتى أن غالبية تطبيقات المواعدة الغرامية تمنح المستخدمين الفرصة لتوضيح علامة البرج الخاصة بهم في ملفهم الشخصي. اسأل شخصاً ما عن برجه، ومن المحتمل أيضاً أن يخبرك عن الكوكب التابع له، نشأته وتفاصيل ولادته الكاملة. وجدت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2019 أن ثلث جيل العقد الأخير من القرن الماضي والعشرية الأولى من القرن الحالي يختارون الشخص الذي سيخرجون معه في موعد غرامي بناء على برجه.
يبدو كل هذا في محله عندما تفكر في ظهور الإظهار المتجذر، مثله مثل علم التنجيم، في السعي وراء نوع من المعنى الأعمق للحياة. يقول تشيس كاسين، المعالج النفسي العيادي والاختصاصي الاجتماعي: “أظهرت الأبحاث أن جيل الألفية أكثر عرضة للإصابة باضطراب القلق العام… يتجذر القلق في الخوف من المواقف غير اليقينية والمستقبل والتغيير، ما يتسبب في امتلاك الشخص منظوراً متشائماً للحياة وجعل التكيف معها صعباً”. بالنسبة للبعض، تقدم الروحانية حلاً يساعد الناس على إيجاد إحساس جديد بالهدف والوجهة.
الحل هو رؤية ما يتجاوز فيديوهات “تيك توك” وإدراك أن الإظهار أكثر من مجرد تمني. يخبرني كاسين أنه يمكن اعتباره أشبه بتمرين علاجي يقوم على كون المرء ساكناً وحاضراً ومركزاً، ثم تصور مستقبله. يقول: “من خلال إلزام أنفسنا بالوصول إلى هذا الهدف الشخصي، فإننا بالفعل نغير طريقة تفكيرنا، ونحدد نيتنا ونوجه أفعالنا بطريقة موجهة نحو الهدف”.
عندما تحلل الأمر، ستجد أن حقيقة الإظهار فعلاً هي: معرفة ما تريد، والالتزام عقلياً بتحقيقه.