حرية – (16/2/2023)
بدءًا من اليوم الخميس وحتى 26 من الشهر الجاري، تتوجه أنظار محبي السينما إلى العاصمة الألمانية، لمتابعة ما يقدمه مهرجان برلين السينمائي الذي يعود إلى سابق عهده مع هذه النسخة الثالثة والسبعين بعد دورتين سابقتين فقد خلالهما بريقه بسبب قيود كورونا.
سمتان أساسيتان تميزان مهرجان “البرليناله” عن غيره من المهرجانات العالمية وتمنحه الخصوصية، وهما السياسة التي تتجلى في البيانات الرسمية وصولًا إلى قاعات العرض، والانشغال بالسينما المستقلة، تلك التي يحققها السينمائيون بإمكانيات بسيطة بعيدا عن الأستوديوهات الكبرى وعن شركات الإنتاج العالمية المعروفة.
تكشف قائمة الأفلام المشاركة عن اهتمام برلين السينمائي، بالدرجة الأولى، بالفن بعيدا عن حسابات الربح والصفقات التجارية
وهذه الدورة ليست استثناء، فقد أعلن القائمون على المهرجان منذ ما قبل انطلاقه عن هذا البعد السياسي عبر بيان جاء فيه: “مع الحرب العدوانية المستمرة ضد أوكرانيا، والاحتجاجات الشجاعة في إيران، وكذلك في العديد من مناطق العالم الأخرى، يقف مهرجان برلين في عام 2023 بقوة أكبر من أجل القيم الديمقراطية، ويتذكر ضحايا الحرب والدمار والقمع جميعًا، حول العالم”.
وأضاف البيان “المهرجانات السينمائية أماكن تعزز حرية التعبير والحوار السلمي”، علما أن ألوان “البرليناله” هذا العام ستكون زرقاء وصفراء، وهما لونَا العلم الأوكراني، كما أوضح القائمون عليه.
وتكشف قائمة الأفلام المشاركة عن اهتمام برلين السينمائي، بالدرجة الأولى، بالفن بعيدا عن حسابات الربح والصفقات التجارية، فمهرجان برلين هو مناسبة طموحة لنخبة المجتمع السينمائي العالمي بعيدا عن أي جوانب سياحية أو دعائية، والتي تركز عليها، عادة، مهرجانات أخرى مثل مهرجان كان السينمائي، على سبيل المثال، رغم قيمة الأخير الفنية الرفيعة.
المسابقة الرسمية
يتنافس في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين 19 فيلما أملاً في الفوز بجائزة الدب الذهبي، فضلاً عن جوائز أخرى.
ترأس الممثلة الأمريكية كريستن ستيوارت لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة التي تمنح جائزتي الدب الذهبي والدب الفضي
واللافت في هذه الدورة مشاركة أربعة أفلام ألمانية، كما أن ستة من بين أفلام المسابقة الرسمية تولت إخراجها نساء، إذ يحرص المهرجان على نشر إحصائيات دقيقة تظهر التنوع بين الجنسين فيما يتعلق بالمشاركة.
وتتنوع مواضيع أفلام المسابقة الرسمية من السياسة إلى تغيرات المناخ ومن النسوية إلى أفلام العائلة، ومن قضايا الهجرة إلى مسألة المساواة، ومن هموم الدول الفقيرة إلى مواضيع عن الحب والصداقة وغيرها من القضايا الكبرى أو البسيطة ضمن بانوراما سينمائية تعكس هموم ومشاغل هذا العالم المضطرب.
وترأس الممثلة الأمريكية كريستين ستيوارت لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة التي تمنح جائزتي الدب الذهبي والدب الفضي، وتضم اللجنة أيضا الممثلة الفرنسية الإيرانية الأصل غولشيفته فرحاني والمخرج والمؤلف الألماني فاليسكا غريسباخ، والمنتج الأمريكي فرانسيس مايسلر والمخرج جوني من هونغ كونغ.
يشار إلى أن ستيوات تبلغ من العمر 32 عاما، وهي بالتالي ستكون أصغر من يتولى رئاسة لجنة التحكيم في تاريخ المهرجان الألماني.
المشاركة العربية
المسابقة الرسمية تخلو من أي حضور عربي، لكن ثمة أفلامًا عربية في التظاهرات الموازية، ففي قسم البانوراما سيعرض فيلم “المرهقون” للمخرج اليمني عمرو جمال الذي يقدم دراما عائلية ولمحة عن المجتمع اليمني الذي كان يعيش في وئام لكن حروب السنوات الأخيرة عصفت بذلك الهدوء.
من الأفلام المنتظرة في مهرجان برلين فيلم “القوة العظمى” Superpower للممثل الأمريكي شون بن الذي شارك في إخراجه مع آرون كوفمان
ويشارك المخرج السوري طلال ديركي مع هبة خالد وعلي وجيه بالفيلم الوثائقي “تحت سماء دمشق”، الذي يتناول، وكما يشير اسمه، يوميات الحياة السورية خلال الحرب ويركز على الظروف التي تعانيها المرأة بصورة خاصة.
ويقدم السوري يزن ربيع فيلمه القصير “عودة”، كما يشارك الفيلم القصير “يرقة” من إخراج اللبنانيتين ميشيل كسرواني ونويل كسرواني في مسابقة الأفلام القصيرة، ولكن لكونه إنتاجا مدعوما من جهات فرنسية، سيشارك في المسابقة كفيلم فرنسي.
زيلينسكي وغولدا مائير
من الأفلام المنتظرة في مهرجان برلين فيلم “القوة العظمى” Superpower للممثل الأمريكي شون بن الذي شارك في إخراجه مع آرون كوفمان. هذا الفيلم التسجيلي، الذي يصور الصراع بين زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، صور جزء منه في أوكرانيا، خلال الحرب، وسيتزامن عرضه في المهرجان مع مرور سنة على بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
وكان شون بن قد التقى فعليا خلال الحرب بالرئيس الأوكراني وأجرى معه عدة لقاءات في سبيل تحقيق هذا الفيلم.
وإلى جانب هذا الفيلم ستكون الحرب الأوكرانية حاضرة في أروقة المهرجان من خلال أفلام أخرى، مثل الفيلم الوثائقي “الجبهة الشرقية” الذي تولى إخراجه فيتالي مانسكي ويفهين تيتارينكو، حيث جرى تصويره بشكل حقيقي على جبهات القتال في أوكرانيا.
وتشمل القائمة أيضا فيلم “الفراشات الحديدية” لرومان ليوبيي وأيضا فيلم “في أوكرانيا” لبيوتر باولوس وتوماس فولسكي والذي جرى وصفه من قبل القائمين على المهرجان باعتباره “أكثر الأفلام التي عكست حقيقة واقع أوكرانيا منذ بداية الحرب”.
وكانت إيران على الدوام حاضرة في مهرجان برلين الذي دأب على الاحتفاء بمخرجين إيرانيين استطاعوا التحايل على الرقابة وتحقيق شرائط سينمائية تظهر الكثير من الجوانب والقضايا المسكوت عنها في هذا البلد بجرأة أوصلت الكثير منهم إلى السجون.
وشهدت دورات سابقة لمهرجان برلين تتويج سينمائيين إيرانيين بالجائزة الكبرى من أمثال المخرج جعفر بناهي وأصغر فرهادي ومحمد رسولوف وغيرهم.
وفي النسخة الحالية، من المقرر أن يخصص المهرجان برنامجا عن إيران لمناقشة دور السينما والفن خلال موجة الاحتجاجات الحالية هناك، إلى جانب عرض بعض الأفلام الإيرانية في التظاهرات الثلاث الموازية مثل قسم “البانوراما”، وقسم “المنتدى”، وقسم “العروض الخاصة”، حيث سيعرض خلالها نحو 300 فيلم روائي طويل وقصير وتسجيلي من مختلف دول العالم.
يحضر المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ لمواكبة عرض فيلمه الجديد “ذي فايبلمانز” (The Fabelmans) الذي يتناول سيرته الذاتية
ومن إيران إلى إسرائيل، حيث تحضر رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير عبر فيلم يحمل اسمها “غولدا” ويروي سيرتها الذاتية. الفيلم من إخراج الإسرائيلي جاي ناتيف وتلعب دور البطولة فيه الممثلة البريطانية هيلين ميرن، الحائزة على جائزة الأوسكار، والتي ستكون حاضرة في المهرجان.
وغولدا مائير (1898 ـ 1978) هي أول امرأة تولت رئاسة الوزراء في إسرائيل في الفترة من 1969 وحتى العام 1974 وشهدت تلك الحقبة حرب أكتوبر.
ويحضر المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ لمواكبة عرض فيلمه الجديد “ذي فايبلمانز” (The Fabelmans) الذي يتناول سيرته الذاتية، وسيحصل على جائزة الدب الذهبي الفخرية عن مجمل مسيرته السينمائية التي طبع خلالها تاريخ الفن السابع بأفلامه المتنوعة التي نالت احتفاءً جماهيريًا ونقديًا.
ويعد مهرجان برلين السينمائي واحدًا من أهم المهرجانات السينمائية وأعرقها في العالم، ويسمى أيضا “البرليناله”، تأسس المهرجان سنة 1951 ببرلين وكان أول فيلم يعرض في إطار المهرجان هو فيلم الافتتاح سنة 1951 “ريبيكا” لمخرج أفلام التشويق ألفريد هيتشكوك.