حرية – (23/1/2022)
شربل صفير
تستعدّ قوى سياسية عراقية لحشد الشارع للخروج بتظاهرات أمام مبنى البنك المركزي، الأربعاء المقبل، احتجاجاً على الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، والذي تجاوز عتبة الألف و600 دينار مقابل الدولار الواحد، الأمر الذي يُهدّد حكومة محمد شياع السوداني، التي لم تجد حلاً يُنهي هذا الاستنزاف للعملة المحلّية.
ويرى مراقبون أن استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار، جعل المواطن العراقي أمام أعباء إضافية، فضلاً عن إرباك في السوق العراقية، كما أنّ الحكومة الجديدة الخاضعة لنظام المحاصصة لن تخرج عن دائرة الهيمنة الإيرانية خصوصا وأنّ داعميها الأساسيين من أكثر القوى السياسية ولاءً لإيران وتحديدا الإطار التنسيقي.
ويثير وجود حكومة موالية لإيران مخاوف سياسيين واقتصاديين عراقيين، من أن تسعى طهران لاستغلالها في الدفع باتجاه تمرير مشاريع يصفونها بـ”الهدامة” للاقتصاد العراقي.
تغلغل إيراني واسع
وفي هذا الإطار، يعتبر المحلل السياسي العراقي، علي السامرائي، أن تشكيل حكومة عراقية غالبية مكونها موال لإيران يشير إلى استعادة طهران لزمام المبادرة في العراق ولأدوات تحقّق لها نفوذا أوسع. ويضيف في اتصال مع “جسور”، أنّ طهران وقفت بكل قوة إلى جانب الإطار في خلافه مع التيار الصدري الذي أشار عدة مرات الى أنه يرفض خضوع العراق إلى الهيمنة الغربية أو الشرقية في إشارة إلى السلطات الإيرانية.
وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قال أكثر من مرة إنه يريد تشكيل حكومة وطنية لا غربية ولا شرقية فيما يبدو أنها رسالة واضحة بأن الدعم الإيراني لبعض القوى السياسية تسبّب في الأزمة التي يشهدها البلد.
لكن إيران وجّهت رسائل قوية إلى التيار الصدري في خضم الصراع مع الإطار بأنه لا مجال لانقسام القوى السياسية الشيعية ونبّهت الصدر إلى أنها تريد شيعة موحدين، ولا تريد شيعة عربا وآخرين ولائيين، وأن عليه أن يقبل بالحوار مع الإطار التنسيقي وقياداته وينسى خلافاته القديمة مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وبحسب السامرائي، فإن إيران لا تفكّر سوى في مصالحها وبالتالي فإن ضغوطها التي أسفرت عن تشكيل حكومة السوداني ستصبّ في النهاية في صالح هيمنتها المطلقة، لافتا إلى أنّ الحكومة الجديدة تدرك ورئيسها هذه المعادلة، وبالتالي فإنه لن يدخل بتاتا في أي توترات أو خلافات مع الحكومة الإيرانية لأن أي خلاف في هذا الإتجاه سيؤدي في نهاية الأمر إلى سحب الثقة.
ويرى مصدر فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ “جسور”، أن العراق سيكون في المستقبل ساحة مفتوحة تماما للهيمنة الايرانية وستتعرض الشخصيات الوطنية والنشطاء الرافضون لهذا التدخل لمزيد من التضييق بعد أن سعت حكومة مصطفى الكاظمي السابقة إلى تحقيق نوع من التوازن من خلال مواجهة بعض الميليشيات والدعوة لحلّها أو سحب سلاحها رغم فشلها في هذه المهمّة بسبب حجم التدخل الإيراني، متهما حكومة السوداني بالتسبب في تدهور الأزمة الاقتصادية.
سقوط لا قاع له!
ويبيّن السامرائي أنّه قُدّرَ للعراق أن يجمع ما يصل إلى 100 مليار دولار أو يزيد جراء زيادة أسعار النفط بعد انحسار جائحة كورونا، مضيفا، أنّ الأصوات تعالت بإدارة هذا الفائض بين فئات الشعب الذي تعدّت نسبة الفقر فيه مستوى الـ 30%، عبر سنّ قوانين اقتصادية، ما لبثت أن تجمّدت عند مغادرة حكومة الكاظمي، ومجيء حكومة السوداني الإطارية بعمقها الإقليمي والدولي، ليصحو الشعب على معضلة عمّقت مآسيه ووسّعت آلامه، عندما تهاوت قيمة عملته أمام سعر صرف الدولار، وارتفعت بذلك نسبة التضخم، وطالت قوته وطعامه الذي كان تأمينه بالكاد يحصل عليه قبل حكومة السوداني، ثم توالت القرارات الترقيعية وفق السامرائي من قبل الجهاز المصرفي، التي زادت الطين بلّة وفاقمت الأزمة، وانتهت أخيرا بإعفاء محافظ البنك المركزي وتكليف محافظ أسبق ارتبط اسمه بفضيحة غرق العملة العراقية في خزانات البنك المركزي عام 2013 والتي تسبّبت حينها بتلف 7 مليارات دينار بواقعة غريبة لاقت استهجان وتهكّم المواطن العراقي.
وفيما اعتبر السامرائي أنّ الأزمة ما زالت في أوجها، مؤذنة بخطر انهيار مقبل يحرق الأخضر واليابس، وإن صحّت الأنباء عن انفضاض اجتماع كتل الإطار أمس من دون إيجاد حل، أكد أنّ الازمة لا محالة واقعة وستقضي على ما تبقى من كيان كان يسمّى العراق.
تراجع العملة المحلية
في المقابل، تقول تقارير محليّة إنّ أكثر من 200 مشترٍ صغير للعملة الصعبة (الدولار) يعتقد أنهم مرتبطون بأحزاب يقومون يومياً بجمع الدولارات ونقلها الى خارج الحدود.
وتوفّر هذه العملية بسبب اختلاف السعر الرسمي لتصريف الدولار عن سعره في السوق السوداء أكثر من 800 مليون دينار (حوالى 600 الف دولار) يومياً للمهربين. وهؤلاء المشترون الصغار هم واجهات لمشترين كبار وقد يكونون أحزاباً أو فصائل ذات نفوذ بسبب قدرتهم على عبور الحدود يومياً مرتين على الأقل كما تؤكد تقارير صحافية، موضحة أن عملية الشراء اليومي للدولار تتراوح بين 2.5 مليون دولار الى 5 ملايين دولار.
ويشهد سعر صرف الدينار العراقي منذ حوالى شهرين تقلبات مقابل الدولار يعزوه خبراء إلى بدء العراق الامتثال لاجراءات دولية أميركية على التحويلات المالية بالعملة الصعبة التي تُهرب معظمها الى إيران. وفيما سعر الصرف الرسمي المثبّت هو 1460 ديناراً مقابل الدولار الواحد منذ قررت ذلك حكومة رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي في ديسمبر/ كانون الاول عام 2020 فقد تراجع سعر الدينار في السوق منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 إلى 1650 دينارا ما أدى الى فقدان العملة العراقية الدينار حوالى 10% من قيمتها.
وأثار هذا التراجع غضب العراقيين لما نتج عنه من ارتفاع في أسعار المواد المستوردة وخصوصا الغذائية منها وفقدان زهاء 5 ملايين موظّف عراقي بين 20 و30 بالمئة من قيمة مرتباتهم الشهرية.
ووسط ذلك، يقول مسؤولون إن العراق يواجه فجوة عميقة في ماليته العامة بسبب حملة قمع الفساد وتهريب الدولار من قبل الاحتياطي الفدرالي الأميركي منذ الاستيلاء على أموال الأمانات الضريبية المعروف إعلاميا بـ “سرقة القرن”.