حرية – (9/2/2023)
في حين تنادي الولايات المتحدة الأمريكية بحقوق الإنسان عالميا وبشكل مستمر، إلا أنها تحتضن أكثر من نصف مليون مشرد في أراضيها.
وحتى في الولايات الأمريكية الأكثر تأثيرا بمجال التجارة والمال كنيويورك وكاليفورنيا أو في الأحياء الراقية لمدينتي لوس أنجلوس وتامبا، ترى العديد من المشردين الذين يفتقرون إلى مكان إقامة ثابت وملائم نائمين في الشوارع والحدائق العامة وعلى جوانب الطرق.
وفي أحدث تقرير أعدته وزارة الإسكان والتنمية الحضرية في الولايات المتحدة، كشفت عن وجود 582,462 شخصًا بلا مأوى في أمريكا في عام 2022، بزيادة قدرها 2000 شخص عن آخر إحصائية أجريت عام 2020.
وبيّن التقرير أيضا أن 30% من المشردين عاشوا فترات تشرد طويلة، إذ بقوا دون مأوى لـ 12 شهرا أو أكثر.
وأشار التقرير إلى أن أسباب التشرد متعددة، أبرزها الفقر والتعرض للعنف وفقدان الوظيفة، والعلاقات الأسرية المتفككة والأمراض النفسية والإدمان.
Getty Images
“غلاء الإيجارات وانعدام عروض الإسكان الميسور، أدى بدوره إلى زيادة حادة في أعداد المشردين على مدى السنوات الأخيرة الماضية”.
تجريم التشرد
تقول بضع جهات ومنظمات أمريكية، إن حكومة الولايات المتحدة لا تفعل ما يكفي للحد من ارتفاع أعداد المشردين في الشوارع، إذ لا تقدم لهم أي مأوى أو معونات أو وظائف.
وأكد تقرير استقصائي نشره المركز الوطني لقانون المشردين عام 2019 والذي تم تحديثه عام 2021، أن 47 ولاية أمريكية من أصل 50 تجرم المشردين الذين يكافحون لتوفير الغذاء والمأوى.
وبهذا الخصوص، قالت صحيفة “جاكوب إن” الأمريكية، إن الأمر لا يتوقف على تجريم المشرد، بل أصبح شائعًا أن تحاصر قوات الشرطة أولئك الأشخاص في الشوارع، قبل تدمير ممتلكاتهم وتفريقهم بشكل وحشي.
وأضافت الصحيفة أن غلاء الإيجارات وانعدام عروض الإسكان الميسور، أدى بدوره إلى زيادة حادة في أعداد المشردين على مدى السنوات الأخيرة الماضية.
ووفقًا لتحليلات أجراها مركز القانون الوطني حول التشرد والفقر، فإن زيادة 5% بقيمة الإيجارات في مدينة رئيسة كلوس أنجلوس تجبر نحو 2000 شخص على ترك منازلهم والنزول إلى الشارع.
وأكد المركز أن الحكومة الأمريكية تنفق في بعض المدن أموالًا طائلة لتجريم المشردين وتفريقهم وهو أضعاف ما سيكلفها لتوفير مسكن لهم؛ فعمليات المسح والسجن وإنفاذ قوانين مكافحة التسول تقدر قيمتها بـ31 ألف دولار للشخص الواحد في السنة، أما توفير السكن فيحتاج 10 آلاف دولار، وهو أقل من ثلث تكلفة التجريم.
“التشرد لا يشير إلى اخفاق الدولة في ضمان حصول المواطنين على سكن آمن ومناسب وميسور فحسب، بل ينتهك أيضا عددًا من حقوق الإنسان الأخرى، منها تعريض المتشرد لأضرار صحية تهدد حق الإنسان بالحياة”.
منظمة الأمم المتحدة
أغنى دولة وأكثرها انتهاكا لحقوق الإنسان
ترى منظمة الأمم المتحدة أن التشرد هو انتهاك عالمي لحقوق الإنسان، خاصة في الدول التي تمتلك مواردَ كافية لمواجهتها كالولايات المتحدة، التي تعد صاحبة أعلى ناتج محلي إجمالي بالعالم، بحسب ما أكده البنك الدولي عام 2021، والذي أشار إلى أن ناتج أمريكا يبلغ نحو 23 ترليون دولار؛ ما يُشكل 23.93% من إجمالي الاقتصاد العالمي.
وقالت المنظمة: “التشرد لا يشير إلى إخفاق الدولة في ضمان حصول المواطنين على سكن آمن ومناسب وميسور فحسب، بل ينتهك أيضًا عددًا من حقوق الإنسان الأخرى، منها تعريض المتشرد لأضرار صحية تهدد حق الإنسان بالحياة.
وتابعت: “يوسم التشرد بالعار ما يؤدي إلى تعامل الحكومات مع المشرد وكأنه مجرم؛ ما ينتهك حقوق الإنسان بدلًا من حمايتها”.
وأضافت أن تعرض المشردين للتمييز على أساس وضعهم السكني أو افتقارهم إلى عنوان رسمي، يؤثر على حقوقهم السياسة والاجتماعية والاقتصادية، مثل حقهم في الحصول على وظيفة والمشاركة بالانتخابات والحصول على امتيازات اجتماعية.
وبحسب المنظمة فإن الأهم من جميع ما سبق، هو أن التشرد ينتهك مبدأ الكرامة الإنسانية المنصوص عليه في المادتين 1 و 22 في الإعلان الرسمي لحقوق الإنسان، الذي تنادي به الولايات المتحدة الأمريكية.
“الجرائم التي يتورط بها المشردون تضمن التعدي على ممتلكات الغير والسرقة من المتاجر والاعتداء على سكان المنطقة وتعاطي المخدرات”.
دراسة جامعة “تكساس ساوثويسترن”
التشرد وانتشار الجريمة والإدمان
تؤكد بضع منظمات مهتمة بحقوق الإنسان، أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين التشرد والنشاط الإجرامي، حيث وجدت دراسة أن تلك الصلة سببها “حالة المتشرد النفسية”.
ووفقًا لإحصائيات شرطة “لوس أنجلوس” فإن معظم الجرائم التي يتورط فيها المشردون تصنف بالـ”عنيفة”.
وقالت دراسة أجراها المركز الطبي لجامعة “تكساس ساوثويسترن” أن الجرائم التي يتورط بها المشردون تضمن التعدي على ممتلكات الغير والسرقة من المتاجر والاعتداء على سكان المنطقة وتعاطي المخدرات، إلا أن اعتقال المشردين يؤدي إلى مزيد من الجرائم، خاصة وأن السجن يزيد صعوبة العثور على مسكن.
بينما بينت الدراسة أن عددًا من المشردين يرتكبون جرائم عن قصد، ليتم نقلهم إلى السجن، حتى يتمكنوا من النوم وتناول الطعام في مكان آمن.
من جانبه قال شون فيشر، مؤلف دراسة أجرتها جامعة نيويورك حول التشرد والجريمة: “النشاط الإجرامي ليس سمة أساسية لهؤلاء الأشخاص، وقد يكون من الأدق اعتبارهم أشخاصًا يكافحون من أجل البقاء”.
أظهرت دراسة أجرتها جامعة “شيفيلد هالام” أن نسبة مرتفعة من المشردين يتخذون قرارات يائسة للعثور على مأوى، إذ تبين أن بعض النساء المشردات يتخذن “شريكًا جنسيًّا غير مرغوب فيه” للهروب من محنتهن، بينما تتجه أخريات لممارسة الدعارة، بهدف النوم تحت سقف منزل.