حرية – (11/2/2023)
تسود حالة من “الإحباط والشك والارتياب” داخل ميلشيات “الباسيج” التابعة للحرس الثوري، وذلك بعد ما يقرب من خمسة أشهر من المظاهرات المناهضة للنظام في إيران، وفقا لتسريبات لقادة كبار في تلك المنظمة شبه العسكرية وذات النفوذ الهائل.
وأوضحت صحيفة “التايمز” البريطانية، نقلا عن مصادر، أن ما يزيد من تفاقم هذا الشعور بالإحباط هو أن رواتب عناصر تلك الميليشيات تعادل ربع ما يتقاضاه نظراؤهم في ميلشيات حزب الله اللبنانية، التي تعد أقوى وكيل لطهران في الشرق الأوسط.
وأوضحت جماعات حقوقية أن الحرس الثوري الإيراني الذي يبلغ قوامه 125 ألف شخص قد نفذ حملة قمع وحشية ضد المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 528 مدنيا وسجن وتعذيب عشرات الآلاف.
وأشارت تلك المصادر إلى أن نحو 70 عنصرا من الحرس الثوري الإيراني قد لقوا حتفهم منذ اندلاع تلك الاحتجاجات.
وتعاني إيران من الاضطرابات منذ وفاة امرأة كردية إيرانية شابة في أحد أقسام الشرطة بطهران في سبتمبر الماضي بعد أن تم احتجازها لانتهاكها قواعد الزي الصارمة للنساء.
وتعد الاحتجاجات من أقوى التحديات للجمهورية الإسلامية منذ الثورة.
“شك وارتياب”
وكشفت تسجيلات مسربة أن نائب قائد قوات الباسيج، اللواء قاسم قريشي، قد اعترف أن “قسما كبيرا من القوات الثورية في الشوارع يعاني من الشك والارتباك”.
وفي الاجتماع الذي عقد في ديسمبر، قال أحد زملاء قريشي إن الضباط كانوا “متعبين ومستائين للغاية” خاصة من الأوضاع في محافظة سيستان جنوب شرقي البلاد، والتي شهدت مقتل أكثر من 80 مصلٍّ بمدينة زهدان، في أكتوبر الماضي، بعد إطلاق النار عليهم عقب انتهاء صلاة الجمعة.
وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها “التايمز”، فإن راتب العنصر في الحرس الثوري الإيراني يعادل 300 دولار شهريا وهو نصف ما يجنيه مبرمج كمبيوتر في البلاد وأقل من راتب معلم مدرسة.
وبالمقارنة، فإن عناصر حزب الله اللبناني، وهي ميليشيات شيعية تمولها طهران ويصنفها الغرب على أنها جماعة إرهابية، يحصل العنصر فيها على أكثر من 1300 دولار كراتب شهري.
وانخفضت العملة الإيرانية بنسبة 30 في المئة منذ بدء الاضطرابات، مما زاد من مشاكل الاقتصاد الذي أصابه الشلل بالفعل بسبب سنوات من العقوبات، حيث وصلت نسبة التضخم السنوي إلى نحو 50 في المئة.
وقال مصدر إيراني لصحيفة التايمز، طالبا عدم كشف هويته خوفا على سلامته: “في حين يزداد مقاتلو حزب الله ثراء، فإن أوضاع الشعب الإيراني وصلت إلى الحضيض”.
وتابع: “هذا الفرق الهائل في الرواتب بين مسلحي حزب الله وعناصر الباسيج يعتبر مؤلما .. يشعرون بأنهم أقل قيمة في نظر قادتهم ونظامهم”.
وكان مستشار قائد الحرس الثوري، العميد حميد أبازاري، قد وبخ في كلمة له خلال الشهر الماضي كبار الضباط في المنظمة بسبب “تقصيرهم” في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية.
وقال إن كثيرين من أصحاب الرتب العليا في الحرس الثوري الإيراني “قد فشلوا في الوقوف إلى جانب قيم المرشد الأعلى علي خامنئي”.
وسرعان ما حاول النظام الإيراني أن ينأى بنفسه عن تصريحات أبازاري، مدعيا أنها كانت مجرد “آراء شخصية”.
“إمبراطورية اقتصادية هائلة”
وكانت منظمة الحرس الثوري الإيراني في العام 1979 لتوفير ثقل موازن للقوات المسلحة النظامية، بحيث تكون تابعا للمرشد الأعلى بشكل مباشر.
ويحصل عناصر الحرس على حصص غذائية مثل اللحوم والزيت والأرز ، لكن ذلك لم يوقف حالة الاستياء لدى بعض العناصر في الباسيج مما جعلهم يتقاعسون عن المشاركة في قمع الاحتجاجات بشكل قوي.
والانشقاق عن الحرس الثوري أو عصيان الأوامر، تكون عقوبته الإعدام، وفي هذا الصدد يقول الإعلامي مرتضى عباس زاده: “هؤلاء الشباب (الفقراء) كانوا يبحثون ببساطة عن وظائف مستقرة، لكن الكثير منهم لم يتخيلوا أبدا أن أوضاعهم سوف تكون هكذا”.
وأضاف: “إنهم يعيشون في مساكن منعزلة، لذا فهم يخفون ما يفعلونه حقا عن عائلاتهم، مشيرا إلى أن التحدي الرئيسي للنظام هو “الحفاظ على التماسك” داخل تلك الميليشيات.
ويملك الحرس الثوري الإيراني إمبراطورية أعمال تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، حيث انخرطت تلك المنظمة بعد انتهاء الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي في عمليات إعادة الإعمار.
كما وسعت مصالحها الاقتصادية لتشمل شبكة واسعة من الأعمال التجارية، بدءا من مشاريع النفط والغاز وصولا إلى قطاع البناء وقطاع الاتصالات، دون أن تدخل نفقاتها وأرباحها في الميزانية الرسمية للبلاد.
وقال المحلل الاقتصادي، ماراردو سورغوم، للصحيفة البريطانية: “تمويل حزب الله والأموال التي تقدم إلى النظام السوري والمليشيات في العراق لا تدخل في الميزانية وبالتالي هذه المعلومات مخفية عن الشعب الإيراني”.