حرية – (22/1/2023)
أحمد الحمداني
الفرد”الانسان” هو أساسُ كل حضارة بشرية، فهو الأصل الذي تتفرّع منه كل المجالات الأخرى لتنموا وتُزهر، وهو بمثابة قطراتِ الماء التي تبعثُ الروح من جديدٍ في شجرة الحضارة الجدباء بعد أن كادتُ تذبلُ وتموتُ أوراقها من شحّ المياه، وبالتالي فإن أي تطلّع لمستقبل أفضل رهينٌ بمدى جاهزية هذا الإنسان للتحديات والإكراهات التي تصاحب بالضرورة عملية التطور والانبعاث.
إن قيمة الفرد والاستثمار فيه هي السبيل إلى بناء المجتمعات والتقدم الحضاري، إذ أن الحضارات والدول لا تقاس ببنائها وثرواتها، بل باهتمامها ببناء الفرد الذي يشكل الجزء الكبير في مسيرة الحياة، واستمرارية تلك الحضارة المبنية على مدى الاهتمام ببناء ذلك الانسان الذي يساهم في التطوير والتوازن في هذا الكون.
من ينظر إلى التاريخ أيضاً سيعلم مدى أهمية بناء الإنسان في حياة الشعوب التي دُمرت بسبب الحروب وأمثلتها كثيرة، فنرى تلك الدول نهضت وتطورت ليس بثرواتها المادية بل بإعادة بناء ذلك الفرد الذي ساهم في تطوير وطنه، كاليابان والصين وكوريا “إعادة بناء الإنسان” رغم الحطام واستطاع النهوض بها بينما لو عدنا إلى التاريخ القديم وشاهدنا سور الصين العظيم الذي تفوق ببنائه سنراه مبنياً على أساس مادي متين صامد إلى هذا اليوم، لكنه لم يستطيع إيقاف تلك الغزوات التي تكررت لمرات عديدة ليس لعيب في هذا الصرح الشامخ بل كانت الجيوش تدخل من أبواب ذلك السور العظيم عبر حارسه الذي لم يكن مبنياً على أساس واعٍ بأهمية وطنه ومكتسباته.
ويتحقق بناء الفرد في بناء شخصيته وتربيته التربية الصحيحة المبنية على القيم والأخلاق وتزويده بالمعارف والعلوم إذ أن العلم مقرون بالقيم والمسؤولية إذ هو أساس البناء، التعليم والتكليف هما نقطة الانطلاق لذلك.
لذا من الضروري البحث عن مبادئ صناعة ذلك الفرد إذ أن الدولة القوية تُبنى رغم قلة مواردها، لكنها لا تبنى بجهل مجتمع لا طموح له ولا علم ولا معرفة، ومن هنا نرى بأن بناء الفرد لا ينتهي وقته بل مستمر منذ ولادته إلى أن موته، لكونه جزء من هذا الوطن وبعلمه ومعرفته وبناء شخصيته تتحقق المصلحة الوطنية وتصل الدول إلى مراتب عالية في النمو والتطور.
كان لزاماً على الفرد نفسه البحث عن سبل تشقّ طريقَه نحو التقدم والرقي، في أفقِ تأسيس مجتمعٍ منتجٍ محقّق للركائز الأساسية للتطور، وليس التطور مرتبطاً بمجتمعٍ من المجتمعات على وجه التحديد، لكنه قابلٌ للتطبيق على كل المجتمعات الإنسانية التي اعتمدتْ مشروعاً قائماً بذاته يسيرُ بها في مصفّ الدول المتقدمة جنباً إلى جنب، بشرط أن تتوفّر الإرادة الصريحة الجادّة، والنية الصادقة المُنبثقة من وعيٍ كاملٍ بمكامنِ الخلل ومواطنِ الضعف والطموح إلى بلوغ الأهداف المسطّرة مسبقاً.
أعتقد أن بناء الفرد هو من أكبر التحديات التي يُمكن أن تواجه عملية التطوّر، وهو يتطلّب إعادةَ تقييمِ المبادئ الأساسية التي تتوفّر لدى الفرد الواحد، وهذا لا يتأتى إلا بتربية و التوجيه والتأهيل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والاعلامي منها على وجه الخصوص، حتى نتمكّن من قطفِ الثّمار على المدى البعيد أو المتوسط، مع الصبر والاستمرارية، فتسلّق الجبل لا يتمُّ إلا من السفح وقرار بناءِ نهضة حقيقية اعتماداً على خيارِ الإصلاح والانطلاقِ من نُقطة الحالة القائمة قرار لا طائل من وراءه، فهو بمثابة محاولة تحديدِ الطريق السالكة من بين عدّة طرق متشابكة بعضها مع بعض، إذ لا يُمكن تعيينها إلا إذا تتبّعت الطريق من نقطة بدايتها.
نحن في حاجة ماسة إلى فكرٍ سهلٍ قابل للانجاز على أرض الواقع، سئمنا من النظريات المعقدة والأفكار الضبابية التي يطغى عليها الكلام والتنظير على الفعل السليم السديد، إن النيّة في التطور والرُقي كائنة، ولعلها من المواصفات الفطرية التي تتصف بها الإنسانية بشكلٍ عام، إلا أن الطريقة المتّبعة عادة ما تكون بعيدة كل البعد عن الصواب في كل مرّة تتضافر الجهود بنية إنجاحها ودفعها قدما نحو الأمام.
Lmaralshark@gmail.com