حرية – (27/1/2023)
أفادت مجلة “إيكونيميست” بأن شركة “ديزني” التي تحتفل الجمعة بالذكرى المئوية لتأسيسها تقف أمام متغيرات كثيرة، إذ تتبدل مشهدية قطاع الترفيه الذي تنتمي إليه الشركة بأثر من انحسار الإقبال على التلفزيون والسينما وتزايد شعبية العروض المنقولة عبر الإنترنت.
وتفصيلاً تبلغ حصة “ديزني” في السوق 180 مليار دولار، ولا تزال سيدة شبابيك التذاكر في صالات السينما إذ حلت أربعة أفلام من إنتاجها من بين الأفلام الـ 10 الأعلى عائداً خلال العام الماضي، وانتعشت مدنها الترفيهية بعد معاناة فرضتها إغلاقات جائحة “كوفيد-19″، ولا تزال شبكاتها الإلكترونية والتلفزيونية تحقق مكاسب ضخمة. وفي مجال العروض المنقولة عبر الإنترنت تفوقت “ديزني” بأعداد مشتركيها في موقع “نتفليكس” المتخصص في هذا النوع من التقنية الرقمية، وخلال الـ 12 شهراً بين عامي 2020 و2021 تضاعف سعر سهمها في السوق.
وفي المقابل فخلال الأشهر الـ 12 الأخيرة أيضاً، بحسب المجلة نفسها، لاحظ المستثمرون في بورصة “وول ستريت” أن الأنماط الترفيهية التقليدية تتراجع في مواجهة أنماط أكثر جدة، إذ لم تتعاف السينما تماماً من آثار الجائحة وقد لا تفعل، وكذلك تواصل الشبكات التلفزيونية عبر الكابلات تراجعها، وتتأثر خدمة العروض المنقولة عبر الإنترنت الخاصة بـ “ديزني” بمنافسة شرسة من شركات منافسة مثل “أبل” و”أمازون” اللتين تستخدمان خدمات البث عبر الإنترنت لديهما بالتوازي مع أعمالهما الأساس، وبالتالي تراجعت قيمة “ديزني” في سوق باتت خدمات البث عبر الإنترنت أساساً فيه إلى نصف الذروة المسجلة عام 2021، واقتربت أيضاً من القاع الذي سجلته لدى انتشار الجائحة.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 أقالت رئيسها التنفيذي بوب تشابيك وأعادت سلفه بوب أيغر إلى المنصب بعد تقاعده، وفي ذلك الصدد لفتت “إيكونيميست” إلى أن أيغر الذي قاد الشركة خلال 15 سنة من الازدهار حتى عام 2020، أعطي مهلة سنتين لتصويب الاتجاه، وبشكل محدد يتضمن ذلك التصويب إنعاش الأعمال التقليدية لدى الشركة وتمكين أعمالها الجديدة من التحول إلى الربحية، والعثور على خلف له يستطيع مقاومة التهديد الآتي من “وادي السيليكون”.
وقد شرعت الانتقادات في مطاولة أيغر، لا سيما من نلسون بيلتز، المستثمر الذي اشترت شركته “تريان لإدارة الأصول” 0.5 في المئة من “ديزني” (ما يوازي 900 مليون دولار)، ويطالب بمقعد في مجلس إدارة شركة الترفيه.
ووفق المجلة “ستساعد الطريقة التي يخوض بها السيد أيغر غمار هذه التحديات في تشكيل قطاع الترفيه وتحدد ما إذا كانت ’ديزني‘ ستبقى لـ 100 سنة أخرى”.
واتصالاً بذلك بينت “إيكونيميست” أن مؤسس الشركة، والت ديزني، كتب في خمسينيات القرن الـ 20 عن أسباب نجاح الشركة التي أسسها قبل عقود، وأشار آنذاك إلى أن السبب الأبرز في ذلك النجاح يتمثل في تعزيز الأقسام المختلفة في الشركة لبعضها بعضاً، إذ تعرض مدنها الترفيهية أفلام “ديزني” وتقدم قنواتها التلفزيونية إعلانات تلك الشركة، وتطلق أستوديوهاتها السينمائية نجومها التلفزيونيين، وبالتالي جعل “والت ديزني” من الإنتاج الإبداعي للأستوديوهات بمثابة المحرك المركزي الذي يولد ملكية فكرية تغذي مختلف الأقسام.
ووفق كلمات المجلة نفسها “لا تزال الاستراتيجية هي نفسها اليوم، لكن أسساً كثيرة لهذا الهيكل تترنح معاً”، إذ تعاني الخدمات التلفزيونية التي تولد معظم أرباح الشركة من التراجع الذي يشهده القطاع ككل، مع تحول الأسر عن هذه الخدمات إلى خدمات البث عبر الإنترنت الأقل كلفة أو حتى المجانية، مثل تلك التي يوافرها “يوتيوب” وتطبيقات مشابهة أخرى.
وفي مسار متصل تتدافع أستوديوهات “هوليوود” للحصول على خدمات بث عبر الإنترنت، وفق “إيكونيميست”. وحققت “ديزني+” بداية قوية للغاية عام 2019، إذ اشتركت فيها 10 ملايين أسرة أميركية يوم إطلاقها، وتزامن ظهورها للمرة الأولى في أوروبا بعد بضعة أشهر من ذلك الإطلاق مع الإغلاقات الأولى بسبب الجائحة مما أضاف ملايين الاشتراكات إليها، وبات لديها الآن 164 مليون مشترك.
وإضافة إلى “إي إس بي إن+”، خدمة البث الرياضي عبر الإنترنت من “ديزني”، و”هولو” منصة الترفيه العام الخاصة بها، تكون الشركة امتلكت اشتراكات في البث عبر الإنترنت أكثر حتى من “نتفليكس” وأكثر بكثير من أي طرف آخر.
وأضافت المجلة، “على الرغم من ذلك تتسارع خسائر أعمال البث عبر الإنترنت، ولقد جاءت قوة الدفع باتجاه طرد تشابيك من إعلانه في نوفمبر أن خسائر ’ديزني‘ في الفصل الأحدث وصلت إلى 1.5 مليار دولار، أي ضعفي الخسارة التي تكبدتها قبل سنة، ويرجع السبب في ذلك إلى أمر ما وصفه جون مالون، رئيس مجلس إدارة ’ليبرتي ميديا‘، وهي جهة مستثمرة بارزة في قطاع الترفيه، بأنه اندفاع جنوني للحصول على حصة في السوق، فبغية كسب المشتركين زادت أكبر أستوديوهات هوليوود إنفاقها على المحتوى بـ 50 في المئة منذ عام 2019، وتدفع ’أمازون‘ و’أبل‘ الجديدتان في المجال والحريصتان على تعزيز مخزونيهما من المحتوى مبالغ كبيرة رفعت الكلف على الجميع”.
وقدمت “إيكونيميست” بعض المبررات التي قد تفسر الخسارة، مشيرة إلى أنه “على رغم الإنفاق الضخم على المحتوى تبقى الأستوديوهات أسعار البث عبر الإنترنت منخفضة، ففي أميركا وكندا دفع المشترك العادي في ’ديزني+‘ 6.1 دولار شهرياً خلال الفصل الأقرب زمنياً، أي أقل من نصف ما دفعه المشترك العادي في ’نتفليكس‘ الشركة الأقدم في هذا المجال التي ترفع أسعارها باستمرار، ومرد ذلك أن هوليوود بضغط من مستثمري بورصة ’وول ستريت‘ حولت تركيزها من التوسع إلى الربح.
ووعد أيغر بإلقاء نظرة صلبة على الكلف، علماً بأن “ديزني” تبحث عن الربح أيضاً، فهي أضافت إعلانات إلى الاشتراك الأرخص، وزادت الاشتراك الخالي من الإعلانات بـ 38 في المئة، فوصل إلى 10.99 دولار في أميركا”.
وكذلك لفتت المجلة إلى أن قطاع السينما المتراجع يضغط على “ديزني”، فعلى رغم رفع الإغلاقات في الغرب إلا أنها لا تزال سارية في الصين التي شكلت سوقاً يعتد بها للأفلام، وحققت الشركة عام 2022 أرباحاً تساوي 65 في المئة مقارنة مع ما قبل الجائحة على رغم إطلاقها خلال العام الفيلم الناجح جداً “أفاتار2” وأفلاماً أخرى حققت نجاحات أيضاً. واستطراداً، أشارت “إيكونيميست” إلى تراجع اهتمام الأميركيين بالسينما، فهم لا يذهبون إلى صالات العرض إلا حين تعرض أفلاماً مهمة جداً، وانخفض عدد الزيارات الأسبوعية التي يقوم بها الأميركي إلى صالات السينما من خمس مرات عام 2000 إلى 3.5 مرة عام 2019، أي قبل أن تحل الجائحة.
وخلال الفترة نفسها أغلقت 1600 صالة سينما أبوابها في الولايات المتحدة.
ووفق “إيكونيميست” لا تزال مدن “ديزني” المصدر الأول للمال على رغم شكاوى بعضهم من غلاء بعض الخدمات، فقد انتعشت المدن بقوة بعد ركود خلال الجائحة، وكسب القسم الذي يديرها 7.9 مليار دولار العام الماضي بزيادة 16 في المئة مقارنة بمرحلة ما قبل الجائحة. ويخشى بعض المسؤولين في الشركة من نتائج عكسية قد تتأتى من إفراط المدن في سحب المال من زائريها الـ 150 مليوناً سنوياً، وكذلك أبرزت المجلة انتقاد تشابيك لقانون يضيق على المدارس مناقشة مسائل تخص “مجتمع الميم” أصدرته ولاية فلوريدا حيث تعمل مدينة “ديزني وورلد” ضمن شروط ميسرة منذ أكثر من 50 سنة.
وأوضحت أن ذلك الانتقاد دفع الولاية إلى إلغاء الوضع الخاص للمدينة بدءاً من يونيو (حزيران) المقبل، وحضت المجلة أيغر على تحسين علاقات شركته مع الجمهوريين الحاكمين في فلوريدا ومع الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، والعثور على طرق مبتكرة للاستفادة من ملكيتها الفكرية التي لا تستطيع الشركات الأخرى، حتى الأغنى منها، منافستها فيها. وفي شأن هذه النقطة الأخيرة ذكّرت بمقولة رددها والت ديزني عند افتتاح “ديزني لاند” جاء فيها أن “لا آمل إلا بألا ننسى أمراً واحداً، لقد أطلق كل شيء على يد فأر [ميكي ماوس]”.