حرية – (13/2/2023)
يبدأ العمل منذ أول خيط الفجر”.. بهذا الوقت يبدأ عمل حرية (45) عاما، التي تقطن في قضاء الهارثة القريب من معمل الورق في محافظة البصرة هي وعائلتها المكونة من 9 أفراد، وتعمل في صناعة أدوات منزلية او زراعية من سعف النخيل أو الخوص وتقضي فيه معظم نهارها بعد ان تكمل أعمالها المنزلية.
وتعد الصناعات من الخوص من أقدم المهن الجنوبية وأكثرها انتشارًا حتى نهاية القرن التاسع عشر، إلا أنها بدأت في السنوات الاخيرة بالانحسار جراء التوجه إلى المصنوعات المنزلية المستوردة.
والخوص هو الورق الذي يظهر على سعف النخيل واستخدم قديمًا في صناعة الكثير من مستلزمات الحياة فرافقت المهنة النخيل ومنذ 10 آلاف عام قبل الميلاد كما يرى الخبير الاثاري عامر عبدالرزاق.
ابا عن جد
حرية، وهي ام لـ7 اولاد، تمتهن صناعة الخوص منذ نعومة أظافرها، تحدثت قائلة: “تعلمت صناعات الخوص وكل ما يحتاجه منزلي ومنزل المحيطين بي من الخوص وهي حرفة اتقنتها منذ ان كان عمري 12 عاما اي قبل زواجي بعامين عن طريق جدتي التي كانت تقصد تعليمي كيفية جمع الخوص وغسله وتقسيمه كل حسب الاستخدام من بستان العائلة الذي يعمل فيه والدي وإخوتي بالزراعة”.
وتكمل ” بدأت مصنوعاتي تتطور شيئا فشيئا حتى أصبحت سريعة بالانتاج واستطيع اكمال عدة مكانس يدوية في اليوم الواحد مثلا بعد ان كنت استغرق في عملها يومين او اكثر في البدايات، وتبدأ العملية بجمع الخوص عن طريق خرطه من السعف، وتقسيمه ووضعه تحت الشمس ليومين أو ثلاثة، ثم ينقع بالماء لساعات عدة ليصبح جاهزًا للاستعمال، كما ونستخدم معه الملونات الغذائية والتي افضل منها الاحمر والاصفر والاخضر لتلوين المصنوعات وبعد اكمالها اعمد الى توزيعها على المنطقة كل حسب طلبه أي انها هواية ومهنة تدر المال في الوقت ذاته غير انها بسيطة الدخل حيث لا يتجاوز شهريا حاجز الـ 200 الف دينار عراقي”.
وتتابع: “من أبرز الأدوات المصنوعة من الخوص هي الزبيل وهو آنية دائرية الشكل تستخدم لحمل المواد على الرأس أو باليد والطبك ويستخدم لجمع الخبز والمروحة اليدوية والحلانة لكبس التمور وحفظها والسفرة وهي فراش دائري يفرش على الأرض ويوضع فوقه الطعام”.
تأريخ المهنة
الخبير الاثاري عامر عبد الرزاق بين أن الصناعات اليدوية من الخوص ترتبط بالحضارات القديمة قائلا في حديثة له إن “سعف النخيل وجد في الألواح المسمارية والاختام الاسطوانية والثقافات السومرية والبابلية أي ان النخلة ارتبطت بالحضارة قبل 10 الاف قبل الميلاد ولهذا استعملها السومريين ووظف كل مافيها لخدمة الانسان مثل تمرها وسعفها في صناعات مختلفة ومنها بدأت الصناعات من الخوص التي تعد امتدادا للحضارات القديمة.
فرص اقتصادية
الخبير الاقتصادي دريد العنزي اكد أن الصناعات الصغيرة هذه تحتل مكانة قوية بالاقتصاد في أي دولة كانت خاصة وأنها تختص بتشغيل مختلف الاشخاص ومنهم الفاقدين لوسائل العمل أو للقدرة عليها.
وأوضح أن “الصناعات من الخوص تعد من أهم الصناعات لكون موادها الاولية لا تتآكل او تتلف بوقت قصير كما وتوفر عنصر الجمالية خاصة خلال استخدامها في تزيين المراكز التجارية المختلفة نتيجة الوانها او ترتيباتها الصديقة للعين”.
وزاد “نحتاج الى قوانين داعمة لتسويق الصناعات اليدوية وتوفير معارض فنية تساهم بتحريك سوق الصناعات هذه وتشجيع انخراط النساء في سوق العمل مهما كان مستواها التعليمي وتوفير وسائل لتطوير الصناعات اليدوية الى مستويات أفضل باعتبارها مصدر دخل لشرائح كثيرة في المناطق البعيدة عن مراكز المدن”.