حرية – (27/1/2023)
استخدمت روسيا الطائرات المسيرة عن عمد لأغراض مدنية في أوكرانيا حتى تقنع الأوروبيين باتخاذ إجراءات ضد الحرس الثوري الإيراني.
منذ أشهر قليلة، رفض مبعوث روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، الافتراض بأن الاتفاق النووي مات، وقال حينها “كنا على بعد 5 دقائق من خط النهاية في تلك المحادثات”، إلا أنه نسي قول ان رئيسه يريد مهاجمة أوكرانيا في الدقيقة الرابعة !
وبحسب مقال للكاتب والباحث الإيراني مهدي تديني، نشره موقع دبلوماسي إيراني، كانت خطوة دونالد ترامب، قبل ثلاث سنوات غير عادية واستثنائية عندما قام بتصنيف الحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب، وبدا حينها أن شخصًا واحدًا فقط في العالم مثل ترامب يستطيع فعل مثل هذا الشيء.
أما اليوم، وما قامت به عشرات الدول الأوروبية في البرلمان الأوروبي والإجماع على قرار واحد، لا يختلف بتاتاً عن خطوة ترامب هذه. كم تغير العالم في هذه السنوات الثلاث؟ وما الذي دفع الأوروبيون المحافظون والإصلاحيون للبت بمثل هذا القرار؟
الروس: رفاق سوء؟
نعلم أن الجميع بشكل عام يحبون ربط القضية بالاحتجاجات الأخيرة في إيران، لكن لا، فالأمر يتعلق برفيق “السوء” للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
تمتلك إيران خمس احتياطيات الغاز في العالم، أما روسيا فالربع. وعليه، لا يمكن لهذين البلدين، الذين يمتلكان معًا نصف احتياطيات الغاز المكتشفة في العالم، أن يكونا “شريكين” لبعضهما البعض تحت أي ظرف من الظروف. إذ تعتبر روسيا إيران منافسًا قوياً لها، وإذا كان لها، أي إيران، وجود نشِط في سوق الطاقة العالمية، فسوف يبطئ سلاح التجارة الأكثر استراتيجية لروسيا.
لا يخفى على أي قارئ في المجال الاقتصادي، حقيقة أن روسيا تَعتبر غازها أداة ضغط، وقد شهدنا في الحرب الأوكرانية كم كانت تعتمد على رافعة الضغط هذه. وقد يكون سبب مقاومة أوروبا لهذا الضغط هو: جهد ومثابرة الأوكرانيين وضغط وإقناع الأمريكيين. وبخلاف ذلك، لكانت الحكومة الأوروبية الكبرى في بداية الحرب، فضلت أن يفر زيلينسكي وتحتل روسيا أوكرانيا بأكملها حتى لا يتعرض أمن طاقتها للخطر.
والآن، تأملوا قليلاً فيما سيحدث لو دخلت إيران الأسواق كـ “عملاق للغاز“؟ فإن سلاح الغاز الروسي سيهلك لا محالة. وهذا ما يدفع روسيا لزج إيران في صراعات دولية بعيداً عن سوق الطاقة.
منذ أشهر قليلة، رفض مبعوث روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، الافتراض بأن الاتفاق النووي مات، وقال حينها “كنا على بعد 5 دقائق من خط النهاية في تلك المحادثات”، إلا أنه نسي قول ان رئيسه أراد مهاجمة أوكرانيا في الدقيقة الرابعة! ومن تلك اللحظة وإلى اليوم، ارتبط الوجود الإيراني في “سوق الطاقة” على إحياء الاتفاق النووي. حيث كان واضحاً للمشهد الدولي الخسائر الفادحة التي ستطال روسيا لو تم المضي قدماً في هذه المفاوضات.
بعد عدة أشهر، فاحت مجدداً رائحة نوايا الغرب لإحياء الاتفاق النووي و”عودة إيران إلى سوق الطاقة”، لكن وبسبب معارضة أمريكا لشطب اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، لم تنجح المباحثات مرة أخرى.
بداهة ولكن خبيثة
ومن حينها أدرك الرفاق الروس ما يجب عليهم فعله. كان ينبغي عليهم أن يجعلوا أوروبا نصنف الحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب حتى يشعروا بالراحة وتبقى أنابيب الغاز الإيرانية إلى العالم مغلقة.
كان الطريق سهلاً للغاية، فالخطة بدأت من قضية الطائرات المسيرة، وبالرغم من نفي إيران رسميًا أنها أعطت روسيا هذه الطائرات، إلا أن الروس أنفسهم أكدوا ذلك ضمنيًا بصمتهم. مع العلم، أن الحسابات والمواقع الصحفية والإعلامية الإيرانية المرموقة افتخرت حتى النخاع باستخدام روسيا للطائرات بدون طيار الإيرانية.
ومما لا شك فيه أن روسيا قد استخدمت هذه الطائرات عن عمد لأغراض مدنية حتى يمكن إقناع الأوروبيين باتخاذ إجراءات ضد الحرس الثوري الإيراني، وإلا فإن توجه وسياسة هؤلاء الأوروبيين لا تنطبق مع هذه الخطوات، لأن جوزيف بوريل مثلاً، حتى الآن، يشعر بالخجل من سبب رغبة زملائه في البرلمان الأوروبي في وضع الحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب.