حرية – (12/2/2023)
تشكيلات فنية مختلفة، بعضها عبر عن الماء، والآخر عن النور والإيمان، شكلتها أيدي فنانين عبر النقش والحفر والصقل في أحجار رملية أو من الغرانيت، اجتمعت في معرض ملتقى طويق للنحت، الذي أقيم السبت الماضي بالرياض. والآن من بعد اجتماعها تتفرق تلك التعبيرات في أنحاء مدينة الرياض، كل منها يحمل رسالة صانعه أو صانعته للجمهور الأوسع.
الأمر اللافت في معرض طويق للنحت، الذي اختتم فعالياته أول من أمس، هو قوة الموضوعات التي ماثلت قوة وصلابة الحجر، وعمقها، التي أبرزها الفنانون من خلال كتل جامدة، بعضها تم تنعيمه ليصبح أملسَ، والبعض الآخر احتفظ بخشونة طبيعية، وفي كل حالاته استطاع الحجر أن يكون موصلاً جيداً لما أراد الفنانون إيصاله للجمهور، يذكر أحد أعضاء لجنة اختيار الفنانين أن من أهم مقومات نجاح أي عمل نحتي، هو أن ينجح في عكس الفكرة والمفهوم المراد، وفي أغلب الأعمال التي طالعناها في الملتقى يمكننا القول إن الرسالة وصلت.
وخلال جولة لـ«الشرق الأوسط» عبر بعض المنحوتات، وأحاديث مع ناحتيها، نخرج بانطباعات ومشاعر مختلفة وردود فعل متنوعة من أفراد الجمهور الذين حضروا ليلة افتتاح العرض. المؤكد منها أن هناك اهتماماً متنامياً بالنحت في السعودية، ليس قادماً جديداً، ولكنه عبر طويق يعيش مرحلة جديدة من الإبداع والحضور الواثق.
زوار الملتقى أمام عمل للفنان فهد الجبرين
أولى محطات الجولة كانت مع عمل بعنوان «تموج المحيط» للفنانة ليليان بوبورنيكفا من بلغاريا، الذي يقف برفقة أعمال أخرى تتخذ من الماء موضوعاً للتعبير، يصف ماريك ويلنسكي المنسق الفني للملتقى هذا الجانب من العرض بأنه «قسم الماء».
– ليليا بوبورنيكفا: تموج المحيط
ليليا بوبورنيكفا تقف بجوار عملها تتلقى الإطراء بسعادة، وتشرح لمن يريد ما أرادت قوله عبر القطعة. «عملك يتحدث عن المحيط؟» أبدأ حديثي معها وتجيب: «هو عن المحيط وعن قوس قزح وعن جمال الطبيعة». للفنانة شغف بالطبيعة عبرت عنه من قبل بالفراشات الملونة المنحوتة في دوائر، ويظهر قوس قزح في أكثر من عمل أيضاً. ما تعبر عنه في «تموج المحيط» (وهو عبارة عن قوس منحوت من حجر الرياض) هو التواصل بين الحضارات. تشير في حديثها معي إلى أن حجر الرياض «جميل جداً، سهل الاستخدام دون أن يكون عرضة للتهشم فهو مستقر جداً». تشير إلى التدرجات اللونية الواضحة على القوس قائلة إنها أخذت وقتها وهي «تلعب» بالأشكال: «قمت بصقل بعض الأماكن لأخرج ألواناً مختلفة». تصف تجربة الاشتراك في ملتقى طويق بأنها «تجربة جميلة»، أما المكان حولها فقد ألهمها الكثير: «هو مكان جميل جداً ومتفرد». تتحدث بانبهار عن الضوء الصافي الذي لا تحجبه غيوم: «كل صباح أحرص على الاستيقاظ قبل شروق الشمس وأجلس لمراقبة ذلك المشهد البديع، خاصة أن المساحات مفتوحة». تترك الرياض وفي قلبها أمنية بالعودة، وإحساس بالسعادة أن عملها سيعرض في العاصمة السعودية.
{حجارة المطر} لروب جود
– يانيك روبرت: عندما تمطر
في عمله «عندما تمطر» يصور الفنان الفرنسي يانيك روبرت لحظة سقوط قطرة المطر، تبرز في محيطها الحجري وهي تتحدر ببطء، وقليلاً قليلاً تستجمع قوة وشكلاً. المنحوتة موضوعة على قاعدة من الغرانيت، وتتجه عبر خطها النحيل إلى السماء كأنما تشير إلى منشأها، حيث تتقابل القوى الطبيعية، لتتصادم وتتفاعل مع بعضها بعضاً. وفق الفنان: «لقاء القوى المضادة يخلق المطر الذي يملك القدرة على نحت نقوشنا وإثراء محيطاتنا».
– روب جود: حجارة المطر
عمل الفنان روب جود «حجارة المطر» من الأعمال التي تفاعل معها الجمهور بشكل كبير، حيث تمثل سحابات متداخلة تفصل بينها ممرات ضيقة. وبجانب الاستمتاع بتشكلاتها الفنية الجميلة بصرياً، أثارت القطعة الرغبة في الكثيرين لاعتلائها والمرور داخل طبقات العمل، مثَّل العمل اللقطة التصويرية المثلى أيضاً، وبدا واضحاً أن العلاقة ما بين الجمهور والعمل ستعتمد على التفاعل الذاتي والتواصل. في «حجارة المطر» نحت الفنان ثلاثة ألواح عريضة من الغرانيت باللون البيج، لتمثل صفائح واسعة من السحب المتداخلة والمتفاعلة لخلق حضور زمني رائع. ثُبتت المنحوتة عمودياً على قاعدة من الغرانيت الداكن مع مقاعد مدمجة، وقياساً على استقبال جمهور الملتقى لها، فمن المتوقع أن يصبح هذا العمل نقطة محورية للمدينة، مما سيخلق مساحة للتفاعل الاجتماعي والتأمل الهادئ.
{انتشار} لسيلفان بات
– خوسيه ميلان: تفاهم
عمل للفنان الإسباني خوسيه ميلان، الذي يحمل عنوان «تفاهم» من الأعمال التي توقف عندها الكثيرون. ممتع جداً الدوران حول عمل ميلان، فهو يتخذ شكلاً مغايراً في كل جهة. صنع عمله من الغرانيت وعبر من خلاله عن الصمت والفهم والتفاهم، عناصر من التواصل البشري، التي تسمو بالإنسان مثلما تسمو كتل الحجر الغرانيتي أمامنا بكل أناقة ورفعة. يقول إن عمله يقدم تصوراً عن «كيف يمكن للأضداد أن تتفاعل، كيف يمكن أن تضع أربعة عناصر في مكان واحد لتعكس فكرة تواصل الأضداد. تتقابل الكتل الحجرية أمامنا، تفصل بينها مساحات طفيفة ولكنها ترتكز على نقطة محددة، ومع انحناءاتها تجاه بعضها بعضاً وتفرقها تظهر مساحة داخلية مربعة» يقول إنها تمثل: «الصمت وهو أمر أساسي ليستطيع الإنسان فهم غيره، يجب أن يسمع له أولاً». يعترف أن مادته المختارة للتعبير عن هذا المفهوم، وهي الغرانيت «ثقيلة جداً»، ولكنه استطاع ترويضها «بالنسبة لي من المهم تغيير ذلك التصور، بالنسبة لي تبدو القطعة خفيفة وطائرة»
– سيلفان بات: انتشار
الفنان البلجيكي سيلفان بات اختار المزج بين حجر الرياض والغرانيت في عمله المعنون «انتشار»، عمل منساب يحتوي قطعاً طويلة من الحجر، تنتظم سوياً في أماكن وتطل بأطرافها في أماكن أخرى. يحاول الفنان عبر التكوين المثير للتأمل احتواء المشاعر المشبعة بالحرية والتناقضات. يتلقى الفنان الأسئلة حول عمله، ويشير إلى اختلاف ملمس وشكل الحجر في مناطق وإلى قطع الغرانيت، التي تبرز حادة في مناطق أخرى. يقول إنه يستخدم النحت كاستعارة للتوازن والتناغم بين الطبيعة وعمل الإنسان.
– آنا ماريا نيغارا: بوابة النور
استوحت الفنانة عملها من الكتابات الموجودة في القرآن الكريم، وتمثل البوابة الضوءَ، الذي يهدي ويرشد كل إنسان. تخلق المنحوتة ارتباطاً ديناميكياً متناسقاً بين الطبيعة والتكنولوجيا والفلسفة والفن.تقول لي إنها استوحت عملها من سورة النور في القرآن، وخاصة الآية «الله نور السماوات والأرض»، ورداً على سؤالي إذا ما كانت تتحدث العربية أجابت بالنفي، مضيفة أنها لطالما أعجبت بالحرف العربي ولها أصدقاء يفسرون لها ما يستعصي عليها. وترجع سبب افتنانها بالحرف العربي لزياراتها المتكررة لمصر في طفولتها وأصدقائها هناك الذين شجعوها على استكشاف الخط العربي في أعمالها الفنية. تشير إلى أن العمل يعكس لحظات الشروق والغروب بشكل جمالي بديع، وأن الكثيرين من الزوار حرصوا على التقاط الصور لهم، مستغلين تلك اللحظات من الضياء.
{بوابة النور} لآنا ماريا نيغارا (الفنانة) – {تمكين – 2023} لمحمد الثقفي
– وفاء القنيبط: تناغم
تهتم الفنانة السعودية وفاء القنيبط بتوثيق أسماء الله الحسنى عبر النحت، وفي هذا العمل تناولت كلمة «السميع»، وشكلت بالحجر معنى الكلمة. وفي عملها الذي يتميز بالانسيابية حفرت الكلمة على هيئة الأذن، التي تحتضن الكلمات. تقول إنها أرادت عكس تناغم الحرف العربي بليونته وعمقه مع قساوة الكتلة الحجرية. تقول في تعريفها للعمل إن «نعومة الحرف العربي تتموج داخل صلابة وقوة الغرانيت». تتحدث معي عن عملها «أنا يهمني أوثق أسماء الله نحتياً، فهذه كلمة (السميع)، تشبه في تكوينها شكل الأذن، أحرص على أن تكون الصفة تحمل شكلها، وصورتها». ترى القنيبط أن تشكيل الحجر يحمل إحساساً عميقاً: «عندما أعمل مع الطبيعة أحس بروحانية عالية». ورغم أنها شكلت عملها بالحجر فإنها عادة ما تعمل بالمعادن، مشيرة إلى أنها تجد متعة في تشكيلها بالنار.
{نقاط مستمرة} لطلال الطخيس
– رجاء الشافعي: لنزهر معاً
الفنانة السعودية رجاء الشافعي تفخر بأنها علمت نفسها فن النحت، أحبت فن الرسم وتفوقت فيه، ولكن النحت شدها لتعلمه، لتعبر من خلاله عن أفكار لا يمكن لغير الحجر إيصالها.
تشير إلى أن عملها الذي يحمل عنوان «لنزهر سوياً» يحاول التفاعل مع الموضوع العام للملتقى هذا العام، وعبرت عن ذلك بطريقتها الخاصة: «فكرة السمبوزيوم هذا العام هي عن الانسجام، عبرت عنها عبر التناغم بين الأزواج، أرى أن كل طرف يدخل في العلاقة وله آماله وأحلامه ولا يجب أن يتخلى أي طرف عن ذلك. يجب أن يدعم كل طرف الآخر، وإذا تم ذلك ستكون علاقة ناجحة وستمد جذورها». تشير للمنحوتة بينما تتحدث، تنقسم القطعة لجزأين يربط بينهما شريط حجري. الجزء العلوي يمثل زوجين، كتلتين من الحجر الأملس ترتبط فيما بينها برباط وثيق، في الجزء الأسفل والمصنوع من الغرانيت يرتبط بالجزء الأول عبر شريط من الحجر يبدو كامتداد للكتل العلوية. «كونت هذا العمل على تصور شخصين يعانقان بعضهما بعضاً والجزء الأسفل ليس فقط قاعدة، بل هو أيضاً جزء هام من المنحوتة». تعلق على استخدام الغرانيت وحجر الرياض في عملها «عادة أستخدم الرخام في نحت أعمالي، وهي المرة الأولى، التي أستخدم الغرانيت أو الحجر الرملي سهل العمل، ولكنه مثير للغبار (تضحك) مقارنة بالرخام بالطبع، كنت أيضا متحمسة لتجربة الغرانيت واستمتعت بالعمل». تصف رجاء الشافعي تجربة عمل الفنانين الآخرين في الملتقى بأنها «حلقة دراسية كبيرة» وتضيف: «كنت مشاركة في الدورة الماضية وأردت العودة للاستفادة من النحاتين القادمين من بلدان مختلفة. نتناقش طوال الوقت، فنحن نعيش في المكان نفسه نتحدث عن أنواع الحجر، المعدات وغيرها». تشعر رجاء الشافعي بأن منحوتاتها ستعرف الناس بها لأجيال قادمة: «أشعر بالحماس أن عملي سيظل بعدي على هذه الأرض وأن الناس سيعرفونني من خلاله».
– محمد الثقفي: تمكين، 2023
رمز عنوان عمل محمد الثقفي إلى مستقبل المرأة المليء بالتفاؤل والتغيير، ويشير عمله إلى تفاصيل هندسية تشير إلى التراث والثقافة، حيث خطت المرأة في المملكة العربية السعودية خطوات كبيرة نحو التمكين في السنوات الأخيرة. وساعدت «رؤية 2030» في تمهيد الطريق نحو وصول المرأة السعودية إلى مناصب قيادية على المستويين المحلي والدولي. ويمثل العمل توازناً من حيث دور المرأة والرجل في المجتمع.