حرية – (12/2/2023)
يحتاج جهاز المناعة النفسي إلى تقوية يومية. يجب علينا تدريب دفاعاتنا العقلية لمواجهة المحن والشدائد بشكل أفضل، والتغلب على فيروسات اليأس وتلك “البكتيريا” التي تجلب لنا السلبية.
لدينا جميعًا جهاز مناعة نفسي. البعض منا له جهاز مناعة ضعيف إلى حد ما، بالتالي لا يمكننا التعامل بشكل مناسب مع كل “مسببات الأمراض” التي نواجهها في حياتنا اليومية. الإجهاد وفيروسات العلاقات المرهقة وتأثير الشدائد عناصر يستخدمها هذا الكيان في دماغنا لحمايتنا منها.
لكن هل يملك الكائن البشري حقًا نظامًا مشابهًا لهذه المجموعة من الأنسجة والأعضاء المسؤولة عن حمايتنا من المستضدات، ليس بالضبط، في الواقع إنها آلية أكثر روعة وغير معروفة لدى معظم الناس.
غالبًا ما يستخف الإنسان بقدرته الهائلة على مواجهة الشدائد والمحن والعواصف الانفعالية التي كثيرًا ما ينغمس فيها
الدكتور دان جيلبرت من جامعة هارفارد وعالم النفس الاجتماعي تيموثي ويلسون من جامعة فيرجينيا هما اللذان شرحا لنا في 2001 حقيقة مذهلة.
وغالبًا ما يستخف الإنسان بقدرته الهائلة على مواجهة الشدائد والمحن والعواصف الانفعالية التي كثيرًا ما ينغمس فيها. ففيما وراء ما قد نعتقده هناك محرك فطري لكنه معطّل يمكن أن يساعدنا في مواجهة الصعوبات بقدر أكبر من الفاعلية مما نعتقد.
وجود كامن
لا يمتلك جهاز المناعة النفسي ركنًا محددًا في الدماغ، لكنه موجود دومًا وُجودًا كامنًا. هذه هي الآلية التي يمكننا من خلالها التغلب على أكثر الأحداث لفتًا للنظر وأيضًا على النكسات اليومية الصغيرة. لكن، كما هي الحال مع دفاعاتنا فإننا نمرّ أحيانًا بفترات متفاوتة من الضعف والوهن.
فضلا عن ذلك، ففي بعض الأحيان مجرد العيش في بيئات سلبية وقمعية يصيبنا بالمرض ويُضعف جهاز المناعة هذا، يقول الفيلسوف فريدريش فون شيلر: “في الشدائد الكبرى تتعلم كل روح نبيلة كيف تعرف نفسها بشكل أفضل”.
مجرد العيش في بيئات سلبية وقمعية يصيبنا بالمرض ويُضعف جهاز المناعة.
مكوّنات جهاز المناعة النفسي
يرتبط جهاز المناعة النفسي ارتباطًا مباشرًا بالمرونة والمقاومة. لذلك فإن الشيء الوحيد الذي غالبًا ما يلفت انتباهنا هو كيف يتمكن بعض الأشخاص من التعافي من حدث صادم بشكل أسرع من غيرهم. إنه شيء نحترمه ولا نفهمه دائمًا. إذ نتساءل كيف يتعافون بسهولة، لماذا يتصرف بعض الناس بمرونة أكبر والبعض الآخر لا يتمتع بهذه المقاومة النفسية.
قام كارلوس أوسوريو، عالم الأعصاب في كينجز كوليدج بلندن، بدراسة في 2016 لمحاولة فهم كيف تبدو أدمغة الأشخاص المَرنِين المقاومين. وتأكد أنّ مقاومة الشدائد ترتبط في معظم الحالات بأصل وراثي. ما يمكننا رؤيته هو أن هذا النوع من الشخصيات يدير التوتر بشكل أفضل. وهكذا وبفضل سلسلة من العمليات الكيميائية العصبية ينظمون مستوى الكورتيزول في الدم بشكل أكثر فاعلية.
من ناحية أخرى، بالإضافة إلى العوامل الوراثية هناك عوامل نفسية لا شك فيها. يمتلك بعض الأشخاص المزيد من موارد وإستراتيجيات المواجهة لتنظيم القلق، ووضع حدود، والعمل على الرفاه الانفعالي، والتعامل بشكل أساسي مع الصعوبات اليومية. ترتبط كل هذه العمليات ارتباطًا مباشرًا بما يُعرّفه علماءُ النفس العصبي بـ “جهاز المناعة النفسي”.
وحسب تقرير نشره موقع nospensees ، نلقي الآن نظرة على الدفاعين اللذين يشكلان هذه الآلية.
الدفاعات النفسية لمواجهة التوتر
الغرض الأساسي من جهاز المناعة النفسي هو حمايتنا من آثار الإجهاد النفسي. إذا تمكنا من التخفيف من تأثيره بشكل يومي فسنكتسب الكثير من حيث الرفاه النفسي وجودة الحياة.
• بينما يحمينا الجهاز المناعي العضوي من مسببات الأمراض المختلفة فإنّ النظام المناعي النفسي يضع حواجز دفاعية ضد المخاوف والهموم والضربات غير المتوقعة التي تغير توازننا الانفعالي.
• الأمر ليس مسألة “مناعة” ضد المعاناة بل هو معرفة كيفية استيعابها وإدارتها وقبولها وفهمها وتحويلها .
• دور جهاز المناعة النفسي يُعَقْلِن، أي أنه يُخضع الأمورَ للمنطق العقلي. وهذا يعني عدم السماح للنفس بأن تكون حبيسة داخل انفعالية سلبية ومعطلة. أي عدم تعزيز الأفكار اللاعقلانية. كما إنّ دور جهاز المناعة النفسي ينطوي على استخدام عقلية النمو وليس الركود.
احترام الذات أفضل نظام دفاعنا النفسي
هناك عنصر آخر يدمج جهاز المناعة النفسي ألا وهو احترام الذات. تظهر لنا دراسات مثل تلك التي أجرتها بياتريس بالغيو، من جامعة بوخارست، هذه العلاقة المثيرة للاهتمام. وبالتالي فإنّ التمتع بتقدير ذاتي قوي وصحي له تأثير على شخصيتنا وعلى قدرتنا على المقاومة والصمود.
• هذا البعد النفسي يجعلنا أكثر وضوحًا للعالم وحتى لأنفسنا. إنه أكثر من مجرد تصور إيجابي للذات.
• قبل كل شيء هذا يعني الشعور بالقدرة والشجاعة الكافية لمواجهة الصعوبات.
• كما إنه يساعدنا على وضع حدود لحماية أنفسنا ومعرفة كيفية قول “لا”، وقول “نعم” بقناعة كافية فيما يتعلق بما يجعلنا نشعر بالرضا.
كيف يمكننا تقوية جهازنا المناعي النفسي
كما أشرنا سابقًا هناك أناس وُلِدوا ومعهم هذه الآلية الرائعة. ومع ذلك، في حالات أخرى، نجد عوامل مثل الطفولة تعرضت لصدمة نفسية، أو بيئة اجتماعية محرومة تجعل شخصيتنا ليست مقاومة كما نتمنى.
لكنَّ هناك أملا. لدينا جميعًا إمكانات كامنة استثنائية، وقوة فطرية تنتظر مَن يوقظها. لذلك، مثلما نعتني بأنفسنا بشكل يومي لتقوية دفاعاتنا الطبيعية يمكننا أن نفعل الشيء نفسه مع دفاعاتنا النفسية.
النظام المناعي النفسي يضع حواجز دفاعية ضد المخاوف والهموم والضربات غير المتوقعة التي تغير توازننا الانفعالي.
فيما يأتي بعض الإستراتيجيات.
مفاتيح لتقوية جهازنا المناعي النفسي
مِن الكتب الموصى بها بشدة “للتمرّن” ورؤية نتاج هذه القوة هو كتاب فيكتور فرانكل “البحث عن معنى الإنسان”، لذا فإنّ إحدى الخطوات الأولى التي يتعيّن علينا العمل عليها هي بالضبط هذا البعد، البحث عن هدف، وإيجاد معنى في الحياة، ودافع، وسلسلة من القيم.
• في الخطوة الثانية يتعلق الأمر بلا شك بمسألة جلب المزيد من المقاومة والحيوية لتقديرنا لذاتنا. في هذه الحالة يمكن أن يكون العلاج النفسي مفيدًا جدًا.
• العامل الثالث هو العمل على العقلانية والانتباه والنهج الإيجابي. إنّ التحكم في أفكارك، ومعرفة المكان الذي يجب أن تضع فيه انتباهك، والحرص على عدم الانغماس في السلبية أمرٌ ضروري للصحة النفسية وهو ضروري للغاية. في هذه الحالة يمكن أن تساعدنا ممارسة رياضة التأمل.
أخيرًا هناك إستراتيجية تغذي كل تقدم ألا وهي الإبداع. غالبًا ما يتم تخفيف الصعوبات عن طريق حلول أصلية. الاستجابات الإبداعية تفتح الأبواب. فهي تساعدنا على الخروج من البيئات الضارة، ومن الأوضاع السلبية التي تحفز انتكاسنا كأشخاص. لذلك فإنّ الابتكار وخلق فرص جديدة والاستفادة منها تسهّل تطوّرنا ونموّنا وازدهارنا.
في الختام نقول بعد أن علمنا الآن أنّ لدينا جميعًا نظام مناعة نفسيا فلنعمل عليه ونفعّله. فعلينا أن نعتني به بشكل يومي ونقوي هذا البعد الاستثنائي.