حرية – (16/2/2023)
تتكشف خفايا الحرب على العراق والمخطط الموضوع مسبقا لغزو العراق رغم استجابة النظام البائد لمهمة ” يونيسكوم” في تفكيك برنامج الأسلحة العراقي فيما تشير التسريبات إلى فشل الدبلوماسية الدولية في منع بوش الابن الذي كان مصمما على اطلاق صراع غير قانوني لايزال صدى عواقبه يتردد الى الآن.
كشف المفتش السابق عن أسلحة الدمار الشامل العراقية في الأمم المتحدة، رولف إيكيوس، أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش “تعمدت” إفشال خطة كان من الممكن أن تجنب الولايات المتحدة غزو العراق في العام 2003.
أحداث ما قبل الحرب على العراق
جاء ذلك في قراءة أجراها معهد “كوينزي” الأمريكي، لكتاب ألفه ايكيوس يروي فيه الأحداث جرت منذ التسعينيات القرن الماضي، قبل بدء حرب العراق، تحت عنوان “العراق منزوع السلاح: القصة خلف قصة سقوط صدام”.
وذكّر المعهد الامريكي بأنه قبل 20 سنة، وتحديدا في 20 آذار/ مارس عام 2003، غزا التحالف الذي قادته الولايات المتحدة العراق، وانه قبل 6 سنوات من بدء هجوم القوات المهاجمة على هذه الدولة العربية، وتحديدا في 18 نيسان/ ابريل العام 1997، فإن هذا الدبلوماسي السويدي قدم تقريره النهائي الى مجلس الامن الدولي.
الوضع تحت السيطرة
واشار التقرير الى ان ايكيوس كان على وشك مغادرة منصبه كمدير للجنة الخاصة للامم المتحدة “يونيسكوم” التي تم تشكيلها في العام 1991 للاشراف على عملية ازالة برنامج اسلحة الدمار الشامل في العراق.
واشار في تقريره الى انه “ليس هناك الكثير من الاشياء المعروفة عن قدرات الاسلحة المحظورة التي يحتفظ بها العراق”.
وفي كتابه الجديد يكرر ايكيوس قناعاته أنه بحلول ذلك الوقت اي في العام 1997، الذي ترك فيه منصبه كمدير لـ”يونيسكوم”، أنه “كان هناك دليل كبير على ان الوضع كان تحت السيطرة بدرجة كبيرة”.
ووصف معهد “كوينزي” التقرير الذي قدمه ايكيوس في العام 1997 انه كان بمثابة وصف دقيق للوضع في ذلك الوقت وانه لم يتغير شيء يذكر منذ ذلك الحين، وان هذه الاستنتاجات جاءت بعد ست سنوات من عمليات التفتيش الشاقة للمنشآت العراقية المخصصة لانتاج اسلحة الدمار الشامل والقضاء على المخزونات الموجودة.
ولفت التقرير الى انه بالتوازي مع هذه الجهود، جرى إنشاء آلية مراقبة لضمان عدم قيام العراق باعادة بناء برنامج اسلحة للدمار الشامل.
عملية معقدة
ويتضمن الكتاب تفاصيل حول كيف ان العملية كانت بأكملها معقدة بسبب عرقلة الحكومة العراقية المتكررة حيث انه على سبيل المثال، وقعت حادثة في العام 1991 حوصرت خلالها مجموعة من مفتشي “يونيسكوم” من قبل عراقيين في ساحة انتظار لمبنى يضم وثائق رسمية حيث وجدوا معلومات حول برنامج اسلحة الدمار الشامل.
في الوقت نفسه، كان التهديد بوقوع بعمل عسكري امريكي ضد العراق يخيم فوق نشاط لجنة التفتيش الدولية، حيث تعرض العراق على سبيل المثال، الى ضربات جوية صاروخية محدودة في عامي 1993 و1996، كما تم شن حملة غارات اكثر كثافة خلال “عملية ثعلب الصحراء” في العام 1998.
وذكر التقرير ان كتاب ايكيوس حافل بالاوصاف المتعلقة بالصعوبات الفنية واللوجستية التي واجهها فريق ايكيوس وفريقه سواء في تشكيل الفريق او في ابقاء المهمة على عملها، حيث تحول الفريق الى كيان لم يكن لديه ميزانية خاصة، وكان يقدم تقاريره مباشرة الى اعضاء مجلس الامن الدولي، بدلا من الامين العام للامم المتحدة، بينما كانت الدول الاعضاء في اللجنة، تدفع رواتب رعاياها العاملين فيها، في حين قدمت بعض الدول، وخصوصا دول الخليج، مساهمات مالية فردية للمفوضية.
اولبرايت تعزز الشكوك
والى جانب ذلك، يشير الكتاب الى انه برغم ان ايكيوس كان يتولى قيادة طائرة الاستطلاع “يو 2” التي تستخدمها “يونيسكوم” للقيام بمهمات مراقبة فوق العراق، الا ان الطائرة كانت تعمل من قاعدة امريكية في السعودية.
الى ذلك، يذكر الكتاب ان مادلين اولبرايت لعبت دورا رئيسيا في تفاعل واشنطن مع اللجنة، اولا كسفيرة للولايات المتحدة لدى الامم المتحدة، ثم لاحقا كوزيرة للخارجية، حيث يقول ايكيوس ان ادارة بيل كلينتون كلفت اولبرايت بضمان استمرار العقوبات على العراق من جانب مجلس الامن.
ويتابع ان شكوك الدبلوماسي السويدي تعززت عندما القت اولبرايت فور توليها منصب وزيرة للخارجية، خطابا في جامعة جورجتاون الامريكية، قالت فيه “اننا لا نتفق مع الدول التي تجادل بأنه اذا امتثل العراق لالتزاماته فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، فإن العقوبات يجب ان يتم رفعها”.
ويقول ايكيوس في كتابه ان خطاب اولبرايت هذا كان بمثابة “ضربة”.
موضحا ان “اقوى حجة لاقناع العراق بالتعاون معنا كانت على وجه التحديد الصلة بين نزع السلاح وبين تخفيف العقوبات”.
بوش الأب والأبن والحرب على العراق
ويوضح ايكيوس في كتابه انه في اوائل العام 1998 تلقى دعوة الى عشاء في المحكمة العليا الامريكية حضره ايضا الرئيس جورج بوش الاب وابنه جورج دبليو بوش الذي سيصبح بعدها بوقت قصير رئيسا للولايات المتحدة.
وبحضور بوش الابن، طرح بوش الاب سؤالا على ايكيوس يتعلق بتقييمه لبرنامج اسلحة الدمار الشامل في العراق، حيث اجاب المفتش السويدي قائلا ان مهمة “يونيسكوم” كانت ناجحة في مهمتها، الا ان بوش الابن، الرئيس المستقبلي لامريكا، كان “مستاء بشكل واضح” من هذا التقييم.
ويكشف الكتاب ان بوش الاب ضغط على ابنه لكي ينتبه الى كلمات ايكيوس المطمئنة، الا ان بوش الابن فقد الاهتمام بالمحادثة التي كانت جارية.
ويتابع الكتاب انه في الشهور التي سبقت حرب العراق، فإن ايكيوس حاول الضغط على ادارة بوش لكي تنتهج مسارا اكثر اعتدالا ازاء العراق.
مشيرا الى ان تم طرح خطة تتمثل في تشكيل قوة عسكرية متعددة الجنسيات بدعم من مجلس الامن الدولي، تكون مهمتها ضمان ان مفتشي الامم المتحدة ومسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بإمكانهم القيام بعملية تقييم لترسانة العراق المحتملة في اطار ما وصف بانه “عمليات تفتيش قسرية”، تكون خيارا افضل من الحرب التي تلوح في الافق.
خطة ماثيوز
وبحسب الكتاب، فإن اقتراح الخطة كان من جانب جيسيكا ماثيوز التي كانت تتولى وقتها رئاسة معهد “كارنيجي” لابحاث السلام.
ويتابع ان ايكيوس زار البيت الابيض في اوائل شباط/ فبراير العام 2003 حيث التقى نائب مستشار الامن القومي الامريكي وقتها ستيفن هادلي.
وبينما دافع ايكيوس عن خطة ماثيوز التي لم تتم دعوتها الى اللقاء في البيت الابيض، لان ادارة بوش كانت مستاءة من مواقفها المناهضة للحرب، يخلص الكتاب الى انه بحلول ذلك الوقت، ربما لم يكن هذا اللقاء سوى بمثابة اجراء شكلي، حيث يقول ايكيوس انه شعر ان الحرب اصبحت احتمالا قائما.
ويختم تقرير المعهد الامريكي بالقول انه بعد 20 عاما من بداية حرب العراق، ما يزال هناك الكثير لكي يتم تعلمه من نجاح “يونيسكوم” في تفكيك برنامج الاسلحة العراقي المحظور، وايضا من تجربة فشل الدبلوماسية الدولية في منع بوش الذي كان مصمما على اطلاق صراع غير قانوني لا يزال صدى عواقبه يتردد في الشرق الاوسط وابعد منه.