حرية – (14/2/2023)
ألين الحاج
لم يعد خافياً على أحد، داخل وخارج العراق أن أخطبوط الفساد يُحكم قبضته على مفاصل الدولة منذ عشرات السنين ويستنزف مواردها كما طاقتها على المضي قدماً في عملية إصلاح التزمت بإتمامها منذ انطلاق الثورة. وأمام هذا الواقع، شكّل إعلان هيئة النزاهة الاتحادية العراقية الاثنين عن تسعين أمر قبض واستقدام بحقِّ كبار المسؤولين وذوي الدرجات العليا، تحدياً لمدى جدية المبادرة ونجاحها في إنتشال البلد من وحول الفساد وفصوله المتتالية.
أوامر القبض طالت أعضاء حاليين وسابقين في مجلس النواب ووزراء حاليين وسابقين إضافةً إلى وكلاء حاليّين وسابقين ومُحافظين حاليين وسابقين، ومديرين عامِّين حاليّين وسابقين خلال شهر يناير/كانون الثاني.
مهمة شبه مستحيلة
وحوّلت الانقسامات السياسية وتعدد الولاءات في البلاد عملية الإطاحة برؤوس الفساد إلى مهمة شبه مستحيلة، في تحدٍ سافر للثورة، كما عكست عجز الدولة عن تحقيق التزاماتها الدولية في مكافحة الآفة المتجذرة فيها وإرساء الشفافية، حيث أعلنت مندوبة الأمم المتحدة لدى العراق جينين بلاسخارت العام الماضي أن “الفساد سمة أساسية في الاقتصاد السياسي في العراق، وأصبح جزءاً من المعاملات اليومية” مضيفة أن “المصالح الحزبية والخاصة تُبعد الموارد عن استثمارات مهمة في التنمية الوطنية”.
وكانت حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، وضعت هذا الملف الحساس على قائمة اهتماماتها عندما شكلت لجنة عليا لمكافحة الفساد في أغسطس/آب عام 2020.
معارك وهمية
لم يجد المحلل السياسي العراقي داوود الحلفي في الأوامر التسعين التي صدرت من قبل هيئة النزاهة العراقية سوى “فقاعة إعلامية لإرضاء الأميركيين والمجتمع الدولي وكل من يراقب أداء النظام السياسي في مكافحة الفساد والفاسدين”.
ورجح الحلفي في حديث له , أن تكون الأوامر القضائية “استهدفت من لا ناصر له في العمل السياسي ولا قوة سياسية نيابية تسانده” بعد أن استثنت “كبار الفاسدين ممن تلوثت أيديهم في أموال العراقيين والموجودين في مراكز مسؤولية وقيادية في الدولة” مع تأكيده أنهم “يحمون أتباعهم ومن ينفذون عنهم أعمال فساد”.
ونفى بالتالي احتمال إجراء أي محاسبة جدية “إنها معارك قضائية وهمية لأننا لم نشاهد يوماً أي محاسبة لسياسي كبير في السابق”.
على أنه تمنى أن تنجح المواثيق الدولية قريباً في حماية الدولة العراقية “من العصابات الاجرامية الفاسدة التي تتحكم بالبلد إن بشكل علني أو غير علني وأن نشهد على قيام نظام سياسي يلتزم بالمواثيق الدولية لقيادة أبناء البلد والمحافظة على خيراتهم”.
خطوة ناقصة
بدوره أشار الكاتب والصحافي أحمد الحمداني إلى أن “خطوة هيئة النزاهة ناقصة” معتبراً أنها “ليست بالحجم المطلوب لكونها استهدفت الأدوات ولم تتخذ إجراءات جدية بحق الرؤوس المخططة والمنغمسة في الفساد”.
وأضاف “خلال عشرين سنة اكتشفنا أن ما من أحد يمكنه إيقاف آفة الفساد بشكل قوي لأن الجميع مشاركون فيها” معتبراً أنه “كان يجدر باللجنة التوسع في اتهاماتها لتشمل رؤساء الأحزاب خصوصاً تلك المسيطرة وتضغط بهذا الاتجاه عوضاً عن الاكتفاء بإصدار أوامر في حق عدد من النواب السابقين والحاليين وبعض الوزراء والمدراء العامين فقط” لافتاً إلى أن عدد الأوامر التسعين ليس سوى مجرد رقم بينما “العبرة في التنفيذ”.
حرية حكومة الكاظمي
في المقابل، أكد الحمداني أن “التحقيقات خلال حكومة الكاظمي اتسمت بالجدية لأن الكاظمي لا ينتمي إلى حزب سياسي يقيّد حركته بل لديه علاقات سياسية بالتالي حظي بهامش حرية أوسع”.
على خطى مانديلا
من جهة ثانية رأى الحمداني أن الحل الأمثل لمشكلة العراق المستعصية يكمن في “جلسة مصالحة ومصارحة بين كافة مكوناته السياسية لتبيان كافة التجاوزات والحد من الولاءات الخارجية” وذلك أسوة بما فعله مانديلا للنهوض ببلده مجدداً.