حرية – (14/2/2023)
غالباً ما تثير مخلّفات الكوارث الطبيعية مثل كارثة زلزال تركيا وسوريا المدمّر، مشاعر الملايين من الناس الذين يبدون ردة فعلٍ عاطفية، وتتدفق أحاسيسهم تجاه الضحايا ويتفاعلون بحزن وألمٍ مع الضحايا، ولكن مع استمرار التفاعل وتكرار الأزمات والصدمات يعاني الكثيرون من تبلد المشاعر، فيصبح بعضهم غير متأثرٍ بما يدور حوله، ورغم أن بعض هذه الحالات قد تكون عادية، إلا أنها قد تكون مؤشراً على حالة غير طبيعية، لأن الطبيعي أن تكون للإنسان ردة فعل على ما يحيط به، وألا يتسم سلوكه باللامبالاة وعدم الاهتمام وغياب المشاعر والانفعال، وهو ما يعرف بتبلد المشاعر.
أثناء هذه الكوارث، قد يكون رجال الإنقاذ أكثر الأشخاص المعرضين لهذا الحالة النفسية، بحكم أن هؤلاء موجودون على رأس الجبهة أثناء الكوارث، ومعرضون دوماً للضغوط العاطفية والمهنية، فمع كلّ لحظة ينجح فيها رجال الإنقاذ في انتشال جثث الضحايا أو العثور على ناجين، تزيد احتمالية إصابتهم بما يسمى بتبلد المشاعر بسبب اضطراب ما بعد الصدمة الذي لا تقتصر آثاره على الضحايا فقط.
ما هو تبلد المشاعر؟
يُعرف تبلد المشاعر أو ما يعبّر عنه أيضاً بـ”التراجع العاطفي”، بعدم تأثّر الفرد بما يدور حوله، وهو مؤشر على حالة نفسية غير طبيعية يمر بها الإنسان.
ويعدّ التعرض للصدمات السبب الأساسي للإصابة بهذه الحالة النفسية، إذ يصاب الشخص المتعرض لصدمة، يصاب بالتراجع العاطفي وتبلد المشاعر بعد الصدمة، وهو ما يُعَد حيلة دفاعية ضد الصدمة نفسها.
ووفقاً لموقع healthline الطبي، فإن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى التراجع العاطفي، من الوصفات الطبية النفسية وتعاطي المخدرات وبعض اضطرابات الصحة العقلية.
وبحسب المختصين، فإن تبلد المشاعر ليس مرضاً أو اضطراباً نفسياً، بل يصنف على أنه من الأعراض المصاحبة أو الناتجة عن اضطرابات نفسية مثل الفصام والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة وتداعيات الإدمان على المخدرات.
أعراض تبلد المشاعر
قد يترافق مع “التراجع العاطفي” بعض الأعراض، منها:
– غياب أي شعور بالسعادة أو الحزن
– الأرق
– صعوبة التواصل مع الناس وصعوبة تكوين العلاقات الاجتماعية والحفاظ عليها
– الشعور بالإعياء
– صعوبة الشعور بالحب أو المودة تجاه النفس أو الآخرين
– اللامبالاة
– صعوبة التركيز
– النسيان
– إتيان تصرفات متهورة أو إيذاء النفس (من أجل الشعور بشيء ما)
– فقدان الدافع للإنتاجية
كيف تتبلد المشاعر عند رجال الإنقاذ؟
لا تقتصر الآثار السلبية للكوارث على الناجين فقط، فحتى رجال البحث والإنقاذ قد يعانون بهذه التأثيرات، إذ يتعرض رجال الإنقاذ لضغوط عاطفية دائمة أثناء عملهم للوصول إلى الضحايا، حيث يواجهون أحداثاً مهمة ومؤلمة، إضافةً إلى ضغوط مزمنة مرتبطة بالعمل، وبالتالي يبدو أن تنظيم المشاعر السلبية لدى رجال الإنقاذ أمر بالغ الأهمية لتحمل الضغط المرتبط بالعمل، وتجنّب السقوط في فخ تبلّد المشاعر.
فمع تكرار التعرض للصدمات النفسية الناجمة من التعامل مع الضحايا، من انتشالٍ للجثث وتعامل مع الضحايا، يكون رجال الإنقاذ معرضين إلى الإصابة بتبلّد المشاعر والتراجع العاطفي.
إذ إنّ الخبرة والتدريب على ما يبدو لا يجعلان عمال الإنقاذ محصنين ضد عواقب هذه الكوارث النفسية، فبحسب دراسة نشرت سنة 2007، حول تأثير الكارثة على صحة عمال الإنقاذ، فإنّ العديد من المشكلات الصحية والنفسية لرجال الإنقاذ تظهر فور وقوع الكارثة، وقد تستمر لسنوات، في حين أنّ بعض الآثار المتعلقة بالكوارث مثل تبلد المشاعر قد لا تظهر إلا بعد عام أو أكثر من وقوع الحدث، وأشارت الدراسة أنّ اضطراب ما بعد الصدمة كان أكثر الأمراض النفسية شيوعاً بين رجال في الكوارث، وهو أحد المسببات لظاهرة تبلد المشاعر.
ورغم ذلك، لا يؤثر تكرار الصدمات بشكلٍ كبير على مشاعر رجال الإنقاذ والبحث، رغم الكمّ الكبير من الصدمات النفسية التي يتلقونها في كلّ لحظة أثناء تعاملهم مع الكوارث.
ففي إحدى حالات عمليات الإنقاذ التي تقوم بها فرق البحث والإنقاذ الدولية، انتشر مقطع فيديو لرجل إنقاذ جزائري وهو يذرف الدموع بعد إنقاذه لطفل تركي من الأنقاض، وهو الأمر نفسه الذي حدث مع ضابط كوماندوز تركي بعد إنقاذ أسرة تركية من تحت أنقاض منزل منهار في ولاية هاتاي، وهي حالاتٌ لرجال الإنقاذ الذين لم يستطيعوا إخفاء أحاسيسهم ومشاعرهم أثناء أداء مهامهم.
طريقة علاج تبلد المشاعر بعد الصدمة
التراجع العاطفي هو عرضٌ مزعج له عدة أسباب محتملة، لذا قد يساعد علاج الأسباب الكامنة وراء التبلد المشاعر في تقليل شدته وتواتره في حياتك اليومية، سواء من خلال العلاج النفسي الدوائي (Psychopharmacology) أم العلاج النفسي الكلامي (Psychotherapy).
ورغم أنّ الاختصاصيين ينصحون بالتوجه إلى اختصاصي رعاية صحية عقلية مرخص، إلّا أنّ هناك أساليب فردية قد تساعد في علاج تبلد المشاعر مثل التنشيط الحسّي، من خلال تنشيط حاسة اللمس بمداعبة الحيوانات الأليفة أو الاستحمام بمياه باردة، وتنشيط حاسة الذوق وحاسة الشم من خلال تناول الأطعمة الحارّة أو المتبّلة جيداً.
ويوصي أيضاً بضرورة تنشيط حاسة السمع من خلال سماع الموسيقى الحماسية أو الصاخبة، ومواصلة العمل والإنتاج، على الرغم من الخمول أو الكسل أو فقدان الدافع، ومواصلة تنفيذ الأنشطة الممتعة على الرغم من عدم الإحساس بالمتعة، والحرص على التواصل الاجتماعي على الرغم من عدم الرغبة بذلك، والانضمام إلى مجموعات الدعم النفسي.
تجدر الإشارة إلى أنّ العلاج من أعراض تبلد المشاعر قد يحتاج وقتاً لترى آثاره.