حرية – (24/1/2023)
عند الوفاة، تحصل الكثير من المتغيرات في جسم الإنسان، من بينها استرخاء العضلات، وارتفاع درجة الحرارة، وتوقف حركة الدورة الدموية، وزيادة التعرق.
إلا أنه لم يتم تسليط الضوء علمياً من قبل على عملية خروج الروح من الجسد، وهل يحصل أي نوع من التغيرات في وزن الشخص الميت، مباشرة بعد الوفاة.
ولهذا قرر الطبيب الأمريكي دنكان ماكدوجال، سنة 1901، البحث عن إجابة لهذا التساؤل، ومعرفة ما إذا كان لروح الإنسان وزن، فقام بطرح العديد من الأسئلة على نفسه، من بينها: هل يقل وزن الإنسان بعد وفاته؟ وكم يمكن أن يعادل هذا الوزن؟
ومن أجل معرفة أجوبة للأسئلة التي دارت في عقله، قرر دنكان ماكدوجال القيام بتجربة خاصة، من أجل معرفة ما إذا كان ما يفكر فيه حقيقياً أم لا، وهذا ما حصل بالفعل.
مرضى السل لتجربة قياس وزن روح الإنسان
قرر الطبيب دنكان ماكدوجال، الذي كان يعمل في إحدى مستشفيات مدينة هافر هيل الأمريكية، معرفة ما إذا كان لروح الإنسان وزن مادي، وهل هناك مساحة تحتلها داخل الجسد، قبل الموت.
لذلك شرع سنة 1901 في تجربته التي تجيب عن هذه التساؤلات، بتعاون مع مستشفى خيري خاص بمرضى السل، المعروفين بأنهم على فراش الموت، بسبب وصول حالتهم لمراحل متقدمة من المرض.
واعتمد في هذه التجربة على تقنية قياس وزن المريض خلال أيامه الأخيرة، ثم بعد وفاته، للحصول على النتيجة النهائية، التي تشير إلى وزن الروح، حسب تقديره.
وفي حال لم يتغير وزن الشخص الميت، فهذا دليل بالنسبة له، على ألا وزن لروح الإنسان، وأنها لا تحتل أي مساحة في الجسد البشري.
وحسب ما نشرته مجلة “live science”، فقد جاء في الورقة العلمية التي شاركها الطبيب دنكان، بعد انتهاء تجربته، أن كل الفرضيات التي درسها في تخصص الطب مرتبطة عضوياً بالجسم حتى حدوث الموت، لذلك كان من المنطقي بالنسبة له أن يكون هناك شكل من أشكال الجاذبية في جسم الإنسان، التي تساعد في الكشف عن وزن الروح بعد الموت، من خلال وزن الإنسان بعد الموت.
21 غراماً.. نتائج البحث ولكن !
اختار دنكان ماكدوجال 6 أشخاص من المصابين بمرض السل، وكان موتهم وشيكاً، للقيام بهذه التجربة، إذ قام بتثبيت مقياس كبير لقياس الوزن، على أسرة المرضى، من أجل تحديد وزنهم وهم على قيد الحياة، وبعد الوفاة.
ومن بين الأسباب الأخرى التي دفعت هذا الطبيب الأمريكي للقيام بهذه التجربة البحثية على مرضى السل وهم على فراش الموت، هي عدم قدرتهم على الحركة، أو القيام بأي مجهود بدني، من الممكن أن يتسبب في هز الميزان، أو تغير وزنهم بين الحين والآخر، الشيء الذي سوف يسبب خللاً في النتائج.
بعد أيام من بداية التجربة، وبالضبط يوم 10 أبريل/نيسان 1091، توفي أول مريض، وعند مقارنة وزنه عندما كان حياً، وبعد وفاته، تبين على أنه فقد 21 غراماً، وهي النتيجة التي اعتمدها صاحب التجربة بشكل رسمي من أجل بحثه.
وعلى الرغم من وجود اختلافات في الوزن المفقود بالنسبة للمرضى الآخرين الذي ماتوا بعد ذلك، إلا أن دنكان ماكدوجال لم يعتمدها في نتائج البحث، مشيراً إلى وجود خلل في الموازين التي كانت مثبتة على أسرَّة المرضى الخمسة الآخرين.
إذ فقد ثاني شخص يموت 14 غراماً من وزنه فقط، فيما فقد الشخص الثالث 28.5 غرام، أما الشخص الرابع فقد استبعده من البحث بشكل كامل بسبب أنه كان يشك في وجود شخص قام بتغيير تعديلات الميزان، من أجل التأثير على النتائج.
وهذا هو الأمر نفسه الذي حصل مع الحالة السادسة، بسبب محاولته تصليح الميزان الذي تعطل، في الوقت الذي توفي فيه، ما تسبب في خلل في النتائج.
ومن أجل التأكد من نتائجه، كرر ماكدوجال التجارب على 15 كلباً، ولم يجد أي خسارة في وزنها بعد وفاتها، ما جعله يشير إلى أن هذه الحيوانات لا تملك روحاً مثل البشر.
جدل حول نتائج تجربة 21 غراماً
بعد مرور 6 سنوات على تجربة “21 غراماً”، أعلن دنكان عن نتائجها سنة 1907 من خلال نشره مقالاته البحثية عبر مجلة الطب الأمريكي ومجلة الجمعية الأمريكية للأبحاث النفسية.
الأمر الذي جعل الطبيب الأمريكي أوغستس كلارك يشكك في صحة التجربة، من خلال تفسيره السبب وراء فقدان الإنسان الوزن بعد وفاته، عن طريق نشره مقالاً في مجلة “الطب الأمريكي”.
وقال إن الأمر راجع إلى الارتفاع المفاجئ في درجة حرارة الجسم، بسبب توقف الرئتين عن دورهما في تبريد الدم، ما يتسبب في التعرق، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان “21 غراماً” من الوزن.
ومن أجل تأكيد تفسيره، انطلاقاً من تجربة ماكدوجال حول الكلاب، أشار كلارك إلى أن هذه الحيوانات لا تتوفر على غدد التعرق، لذلك لا يمكن أن تفقد من وزنها بعد الموت.
وبسبب هذا المقال، تحول الأمر إلى نقاش وجدل بين الطبيبين، الذي كان يحاول كل واحد منهما تأكيد نظريته، وطريقة تفسيره العلمي لفقدان الوزن بعد الوفاة.
إذ أشار أوغستس كلارك إلى أن التقنيات المعتمدة في هذه التجربة كانت خطأً، كما أن عدد العينات كان جد قليل، مشيراً إلى أنه لا يمكن اعتماد نتائج دراسة على نتائج حالة واحدة فقط، إضافة إلى أن التقنيات المتوفرة حينها لتحديد ساعة الموت لم تكن دقيقة.
وبسبب كل هذا الجدل، لم يتم الاعتراف بهذه التجربة، ولاقت رفضاً كبيراً في الوسط العلمي والطبي، الشيء الذي جعل دنكان يعلن عن قيامه بعدة تجارب أخرى، ومحاولة التقاط صورة لروح الإنسان، إلا أنه توفي سنة 1920، ولم يتمكن من فعل ذلك.
أفلام وأغانٍ حول التجربة غير المعترف بها علمياً
بعد هذه التجربة التي لم يتم الاعتراف بها علمياً، لم يتم القيام بأية تجارب أو أبحاث أخرى متعلقة بوزن روح الإنسان بعد الوفاة، وذلك لأن العلم لم يثبت بعد وجود الروح.
ومع ذلك فقد أصبحت تجربة الـ21 غراماً مشهورة بشكل كبير، وتم الإشارة إليها في الكثير من الكتب والروايات، التي تحكي عن الوفاة، وأن جسم الإنسان يفقد 21 غراماً من وزنه بعد خروج الروح من جسمه.
كما أنه في سنة 2003 تم إصدار فيلم سينمائي أمريكي يحمل اسم التجربة “21 غراماً”، من إخراج أليخاندرو غونزالس إناريتو، ومن بطولة شون بن، نعومي واتس، داني هيوستن وبينيشيو ديل تورو.
ويسلط الفيلم الضوء على تجربة 3 شخصيات مختلفة، بين الماضي والحاضر والمستقبل، في فترات زمنية غير مرتبة، وما يحصل لهم من تغيرات بعد الموت، وطلوع الروح من الجسد.
فيما تم تسليط الضوء على هذه الدراسة في فيلم الأنمي الياباني “إمبراطورية الجثث” الذي أنتج سنة 2015، ويحكي عن زمن بديل من القرن الـ18 لعالم إنجلترا فيكتور فرانكنشتاين، الذي يكتشف طريقة لإنعاش جثة بروح يمكنها التفكير والإحساس والتحدث.
وفي السنة نفسها، أصدرت المغنية الأمريكية نيكي هيلتون أغنية تحمل عنوان “21 غراماً”، وأشارت إلى نتائج هذه التجربة نفسها غير المعترف بها علمياً.
فيما اختار مغني الراب الأمريكي ترافيس سكوت تضمين مقطع غنائي يسلط الضوء على التجربة نفسها، من خلال أغنية “No Bystanders” أصدرها سنة 2018.