حرية – (23/1/2023)
يرفض العديدون من سكان مجمع بسماية السكني إنشاء دور العبادة، وهو ما يفتح الأسئلة حول أسباب لجوء الكثير من العراقيين إلى المجمعات السكنية، حيث أن الأمر لا يقتصر في البحث عن الخدمات والبنى التحتيّة الجيّدة فحسب، إنما شيء أكبر يتمثل بتفكيك الهويّة الطائفية أو العشائرية السائدة في مناطق كثيرة من العاصمة بغداد.
لا تمتلك مدينة بسماية التي تضم حاليًا قرابة 50 ألف نسمة أيّة مؤسسة أو مركزًا للعبادة
لم تصبح المجمعات السكنيّة عنصر جذب لمن لا يمتلك سكنًا فحسب، بل بدأ العديد من العراقيين يبيعون منازلهم في المناطق السكنية القديمة ويتوجهون للشراء في المجمعات السكنيّة، بحثًا عن “مجتمعات جديدة”، لا تحكمها الهوية السائدة على مناطق العاصمة سواء الهويّة الدينية أو المذهبية أو العشائرية، وهذا ما لا يريد سكّان بسماية التفريط به.
تخلو مخططات مدينة بسمايّة من وجود مسجد أو جامع، ولا تمتلك المدينة التي تضم حاليًا قرابة 50 ألف نسمة أية مؤسسة أو مركزًا للعبادة، رغم إحياء بعض الطقوس والشعائر الدينية أحيانًا في بعض المناسبات ولا سيما شهر محرم في ساحات المدينة.
وبدأت تظهر مطالبات واقتراحات محدودة نسبيًا في المجموعات الالكترونية الخاصة بالمجمع، بشأن إنشاء جامع في المدينة، الأمر الذي جوبه برفض المقترح أو تحفظ معظم سكّان المدينة الذين رأوا الأمر بأنه سيفقد المدينة أهم مميزاتها المتمثلة بإنشاء مجتمع كل من فيه لا يعرف شيئًا عن هوية الآخر وخلفيته الدينية والمذهبية والمناطقية أو العشائريّة.
ورصد مجموعة من التعليقات على المقترح المطروح في إحدى المجموعات الخاصة بمدينة بسماية، والتي جاءت معظمها رافضة لفكرة وجود “مبنى ديني” سيجر إلى افتتاح المزيد من دور العبادة لتعدد الأديان والمذاهب، والمرجعيّات الدينية داخل المذهب الواحد حتّى، الأمر الذي سيقود إلى صنع هويّات فرعيّة قد تمزّق الانسجام الحاصل بين المجمع وتصنع تكتلات على أساس ديني ومذهبي.
واعتبر العديد من سكّان المدينة، أنّ وجود التلفاز ومواقع التواصل وكافة الوسائل التكنولوجيّة كافية لإغناء الجميع بمواقيت الصلاة والأذان والطقوس الدينيّة الأخرى، وأن تكون الصلاة بداخل المنزل.
وعدّ بعضهم أن افتتاح معبد من أي نوع، سيتم استغلاله لأغراض طائفية وإثنيّة، فيما اعتبر آخرون أن الأولى هو المطالبة بالخدمات من قبيل فتح طريق رئيسي إلى المدينة، والتنظيف والانترنت الجيّد وغيرها من المتطلبات الخدميّة الحياتيّة.
ويقول أحمد ربيع، وهو أحد سكان مدينة بسماية، في حديث له “إنني أعيش في مدينة تذكّرني بالزمن الذي لم نكن نعرف شيئًا عن الخلفية الدينية والمذهبية للجيران والزملاء والأصدقاء، وهو أمر مريح بشكل كبير، خصوصًا بعد ما شهدناه من أحداث الطائفيّة والحواجز النفسيّة التي خلقت حتى بين الأهل والأقارب”.
ويضيف: “أنا غير مستعد ولا أتقبل فكرة أن تُكشف هويّة ودين ومذهب جاري ومن التقي بهم من سكّان المدينة، لأنه شيء غير مهم، وغياب هذه المسألة صنعت تجربة ناجحة وجميلة بالتقارب بين سكّان المدينة”، معتبرًا أنّ “افتتاح معبد ديني من أي نوع كان سيجر إلى افتتاح معابد أخرى لكل دين ومذهب وطائفة ومعتقد، وهذا لا نرتضيه في مدينة أهم ما يميزها هو انسجام سكانها وغياب جميع أنواع وأسباب التقسيم الفئوي والهويات الفرعية”.
الرفض الجماعي الذي حصل من سكّان المدينة، دفع بصاحب المقترح أن يطرح مقترحًا بديلًا وهو أن يتم رفع الأذان بطريقة “المحاصصة”، وعلى طريقة قناة العراقيّة الرسمية، إلا أن مقترحه وجد اعتراضات أيضًا، وسط قناعة تامة تشكّلت بين الأوساط الشعبية هناك، بأن “من يطرح هذه المقترحات يهدف لأغراض أخرى”، وفقًا لتعبيرهم في المجموعة الخاصة.
ولا تتوفر معلومات عمّا إذا كان “استبعاد” إقامة مسجد في المدينة، مخطط له من قبل هيئة الاستثمار لهذا الغرض الذي ما زال سكان بسمايا يدافعون عنه، إلا أن رجل الدين الخطيب جعفر الإبراهيمي سبق وأن تحدث في هذه المسألة، مشيرًا إلى أن “المعلومات تقول إن هيئة الإعمار هي من تمنع انشاء مسجد في المدينة”، مطالبًا الرئاسات الثلاث بالتدخل.
وتم التواصل مع هيئة الاستثمار الوطنية، بهذا الشأن، إلا أنها لم ترد على الاتصالات وطلبات التعليق.
وكان العراق قد وقّع عام 2012 مع شركة “هانوا” الكورية الجنوبية عقد إنشاء مجمع “بسماية” بواقع 100 ألف وحدة سكنية بتكلفة 7 مليارات دولار، ضمن خطة اعتمدتها الحكومة لتشييد مليون وحدة سكنية في عموم البلاد.
منقول من الترا العراق