حرية – (22/1/2023)
بديع يونس
على غرار بقية الدول، كرّت سبحة الدول الأوروبية التي استدعت سفراء إيران أو القائمين بأعمال البعثات الدبلوماسية لديها، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي وجّهت كل منها رسائل “شديدة اللهجة” إلى نظام طهران إثر القمع الشديد الذي يرتكبه ضد المحتجين السلميين، وبسبب استخدامه سلاح “الإعدام” ضد شعبه (سيما وأن إيران تخطّت الصين ذات 1،4 مليار مواطن بعدد الإعدامات واحتلت الموقع الأول في العداد السنوي بعد أن كانت في المرتبة الثانية بحسب إحصاءات منظمة حقوق الإنسان).
فكلّ من الدول الثلاث يُعتبر موقفها إسفينا يُدق في نعش النظام وعلاقاته الخارجية بـ”حلفاء لدودين” خسر “ليونتهم” التي استغلّتها طهران لسنوات طوال على حساب الشعب وعلى حساب شعوب المنطقة وأبرزها اللبناني والعراقي والسوري واليمني.
لم تتدهور العلاقة مع الدول الأوروبية مع بدء الحرب الروسية – الأوكرانية، فاستمرت أوروبا رغم ذلك بتقديم مشاريع صيغ لاتفاقات نووية من خلال المفوضية الأوروبية وجوزيب بوريل، وزيارات الأخير الى طهران.
إضافة إلى موقف أوروبي “مائع” في الاجتماعات الفصلية لمحافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم صدور مواقف وبيانات صلبة ضد إيران نتيجة تعنتها في عدم الإفصاح عن المواقع السرية النووية الثلاثة التي وجد فيها خبراء الوكالة آثارا لليورانيوم. وتقصّدت أوروبا منع تحويل طهران مجددًا إلى مجلس الأمن وفقا لآلية “الزناد” لإعادة فرض العقوبات المشددة عليها، فاستمرت الدول الاوروبية بـ”محاباة” و”ممالأة” نظام طهران ومحاولة تقريب الفجوات بينه وبين المجتمع الدولي وخصوصًا مع واشنطن.
لكنّ نظام طهران الملتصق بالمرشد علي خامنئي ـ المنفصل عن الواقع ـ والذي ما زال يعتبر أن حدوث الاضطرابات الحالية هو “لأن الشيطان الأميركي الأكبر يغار من انجازات ثورتنا” على حد قوله، ويردّد من ورائه كاظم صديقي إمام صلاة الجمعة في طهران “الجمهورية الإسلامية هي القوة الأولى في العالم اليوم.
والعالم الخارجي ليس على دراية كافية بانجازاتنا المحيرة للعقول”، هذان معا يظهران أن “الغرور” و”الانفصال عن الواقع” أصابا هذا النظام الذي اعتقد أنّ أوروبا تستعطفه لضعفها لا لمرونتها في التعاطي، وعدم رغبتها في إيصال الأمور إلى قمة التأزم، ولأنّ المجتمع الدولي بحاجة ماسة لنظامهم المارق.
وهنا، ارتكب هذا الأخير خطأين استراتيجيين:
أولهما شراكته المباشرة مع روسيا في حربها على أوروبا، وتسيير مسيراته فوق الأراضي الأوروبية، وتهديم بنيتها التحتية وتكليفها المزيد من الدمار والقتال وإيقاع الضحايا من المدنيين، واستعداده لمد موسكو بصواريخ أرض – أرض تضرب أراضي أوروبا وتجتاز الحدود بين الدول الاوروبية.
أما الخطأ الثاني، فكان التعسف في ممارسة العنف غير المبرّر على مواطنيه وصولا إلى تنفيذ أحكام الإعدام بحق المتظاهرين المطالبين بلقمة العيش والديمقراطية وإسقاط نظام الديكتاتور. هذه الأحكام الصورية الصادرة عن محاكم ثورية ودينية استثنائية لا تتيح الدفاع عن النفس ولا تحترم حقوق الإنسان.
إثر هذه التطورات، ومراهنة نظام طهران على أزمات ستعصف “بالقارة العجوز” تقوده لتحسين موقعه التفاوضي لاحقا، تدخّل سرًا إلى جانب روسيا قبل أن تتحول شراكته بالحرب علنية. فباتت المسيّرات الإيرانية سلاحًا أساسيًا في المعركة، قبل أن ينقلب “سحرها” العسكري على “الساحر” الإيراني وتتأثر علاقاته بأوروبا بحيث لم تعد القارة العجوز إزاء طهران هي ذاتها بعد تدخل الإيرانيين في أوكرانيا.
توازيًا، خرجت انتهاكات النظام الإيراني ضد شعبه “إلى العلن” مع أفول الانتفاضة الشعبية لشهرها الرابع. وبات عرّابو الديمقراطيات والحريات في العالم غير قادرين على “تليين” الموقف من نظام طهران أو السماح بتقارب و”محادثات” أمام الرأي العام الأوروبي والعالمي.
فشعار الثورة الفرنسية “حرية وأخوة ومساواة” لا ينطبق أيا منها على ممارسات النظام الإيراني مع شعبه. وبريطانيا دولة الديمقراطية والحريات التي اتهمت لعقود بل لقرون باستقبال الجمعيات والمنظمات المثيرة للجدل تحت شعار “حرية التعبير” حيث صدحت بأفكارها في تجمعات “هايد بارك”، لن يكون باستطاعتها حماية نظام لا يحترم الحق في التجمع والتظاهر والتعبير وإبداء الرأي والدفاع عن النفس.
أما ألمانيا التي لا تزال تعيش عقدة النازية وسمحت لعقود للحرس الثوري وحزب الله وجماعة الإخوان وغيرها بأن تسرح وتمرح على كامل أراضيها تحت مظلة شعاراتها وقيمها الديمقراطية والدستورية السامية، وجدت أمنها القومي بخطر ـ إن بممارسات الحرس والحزب والجماعة أو بنشاطاتهم ـ فحظرتهم وصنّفتهم بعد أن تمادوا في تهديد أمنها القومي وصولا إلى محاولة إيرانيّ تفجير قنبلة بيولوجية سامة تحت ستار محاباته لداعش بينما هو مرتبط بالنظام الإيراني الحامي والداعم للمنظمات الأصولية على مختلف أنواعها.
ثلاث دول أساسية كانت ملعبًا للنشاط الإيراني المشبوه لسنوات طوال، لكنّ النظام الإيراني خسر “ليونتها” مع إعدام شعبه وإطلاق مسيراته على أراضيها. وبهاتين النقطتين فاض الدلو ولطّخ ملالي طهران.
اليوم، يشنّ حزب الله عبر وسائل إعلام مقربة منه هجومه على الوفد الأوروبي ويصفه بـ”الغزوة”. يخاف من أن يتوسّع التحقيق المالي ليطال تفجير المرفأ كما كشف موقع “أساس” قبل أيام. ومردّ هذا الخوف مرتبط بتغيّر الموقف الفرنسي – البريطاني – الألماني من النظام الإيراني وخسارة الأخير ليونة هذه الدول الموصوفة، ومرونة أوروبا عموما.
سيدفع حزب الله في لبنان ثمن مسيرات إيران في أوروبا وكلفة قمع الملالي لشعبهم في إيران، وسيكون الثمن على حزب الله باهظًا في السياسة الدولية. فمن توسّط يومًا (في إشارة للفرنسيين) وساوى السجّان بالمغلول والجلاد بالمقموع لم يعد بإمكانه “تبرير” وساطته ولا تمريرها في بلدان عتيقة بالديمقراطية. حزب الله بات يتلمس ذلك ويعلم تمامًا أنّ رياح التغيير في إيران وإن طالت زمان تحقيقها فهي لن توفّره مستقبلاً.