حرية – (12/2/2023)
ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أنه قبل 20 سنة، شهدت بريطانيا أكبر تظاهرة في تاريخها، وشارك فيها أكثر من 1.5 مليون شخص، رفضا للحرب على العراق، مضيفة انه برغم ان هذه الاحتجاج السلمي لم يمنع الحرب، الا ان اثاره ما زالت حاضرة حتى الآن.
ونشرت الصحيفة البريطانية تقريرا؛ حول ذكرى التظاهرة التي جرت في 15 شباط/فبراير 2003، وأجرت مقابلات مع مسؤولين وصحفيين وشخصيات بريطانية، كانوا شهودا على التظاهرة، وخلصت إلى أن المتظاهرين كانوا على الجانب الصحيح من التاريخ، وهم برغم عدم اتفاقهم على كل شيء، إلا أنهم تشاركوا في الالتزام بمحاولة إسكات قرع طبول الحرب، أو على الأقل لمحاولة منح مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة مزيدا من الوقت للعثور على أسلحة الدمار الشامل التي كان يعتمد عليها خطاب رئيس الوزراء وقتها توني بلير والرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش.
ولفت التقرير؛ إلى التنوع الذي ميّز التظاهرة التي شارك فيها الاشتراكيون والفوضويون والراهبات والنساء والأطفال والجمعيات والأطباء وسكان الأرياف وغيرهم، وذلك تحت شعارات من بينها “الحب وليس الحرب”، مشيرا إلى أنه كان هناك تظاهرات مماثلة في عواصم أخرى حول العالم، والتي تعتبر ربما الحشود الأكبر في تاريخ البشرية، حيث بدأت التظاهرات في اوكلاند ثم سيدني، وانتقلت الى طوكيو ومانيلا وموسكو، وضمت ما يقدر بنحو 3 ملايين شخص في روما، و5 ملايين آخرين في المدن الاسبانية.
ونقل التقرير شهادات متنوعة عن ذلك اليوم، من بينها الممثل مارك ريلانس الذي قال ان “تدفق الغضب من الناس كان شيئا جميلا للغاية”.
كما نقل التقرير عن العراقية غادة رزوقي التي كانت تعيش في المنفى ومعارضة لنظام صدام حسين، وعملت كمندوبة نقابية في لندن لمدة 15 عاما، وشاركت في نشاط تحالف “أوقفوا الحرب”، انها حاولت التنسيق مع الشبكات الأخرى في كافة أنحاء العالم، مشيرة إلى أنها كانت تشارك في التظاهرات طوال حياتها، لكن هذه التظاهرات المليونية ضد الحرب، كانت شيئا مختلفا.
وتستذكر الناشطة العراقية انه في منتصف شهر كانون الثاني/يناير العام 2003 أدركت أن عدد الذين سيشاركون في التظاهرة الموعودة، سيتخطى النصف مليون إنسان، مشيرة إلى أنها تلقت اتصالا هاتفيا من سيدة تبلغ من العمر 80 عاما، اتصلت بها وهي تبكي لعدم قدرتها على المشاركة في المظاهرة وأنها تخطط لتستلقي بجسمها على الطريق احتجاجا.
وذكّر التقرير بالانقسامات التي كانت قائمة فيما بعد هجمات 11 ايلول/سبتمبر 2001، واصرار بلير على وقوف بريطانيا إلى جانب حليفها الأميركي، وهي انقسامات كانت ظاهرة أيضا في مكاتب تحرير وسائل الإعلام، مضيفا ان صحيفة “الأوبزرفر” كانت منقسمة حول دعم الحكومة في جهودها للحصول على تفويض من الأمم المتحدة للحرب.
وتابع أنه في سياق التخوف من مسيرة السلام الضخمة، خرج العمود الرئيسي للصحيفة البريطانية ليتحدث عن الخيار الأقل سوءا والمتمثل بالمضي على مضض إلى جانب الأغلبية في بريطانيا التي تتقبل العمل العسكري إذا كانت مدعوما من جانب مجلس الأمن الدولي”.
كما أن الصحيفة منحت مساحة لخطاب بلير الذي ألقاه في ذلك اليوم، حيث قال انه “اذا كان هناك مليون شخص في تلك المسيرة، فهذا اقل من عدد الأشخاص الذين قتلوا في الحروب التي قام بها صدام”. كما انتقد بلير المتظاهرين ضمنيا بإشارته إلى أنهم يخاطرون بالدم في حال أدت حركتهم الاحتجاجية الى بقاء صدام حسين في السلطة.
وتناول التقرير الصراعات الداخلية لدى المشاركين في التظاهرة، وتحدث عن تجربة العراقية الالمانية ناجية العلي، التي تعمل استاذة للدراسات الدولية في جامعة براون، وكانت ايضا قيادية في مجموعة نسائية عراقية تسمي نفسها “نساء ضد العقوبات والحرب على العراق”.
ونقل التقرير عن العلي قولها “كنا غير مرتاحين دائما إزاء بعض الأنشطة البريطانية المناهضة للعقوبات والحرب، حيث اعتقدنا أنها غالبا ما تتستر على الفظائع التي ارتكبها نظام صدام حسين، وانها من خلال تركيزها على الغرب الإمبريالي، كانت احيانا كثيرة اعتذارية أو تغض الطرف عن صدام”، مضيفة انه “كان لدى الناس مشاعر مختلطة بشكل كبير حتى داخل عائلتي”، حيث كان الجميع ضد العقوبات لانها اتاحت لنظام صدام السيطرة بشكل أكبر على المواطنين، إلا أنه فيما يتعلق بالغزو، فإن العائلة كانت منقسمة، حيث ان الغرب لن يحقق الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهل كان هناك خيارات أخرى؟ أم هي ما بين العقوبات وبين الديكتاتور؟
اما الكاتب الشهير فيليب ساندز فانه يشير الى تظاهرة لندن على انها غيرت حياته، ويقول “كنت هناك مع زوجتي وأطفالنا الثلاثة، وكيف طرح الأطفال الكثير من الأسئلة وهو ما ادهشني”.
كما ذكر التقرير بشهادات عن أعضاء من داخل الحكومة، ومنهم الوزير الراحل روبن كوك الذي قال هو يشاهد حشود التظاهرات العابرة، أن “عددا كبيرا منهم، على ما اعتقد لم تصوت لحزب العمال حتى أصبح طوني بلير زعيما، وربما لا يصوتون الان لحزب العمال مجددا”.
أما عضو مجلس الوزراء كلير شورت، من حزب العمال، فقد انتقدت أداء حكومة بلير وقتها وتواصل وزير الخارجية جاك سترو مع نظيره الأمريكي كولن باول، واضافت ان ما جرى “يفسر سبب انتخاب جيريمي كوربين (رئيسا لحزب العمال) حيث اراد الناس شيئا نقيا ومبدئيا، وما زالت تلك الندوب عميقة”.
وقالت شورت انه “حقيقة خوضنا الحرب أضعفت شعور الناس بأن التظاهر يمكن أن يحقق أي فرق، الا انني اعتقد انه على العكس من ذلك، فإن التظاهر جعل الحكومات حذرة للغاية من أن تتجاهلهم”. ولفتت إلى قضية فشل حكومة ديفيد كاميرون في الحصول على تفويض للمشاركة في قصف سوريا في العام 2013 كان مثالا على ذلك، حيث أن الحكومة بعدما تسببت بغضب كثيرين (تظاهرة لندن) فان السياسيين كانوا خائفين من تكرار المشاركة في حرب. وتابعت “على الأقل، هذا هو الأمل”.