حرية – (17/2/2023)
رجح تقرير أميركي أن يكون الهدف من بناء ايران قاعدة جوية جديدة تحت الأرض هو إطلاق مهام مفاجئة للاعتراض البحري في منطقة الخليج العربي، تستهدف بشكل أساسي أصول “الأسطول الخامس الأميركي”.
وذكر التقرير الذي نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (17 شباط 2023) أن القاعدة “عقاب-44″، صممت على الأرجح، لتكون بمثابة قاعدة عمليات أمامية آمنة تدعم عمليات الاعتراض البحري كجزءٍ من استراتيجية إيران لحظر الوصول/منع دخول المنطقة، خاصةً عبر استخدام مفارز طائراتها الهجومية الصغيرة من طراز “إف-4″ و”سو-24” من القاعدتين الجويتين في بندر عباس وشيراز أولاً، وكذلك المنصات غير المأهولة في المستقبل.
وأضاف التقرير” إذا استلمت إيران في النهاية طائرات “سو-35” من روسيا، فقد لا تكون القاعدة قادرة على إستياعبها (ربما تم تصميمها قبل أن تفكر طهران في شراء طائرات أكبر مثل “سو-35”).
ولفت التقرير الأميركي إلى أنه “حتى من دون الحصول على طائرات أكثر حداثة أو أسطولاً أكبر، يمكن للقواعد الجوية الجديدة الباهظة الثمن والمبنية تحت الأرض في إيران أن تمنح الجمهورية الإسلامية درجةً ما من القدرة على توجيه الضربة الجوية الأولى ضد الأصول البحرية الأمريكية في الخليج العربي وخليج عُمان وبحر العرب، وربما قد يشمل ذلك جهود إغلاق مضيق هرمز أمام حركة الشحن والحركة البحرية. كما قد يؤدي بناء مثل هذه القواعد إلى تحفيز البلدان الأخرى في المنطقة على إضافة منشآت محصنة تحت الأرض إلى قواعدها الجوية الحالية، أو إنشاء قواعد جديدة تتمتع بهذه القدرة.
فيما يلي تفاصيل أخرى من التقرير:
في السابع من شباط/فبراير – الذي صادف الذكرى الرسمية لانضمام ضباط سلاح الجو الإيراني إلى الثورة الإسلامية في عام 1979 – كشفت إيران عن قاعدة “عقاب-44” الجوية التكتيكية الهجينة، التي تقع على بُعد 120 كم شمال غرب بندر عباس في منطقة نائية من محافظة هرمزغان. وعلى الرغم من بناء هذه المنشأة غير المكتملة في موقع بعيد جداً عن الشاطئ، إلّا أنها تطل بشكل أساسي على طرق الشحن الاستراتيجية في الخليج العربي ومضيق هرمز. وتصف “القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية” هذه القاعدة بأنها “هجينة” لأنها تهدف إلى استيعاب كلٍ من الأصول الجوية المأهولة وغير المأهولة. والسؤال الذي يَطرح نفسه هنا هو ما هو نوع الأصول، وما هو التهديد الذي قد تشكله على الأهداف التابعة للولايات المتحدة وحلفائها.
“عش العقاب” في إيران
يشير اسم القاعدة الجديدة إلى كلٍ من الكلمة الفارسية التي تعني “عقاب” والذكرى الرابعة والأربعين للثورة. وغالباً ما تُعلن إيران عن إنجازاتها في مجال الطيران في هذه الذكرى، لكن الكشف عن قاعدة “عقاب” اعتُبر مميزاً لأن – على حد تعبير العميد في “الحرس الثوري الإسلامي” غلام رضا جلالي الذي يرأس “منظمة الدفاع السلبي” – بإمكانه أن “يغيّر قواعد اللعبة” في زمن الحرب، وسوف يُجبر “العدو” على إعادة النظر في حساباته العسكرية. كما يُفترَض أن الضجة التي أُثيرت كانت تهدف إلى مواجهة مناورات “جونيبر أوك” العسكرية الأخيرة، وهي أكبر مجموعة من التدريبات التي أجراها على الإطلاق “جيش الدفاع الإسرائيلي” إلى جانب القيادة الإقليمية المشتركة للولايات المتحدة.
ومن جهته، قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري إن القواعد الجوية المبنية تحت الأرض مثل قاعدة “عقاب” ستوسّع قوة الردع التي تتمتع بها إيران لتتجاوز قدراتها المعروفة على صعيدَي الصواريخ والوكلاء، من خلال إعادة طرح القوة الجوية كجزء من المعادلة. ففي ظل غياب نظام قواعد قابل للبقاء، كان أمل إيران ضئيلاً في الحفاظ على استمرارية قوتها الجوية عند خوض الحرب مع قوة عسكرية كبرى. علاوةً على ذلك، كانت “القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية” تعاني من نقص التمويل بشكل ملحوظ مقارنةً بـ”الحرس الثوري الإسلامي” وحتى الفروع الأخرى من القوات المسلحة النظامية (“جيش الجمهورية الإسلامية في إيران” أو “أرتيش”). ووفقاً لباقري، ستساهم القاعدة المحصنة الجديدة والمنشآت الشقيقة المستقبلية في دعم نقاط الضعف هذه، من خلال استيعاب طائرات مقاتلة جديدة وحمايتها من قنابل العدو وصواريخه في حال نشوب صراع. ومع ذلك، هل تُحقق قاعدة “عقاب” هذا الادعاء؟
لقد تم حفر هذا المجمّع الكبير على ما يبدو تحت الأرض في الحجر الجيري الأسمري، وله أربعة مداخل مواجِهة للشمال ومتصلة بمدرج سطحي مكشوف طوله ثلاثة كيلومترات بدأ بناؤه في أيار/مايو 2021 (على الرغم من أن المجمع ككل يبدو أقدم بكثير؛ انظر أدناه). وستتمكن الطائرات من الوصول إلى المدرج عبر ممرين مغطيين جزئياً يمتدان على طول 1.4 و1.8 كم. ويبدو أن نفقَي الممرَين المرتبطَين يُستخدمان أيضاً كمنطقتَي تنبيه.
واعتمد اختيار الموقع جزئياً على فكرة أن تضاريسه الفريدة ستجعل القاعدة أقل عرضةً للهجمات الجوية والصاروخية، حيث توفر التلال الجبلية الحماية من الشمال والجنوب. ومع ذلك، لن تكون هذه العقبات هائلة بما يكفي للتأثير على الذخائر الشراعية العالية الدقة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي سينشرها أعداء إيران في المستقبل القريب (على افتراض أنه ليس بإمكانها اختراق القاعدة بالأسلحة التقليدية المتواجدة). وبالمثل، فإن الأبواب الثقيلة المقاوِمة للانفجارات والتي تهدف إلى حماية مداخل المنشأة لا يبدو أنها تتمتع بدرجة عالية من الفعالية ضد التفجيرات النووية التكتيكية مثل المنشآت المماثلة في مواقع أخرى من العالم. وعلى الرغم من وجود الطائرات في مخابئ محصنة، إلّا أنها ستظل بحاجة إلى الإقلاع والهبوط عبر الممرين والمدرج الأكثر انكشافاً، حيث تبقى عرضة للذخائر الثقيلة العالية الحركة. كما أن شبكة الأنفاق تحت الأرض قد تطرح بعض المشاكل – فعلى الرغم من أنها تبدو قادرة على استيعاب عدة طائرات مع معدات الدعم الخاصة بها، ومستودعات الوقود، ومساحات الصيانة/التسليح، إلّا يبدو أيضاً أنها تفتقر إلى التهوية المناسبة وأنابيب مكافحة الحرائق، لذا قد يتبين أن مواصلة العمليات هناك ستكون خطيرة للغاية.
على أي حال، يبدو أن عملية البناء لم تُكتمل في الوقت الحاضر. فلا يزال العمل جارياً تحت إشراف “مقر خاتم الأنبياء المركزي”، الذي تتمثل مهمته الرئيسية في الإشراف على جهوزية عمليات “جيش الجمهورية الإسلامية في إيران” و”الحرس الثوري الإسلامي”. وقد استغرق إنجاز القواعد الجوية المشابهة تحت الأرض في تايوان ودولة يوغوسلافيا السابقة والسويد نحو ثماني سنوات، وذلك بتكلفة لا تقل عن مليار دولار لكلٍ منها. وفي حالة قاعدة “عقاب”، تُظهر صور القمر الصناعي “سينتينيل 2” إجراء حفريات مهمة في المنطقة على مدار السنوات العديدة الماضية.
التداعيات على أسطول المقاتلات الإيراني
إلى جانب التعليقات الأخيرة التي أدلى بها باقري، يدلّ افتتاح قاعدة “عقاب – 44” وغيرها من القواعد الجوية المحصنة على أن إيران قد تستأنف اندفاعها نحو حيازة المزيد من القوة الجوية الحديثة. فعلى سبيل المثال، تشير التقارير الأخيرة إلى أنها قد تستلم أربعاً وعشرين مقاتلة روسية متعددة المهام من طراز “سو-35 إس” مقابل تزويد موسكو بطائرات انتحارية بدون طيار وأسلحة أخرى. وكان إنتاج مجموعة المقاتلات المعنية مخصصاً في الأصل لمصر إلّا أن هذه الدفعة لم تُسلَّم بعد، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الضغط السياسي الأمريكي وعدم رضى القاهرة عن الطائرات.
ومع ذلك، حتى في حال وجود صفقة قيد التنفيذ مع إيران، لا يبدو التسليم وشيكاً – فهناك القليل من المؤشرات التي تدل على الاستعدادات العادية التي تسبق تنفيذ مثل هذه الصفقة العسكرية الكبرى (على سبيل المثال، تدريب الطاقم الجوي والأرضي في أي من البلدين). وربما قصدت موسكو أن يكون هذا الخبر بمثابة تحذير للحكومات الغربية – أي إذا أرسلت هذه الحكومات طائرات “إف-16” أو غيرها من الطائرات المقاتلة الحديثة إلى أوكرانيا، فستمنح روسيا طهران طائرات “سو-35 إس”.
كما أنه لا يُحتمَل وضع طائرات “سو-35 إس” في قاعدة “عقاب-44”. فقد تم تصميم أنفاق المنشأة على ما يبدو من أجل السماح بحركة طائرات “إف-4 فانتوم” و”إف-14 توم كات” و”سو-24 فينسر”، التي يتراوح طول أجنحتها من 10.3 إلى 11.8 متر؛ إلا أن الموقع غير مناسب على الأرجح لطائرة “سو-35” الأكبر حجماً التي يبلغ طول جناحيها 15.3 متراً.
لكن على الرغم من الإسراع في استغلال حرب أوكرانيا عبر تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع روسيا واحتمال الحصول على طائرات مقاتلة جديدة وأسلحة متطورة أخرى، لا تزال الدعامة الأساسية الخاصة بــ”القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية” هي أسطول طائرات “إف-4 فانتوم” الذي تم شراؤه من الولايات المتحدة قبل الثورة. فباستطاعة طائرة “إف-4 إي” أن تحمل حمولة قتالية كاملة قدرها 2700 كغم إلى مدى يبلغ 840 كم، أو صاروخين مضادين للسفن أو صاروخ من نوع كروز لمسافة تصل إلى 1000 كم قبل إطلاقهما. وفي الحالة الأخيرة، يمكن أن يصل مدى صاروخ “نصر” الإيراني المضاد للسفن إلى 70 كم. كما يمكن أن تحمل طائرة “فانتوم” صواريخ أخرى مضادة للسفن يصل مداها إلى 300 كم، أو صواريخ كروز أكبر حجماً مثل “عاصف” و”حيدر” قادرة على اجتياز مسافات أبعد بكثير على ارتفاعات منخفضة قبل الوصول إلى أهدافها (يتجاوز نطاقي إطلاقهما الجوي 1000 كم و 200 كم على التوالي).
وقد تساعد هذه القدرات في تفسير سبب رغبة إيران في إنفاق الكثير من الجهد والمال على بناء قاعدة جوية تحت الأرض، في الوقت الذي تمتلك فيه عدداً محدوداً جداً من الطائرات القتالية العاملة، وفي حين أن الطائرات الروسية الحديثة التي تأمل في شرائها تبدو كبيرة جداً للعمل هناك. فمن خلال التسلح بصواريخ مضادة للسفن طويلة المدى وذخائر المواجهة الذكية، يمكن أن يوفر إقلاع الطائرات من قاعدة “عقاب-44” كماً من القدرة المفاجِئة على توجيه الضربة الأولى، فضلاً عن القدرة على توجيه ضربة ثانية من أجل الرد على السفن الحربية الأمريكية الرئيسية (خاصة حاملات الطائرات)، والمجموعات البرمائية، والسفن المساعِدة، والقواعد الإقليمية. وبما أن المجمّع كان قيد الإنشاء منذ عدة سنوات، فقد كان الغرض منه على الأرجح الأخذ في الاعتبار تحقيق هدف رئيسي وهو: شن هجمات مفاجئة ضد السفن الحربية الأمريكية في جميع أنحاء منطقة الخليج، لا سيما ضد مجموعات حاملات الطائرات الهجومية. فقد كانت مجموعة حاملة الطائرات الهجومية “يو إس إس رونالد ريغان” قد أكملت آخر عملية انتشار من هذا القبيل في المنطقة في أيلول/سبتمبر 2021. وسابقاً، غالباً ما كانت مجموعات حاملات الطائرات تتمركز في مسرح عمليات “الأسطول الخامس” ضمن نطاق الضربات الإيرانية عندما تصاعدت التوترات مع النظام.