حرية – (18/1/2023)
اختير السندباد البحري تميمة بطولة “خليجي 25” لكرة القدم في البصرة جنوب بغداد، وكما كل مرة تجذب الشخصية المختارة الأنظار وتكثر حولها التساؤلات. ومن اللحظة الأولى التي ظهر فيها فيديو السندباد، مع بساطه السحري وصفارته، ترك اختياره انطباعاً غريباً لدى البعض، بينما وصفه البعض الآخر، المطلع على الحكاية الشعبية، بالاختيار الذكي جداً.
فلماذا السندباد تحديداً، وما حكايته؟ وما علاقته وارتباطه بالعراق والدول المشاركة بالبطولة؟ وهل يمكن وصفها بالاختيار الذكي؟
في الأدب
تعد حكاية “السندباد البحري” واحدة من أشهر قصص ألف ليلة وليلة، والحقيقة أن غالب قصص هذا الكتاب قد تعرضت للظلم في الشرق ولم تلق ما تستحقه من اهتمام، إذ يذكر الكاتب والأديب المصري كامل كيلاني، وهو الملقب برائد أدب الطفل في العالم العربي، وكانت قصة “السندباد البحري” أول أعماله الموجهة للأطفال، بأن “ألف ليلة وليلة” من أنفس الذخائر الأدبية، ويذكر أثره الكبير في تنمية خيال الكثير من مفكري الشرق والغرب، إلا أنه وعلى نفاسته لم يلق شيئاً مما هو جدير به من عناية في الشرق، ويرجع ذلك إلى ركاكة الأسلوب في أكثر قصصه وضعف الخيال وعدم تحليته بالصور التي تجلي معانيه وأغراضه.
أما بخصوص السندباد فتصفه قصص الكتاب السبع التي تتحدث عن مغامراته، بالتاجر الطموح المقدام المحب للأسفار، الذي يتمتع بقدر عال من الشجاعة والمغامرة جعلته يخوض غمار البحر زائراً أماكن عدة في رحلاته، لقي فيها الكثير من التهديدات المباشرة على حياته، لكن برفقة الحظ الكبير وحسن التدبير والسعي إلى النجاة دوماً بكل الطرق المتاحة كان ينجح كل مرة في العودة إلى موطنه “البصرة” بالرزق الكثير، ولا تثني عزيمته أي أخطار أو أهوال واجهها في أسفار سابقة عن إعادة الكرة مرة أخرى.
في المسرح والتلفزيون
ويتذكر هذه الشخصية بشكل خاص جيل الثمانينيات والتسعينيات، إذ تحولت قصته عام 1975 إلى مسلسل كرتون ياباني سمي مغامرات سندباد، تمت دبلجته إلى اللغة العربية، لكن قصة المسلسل مختلفة في شخوصها وتفاصيلها عن الكتاب الأول، ولو أنها تشترك في تفاصيل البطل الأساسية مثل كونه بحاراً وتاجراً عربياً وغيرها. ويشارك السندباد بطولة حلقات المسلسل “ياسمينة” التي أهداها له عمه، وهي طائر يحدثه ويرافقه طوال الوقت، وينضم إليه صديقان هما الشاب “علي بابا” والشيخ “العم علاء الدين”. ويخوض مجموعة من المغامرات التي يخرج منها منتصراً بذكائه وشجاعة الشاب وحكمة الشيخ. ويعرض المسلسل كيف يجوب سندباد رحلات برية على الجمل، وأخرى بحرية، ومغامرات الجزر الخطرة في قصة “ألف ليلة وليلة”.
وكذلك عرضت القصة عام 1978 في الكويت على شكل مسرحية كتبها في القرن العشرين المؤلف المصري محفوظ عبدالرحمن، كانت المسرحية الأولى من نوعها في ما يخص المسرحيات المخصصة للطفل في الكويت.
قصة الرحلات السبع
وخاض السندباد في كتاب “ألف ليلة وليلة” تفاصيل سبعة أسفار خطرة، بدأت الأولى منها برحلة تجارية حطت رحالها على جزيرة تبين في ما بعد أنها كانت عبارة عن ظهر حوت نجا منها السندباد بأعجوبة، ثم رحلة وادي الأفاعي والتحليق متمسكاً بقدم طائر الرخ الذي هبط فوق واد مليء بالأفاعي والألماس، ليخرج منه سالماً مع الكثير من الألماس بعد أن ربط نفسه بقطعة لحم كان يرميها التجار في الوادي، لتلتصق بالألماس ويحملها النسور في مخالبها إلى قمم الجبال. والرحلة الثالثة حطت به في بلاد الأقزام والعمالقة حيث أنقذه جسده النحيل من أن يكون وجبة شواء للعملاق كما حدث مع رفاقه الذين التهمهم العملاق واحداً تلو الآخر، ليخرج من هذه المغامرة ويستيقظ على احتمال أن يكون لقمة في فم أفعى ضخمة، وكذلك كما كل مرة نجا في النهاية. ثم في الرحلة الرابعة وجد نفسه بعد تحطم مركبه في جزيرة الغيلان حيث يؤكل البشر وتنتشر الجماجم في كل مكان، وبعد نجاحه في الهرب منها نزل في جزيرة استطاع فيها أن يصنع سروجاً لأحصنة وجهائها، ويجني الكثير من الأموال ثم يتزوج فيها حتى يكتشف شريعة في البلاد تحتم على كل رجل تموت زوجته أن يدفن معها حياً والعكس صحيح. وهذا ما حدث للسندباد فعلاً عندما ماتت زوجته، إذ أنزل معها حيث دفنت في الجب، وعلى رغم ذلك حالفه الحظ مجدداً ليتتبع مساراً في حفرة وينجو بصعوبة بالغة. والرحلة الخامسة كانت في جزيرة الرخ ثم في جزيرة شيخ البحر العجوز ومدينة القرود. أما الرحلة السادسة فكانت في جزيرة الهلاك حيث يهلك كل من يدخل إليها، ولكن السندباد نجا منها أيضاً، وانتقل إلى جزيرة سرنديب حيث نزل في ضيافة ملكها وحمل منه إلى هارون الرشيد كتاباً وهدايا نفيسة. والرحلة السابعة الأخيرة جاءت تنفيذاً لرغبة الخليفة هارون الرشيد، بعد نقضه توبته وقراره القاطع التوقف عن السفر، ليسافر بكتاب وهدية مرة أخرى إلى ملك سرنديب، ويواجه بعد عودته لصوص البحر الذين يأسرونه ثم يبيعونه بيع العبيد إلى تاجر غني يطلب منه صيد الأفيال للحصول على عظامها وعاجها، وبعد خلاصه من الأسر يعود إلى البصرة ويقيم فيها ما تبقى من حياته متمتعاً بثراء كبير، إذ كان في كل رحلة يعود إلى بلاده محملاً بالكثير من الأموال، حتى وصلت ثروته حداً كبيراً.
عصف ذهني ناجح
والآن، الشخصية الأسطورية التي عاشت في بغداد وتحديداً في مدينة البصرة خلال العصر العباسي في عهد هارون الرشيد، ومنها انطلقت إلى الهند والصين وأفريقيا عبر البحر الذي يربط العراق بدول الخليج، تبدو وكأنها نتيجة عملية عصف ذهني ناجحة وذكية بالفعل، في استثمار وتوظيف الأسطورة لدعم الحاضر، نسبة إلى ما تحمله من قواسم مشتركة عدة، مثل هوية الشخصية المختارة التي يمثلها بطل أسطوري من بغداد عاش في البصرة وكانت نقطة مرجعية دائمة له، وهي مكان انعقاد البطولة أيضاً، وخاض انطلاقاً منها غمار البحر المشترك والمطل على الدول السبع الأخرى المشاركة في “خليجي 25″، وأيضاً استثمار الرابط الكبير بين البصرة وموانئها ودول الخليج وموانئها والخليج العربي الذي كان يعبره السندباد في أسفاره.
بالتالي أسهم هذا الاختيار الذكي، إضافة إلى دلالته المشتركة وارتباطه بالدول المشاركة، في إحياء السندباد مجدداً وتنشيط ذاكرة الأجيال السابقة وإخراج قصة السندباد، ومعها كتاب “ألف ليلة وليلة” إلى الواجهة مجدداً لتتعرف إليها الأجيال الجديدة.