حرية – (30/1/2023)
دببة ترتدي أزياء العبودية الجنسية BDSM، منصة عروض أزياء مغطاة بالطين، وفستان لا يتعدى كونه طلاء مرشوشاً على جسد العارضة، وهذه مجرد حفنة من النماذج واسعة الانتشار التي أنشأتها صناعة الأزياء في الأشهر الأخيرة وأثار جميعها الغضب، وتسبب بعضها في الإساءة وأدى بعضها الآخر إلى النقد، والآن تستطيع الصناعة إضافة وزن آخر للفضيحة الثقيلة على الإنترنت، حيوانات محنطة مزيفة ضخمة.
يوم الإثنين وخلال أسبوع الأزياء الراقية في باريس، سارت عارضات الأزياء إيرينا شايك ونعومي كامبل وشالوم هارلو على منصة علامة “سكياباريللي” Schiaparelli مرتديات ملابس مزينة برؤوس أسد وذئبة ونمر على التوالي، وارتدت كايلي جينر أيضاً التصميم الذي يحمل رأس الأسد لحضور العرض. صنعت النماذج بالحجم الطبيعي بالكامل من الإسفنج، وقد أكد المصمم دانيال روزبيري بشدة على أنه “لم يتعرض أي حيوان للأذى” في ابتكارهم.
والتشكيلة مستوحاة من جحيم دانتي، إذ كان الهدف من الحيوانات “التذكير بأنه لا يوجد شيء اسمه جنة من دون الجحيم، ولا فرح من دون حزن، ولا نشوة بالابتكار من دون عذاب الشك”.
إنه رابط ضعيف إلى حد ما، وقد أثبتته تعليقات روزبيري لمجلة فوغ، إذ قال إن “الحيوانات هي واحدة من الإشارات الحرفية الأربع التي اقتبستها من جحيم دانتي، وفي الدورة الأولى من رحلة دانتي يواجه الرعب، ويواجه أسداً ونمراً وذئبة، ويمثل كل منهم أشياء مختلفة، لكن الأسد والحيوانات موجودون كنهج واقعي للسريالية وأسلوب خداع البصر الفني بطريقة مختلفة”.
وعلى رغم ذلك لا يزال ما تمثله هذه الحيوانات غير واضح بالضبط إلى حد ما، باستثناء مدى سهولة ابتكار تحنيط مطابق للواقع، ولهذا السبب أثارت العلامة التجارية ضجة على الإنترنت، إذ انتقدها الناس لتصويرها حيوانات ميتة.
وكتبت كاري جونسون، زوجة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون في منشور عبر حسابها الخاص على “إنستغرام”، “مقيت، سواء كانت حقيقية أم مزيفة، فهذا يشجع فقط على صيد التذكاري. مقرف!”.
أما المصور ميسان هاريمان فكتب في منشور عبر حسابه في المنصة نفسها، “كونوا أفضل من ذلك”.
واعتبر آخرون الحيوانات المزيفة بمثابة استخفاف بالحفاظ على البيئة، وغرد أحدهم، “يوجد في العالم اليوم 20 ألف أسد فقط، [وهم] غير موزعين بتوازن، ولدى الهند 600 أسد آسيوي فقط في منطقتها الغربية، وعملت الحكومات بجد للحفاظ عليها، وهذه ليست موضة يا كايلي جينر، إنه تجاهل خطر لحيوان مهدد”.
ومع ذلك لم يتفق الجميع على أن التشكيلة كانت مسيئة للغاية، وتحدثت منظمة “بيتا” (أشخاص يدعون لمعاملة أخلاقية للحيوانات) People for the Ethical Treatment of Animals (Peta) لمصلحة التشكيلة، وقالت إنغريد نيوكيرك، رئيسة “بيتا” لصحيفة مترو في بيان، “تظهر رؤوس الحيوانات ثلاثية الأبعاد المبتكرة والرائعة أنه حيثما توجد الإرادة توجد الوسيلة، وتحتفل إطلالات كايلي ونعومي وإيرينا بجمال الحيوانات البرية وقد تكون تعبيراً ضد صيد التذكاري، إذ يتم تمزيق الأسود والذئاب لإرضاء الأنانية البشرية”.
وفي هذه الأثناء في حلقة يوم الثلاثاء من برنامج “غود مورنينغ بريتن” Good Morning Britain، قال النائب السابق الذي يعمل حالياً مقدم برامج، الآن إد بولز، إن انتقاد التصميمات كان “درجة جنونية من المداراة السياسية”، وسأل عما إذا كانت جونسون ستشعر بالاستفزاز بسبب فيلم “الأسد الملك” The Lion King.
بغض النظر عما إذا كان لديك رأي في عرض “سكياباريللي” أم لا، يمكن لقلة من الأشخاص إنكار مقدار الضجيج الذي أحدثه، وسيواجه أي شخص موجود على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الـ 24 ساعة الماضية صعوبة في تجنب الصور، إن لم يكن من خلال كايلي جينر نفسها التي لديها أكثر من 379 مليون متابع على “إنستغرام”، إذن من أحد الملايين الآخرين الذين شاركوها منذ ذلك الحين إلى جانب مواقفهم المواتية.
وبغض النظر عن مسألة الحفاظ على الحيوانات فإن كل هذا يتطرق إلى سؤال أوسع حول ما يحكم صناعة الأزياء الحديثة، وبالتأكيد فمن الاستفزاز وضع رؤوس حيوانات عملاقة على الملابس، تماماً كما أنه من الاستفزاز وضع بيلا حديد على المسرح عارية الصدر ورشها بمادة كيماوية تتحول إلى فستان.
وقد يقول بعضهم إن دور الموضة في الثقافة، وقد كان كذلك دائماً، هو إثارة الصدمة وبالتالي النقاش، لكن ما مدى قيمة ذلك النقاش في حين أن أياً منه تقريباً لا يتعلق بالموضة أو حتى بالفن؟
لا أحد ممن يتحدثون عن عرض “سكياباريللي” يتحدث عن جحيم دانتي على سبيل المثال، ولا هم يفكرون حتى فيما يعنيه طمس الحدود بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك، كما يفترض روزبيري في تعليقاته على العرض، أو أي من القطع الأخرى المصممة بالدقة التي ابتكرها في التشكيلة. إنهم يشاركون صور أسد ميت لا أكثر.
وبالمثل ففي حال فكرة علامة “كوبيرني” Coperni للأزياء المذكورة أعلاه التي جسدتها حديد، لم يتحدث أي شخص من خارج الصناعة عن البراعة الفنية الرائعة للثوب الذي يتم رشه، أو المادة الكيماوية الثورية المستخدمة في ابتكاره، وبدلاً من ذلك كانوا يتحدثون في الغالب عن أطراف حديد الرشيقة والتي كانت ظاهرة بشكل بارز، ثم يستخدمون الصور لصناعة مقاطع فيديو على “تيك توك”.
لدى الموضة تاريخ طويل في عرض الأفكار المثيرة بالطبع، لكن قارنوا بين هذه التصاميم المتكررة الحديثة وتلك التي تعود لفترة طويلة ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي وستجدون الفرق صارخاً.
وعلى سبيل المثال ألبس الراحل ألكسندر ماكوين العارضة هارلو فستاناً أبيض متعدد الطبقات مكشوف الكتفين في عرضه لربيع 1999، قبل أن تبدأ أذرع روبوتية في رش الثوب باللونين الأسود والأصفر، ولقد كانت لحظة فنون أدائية خالصة، لا سيما لكون هارلو نفسها راقصة باليه مدربة وتفاعلت مع الروبوتات برشاقة واتزان بينما كان القرص المتحرك الذي تقف فوقه يدور.
بغض النظر عن أوجه التشابه الواضحة مع كوبيرني، لا يوجد شيء تمكن مقارنته بتلك اللحظة، ولا يمكنها أن تتنافس مع الصورة المجسمة لكيت موس التي خيمت بروعتها على منصة ماكوين في عام 2006، إذ ظهرت فيها كطيف في ثوب أبيض رقيق، أو العارضة الشبيهة بالملاك التي تم تعليقها في الهواء أثناء عرض الذكرى الـ 10 لتيري موغلر عام 1984.
كانت كلها لحظات فنية ملموسة تظهر بشكل بارز في كتب تاريخ الموضة، واليوم، وعلى رغم ذلك، يتحقق هذا المربح الثقافي فقط إذا نجح شيء ما في الانتشار على نطاق واسع على “تيك توك”، وما هو الشيء الذي من المرجح أن يحقق ذلك أكثر؟ فقرة جميلة من فن الأداء، أم كايلي جينر ترتدي حيواناً على صدرها؟
هناك أسباب عدة تجعل هذا الأخير يحقق الهدف بشكل مختلف، والسبب الأول هو مكان الهدف الذي يصل إليه على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يتم اختزال كل شيء في مقطع فيديو مدته 30 ثانية بالكاد تتعرف عليه، أو صورة تستعرضها سريعاً أمامك أثناء استخدامك للمرحاض، وعندما ينتشر شيء ما مثل النار في الهشيم فإنه يجذب انتباهنا الكامل لفترة معينة من الوقت، لكن نظراً لطبيعة الإنترنت السريعة فقد تصبح بضاعة كاسدة بين ليلة وضحاها، بقايا يوم آخر على الإنترنت فقط.
يتطلب الأمر جهداً كثيراً كي يتجاوز شيء ما ثقافة النفايات في يومنا هذا ويحتفظ بشيء من معناه خلال السنوات اللاحقة، فوضع أسد على جسد أحد أشهر نجمات تلفزيون الواقع في العالم لا يفي بالغرض تماماً.
للأسف، هذه هي الطريقة التي يستهلك بها كثير منا الموضة الآن، وبالتالي هي الطريقة التي يصمم المصممون عروضهم بها، لحظات متفردة لا تتطلب سياقاً كي تكون مؤثرة لأن الإنترنت ليس لديه الوقت لاستيعابها على أي حال.
إنه نقيض الفن الذي يتطلب التركيز والتحليل والفحص، أشياء كان من السهل تحقيقها في عالم تناظري، ربما لم نعد نمتلك الصبر الكافي له بعد الآن.
وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون أي من هذا خطأ صناعة الأزياء بالطبع، والرغبة في إحداث ضجيج على وسائل التواصل الاجتماعي أمر منطقي من المنظور التجاري، فهي لا تقدم العلامة التجارية لجماهير جديدة وحسب، بل تساعد في تقديمها على أنها معاصرة، أو على الأقل قطعة أساس في عجلة الخطاب عبر الإنترنت، لكن ربما أظهرت لنا “سكياباريللي” أن الأمور تتجاوز المتوقع بكثير.
وإضافة إلى ذلك فإذا كنت تريد بالفعل الاحتفال بعظمة العالم الطبيعي، كما ذكر روزبيري في تعليق على “إنستغرام”، فهناك طرق للقيام بذلك أفضل بكثير من ابتكار حيوان مقطوع الرأس مطابق للواقع بدرجة تفوق التصور.