حرية – (21/2/2022)
عقب حدوث كارثة زلزال تركيا وسوريا، يوم 6 فبراير/شباط 2023، تحدث عدد من علماء الجيولوجيا والمتخصصين في دراسات طبقات الأرض عن اللب الداخلي، أو نواة الأرض، وتأثير ما يحدث من تغيرات بداخلها على نشاط حركة الزلازل وزيادته عن المعتاد في معظم الأحيان.
ولب الكرة الأرضية الداخلي، هو أعمق طبقة من طبقات الأرض، وحسب بعض دراسات علم الزلازل، فإن اللب عبارة عن طبقة صلبة ذات شكل كروي لها نصف قطر يصل إلى 1220 كيلومتر (حوالي 70% من نصف قطر القمر).
فيما يرى بعض الجيولوجيين أن لب الأرض الداخلي ليس صلباً، إنما عبارة عن بلازما لها صفات المادة الصلبة، إذ تتكون طبقة اللب الداخلي للأرض بشكل رئيسي من الحديد والنيكل، وتقدر درجة الحرارة فيها على أنها مقاربة لدرجة الحرارة على سطح الشمس، أي حوالي 5700 كلفن (5400°س).
وقد كشفت دراسة حديثة، حسب الموجات الزلزالية التي تمر عبر طبقات الأرض المختلفة، أن اللب الداخلي لكوكب الأرض ربما توقف عن الدوران خلال العقد الماضي، وقد يكون دورانه في طور الانعكاس في الوقت الحالي، بمعدل أبطأ من دوران الكوكب نفسه، ما قد يحدث تأثيراً على الأرض، لكنه لا يشكل أي نوع من الخطر.
إذ تشير الدراسة التي نشرتها مؤخراً مجلة “Nature Geoscience”، وفحصت عدة عقود من البيانات بحثاً عن أنماط في دوران النواة الداخلية للأرض، إلى أن اللب الداخلي توقف عن الدوران، مقارنة بحركة المواد السائلة داخل طبقة الوشاح الأرضي، بين عامي 2009 و2020، ليصبح بعد ذلك دوران لب الأرض متجهاً إلى الخلف.
الدوران العكسي للب الأرض
يقول الباحثان الصينيان “يي يانغ” و”شياودونغ سونغ”، من مختبر “SinoProbe” في جامعة بكين، إن البيانات من عام 1964 إلى 2021 تشير إلى العثور على زلازل متكررة قوية بما يكفي لإنتاج موجات زلزالية يمكن أن تخترق النواة الداخلية.
وأنه بعد دراسة طبيعة تلك الموجات على مدى سنوات، اتضح من الرسوم البيانية للزلازل وجود انعكاس شبه كامل للموجات الزلزالية، وبالتالي كلما زاد الدوران الفائق للنواة، كان طول اليوم أقصر، والعكس صحيح أيضاً.
وتوقعت الدراسة المثيرة أن تبدأ دورة الدوران العكسية للب الأرض من الشرق إلى الغرب في حوالي عام 2040.
وكان شياودونغ سونغ من أوائل العلماء الذين افترضوا أن اللب الداخلي للأرض يدور أسرع من قشرته، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست، إذ قال في تصريحات صحفية: “اللب الداخلي هو أعمق طبقة من الأرض، ودورانها النسبي هو أحد أكثر المشكلات إثارة للاهتمام وتحدياً في علم أعماق الأرض”.
فيما أشار الباحثون إلى أن دورة نواة الأرض مرتبطة بالتغيرات في طول اليوم، والتي أصبحت بشكل أطول أو أقصر عند حسابها بدقة شديدة تصل إلى ميكروثانية، إضافة إلى ارتباطها بتغير المجال المغناطيسي للكوكب.
وفقاً ليانغ وسونغ، فإن الاختلافات في طول اليوم والمجال المغناطيسي الأرضي تتبع نمطاً يمتد من ستة إلى سبعة عقود تقريباً. لكن العلماء أشاروا إلى أن سجل البيانات الكامل لا يغطي سوى فترة 56 عاماً فقط.
ومن المعروف أنه يوجد في مركز كوكب الأرض كتلة صلبة من النيكل والحديد، سحقتها الجاذبية داخل كرة يبلغ عرضها حوالي 2400 كيلومتر. وهذه النواة الصلبة التي اكتشفت من خلال دراسة موجات الزلازل عام 1936 محاطة بطبقة خارجية من الحديد السائل والنيكل تولد المجال المغناطيسي الأرضي، ويليها طبقات وشاح الأرض، وأخيراً القشرة الأرضية.
ويعتقد العلماء أن اللب الداخلي الذي يقع تحت طبقة الحديد المصهور، والنيكل الداخلي للكوكب، والعلاقة المتأرجحة بين الاثنين تولد تيارات تحافظ على المجال المغناطيسي للأرض.
وفي سنة 1996، أظهرت ورقة بحثية من توقيع شياودونغ سونغ وبول ريتشاردز، عن وجود أول دليل ملموس تم رصده على أن نواة الأرض يمكنها الدوران بمعدل مختلف عن بقية الكوكب.
وعلى الرغم من أن البحث أثار بعض الجدل في ذلك الوقت، فقد استمر العالمان في تأكيد هذا الاكتشاف بشكل مستقل في السنوات التالية.
كيف يحتفظ لب الأرض بحرارته منذ آلاف السنين؟
وصف شيشون هونغ، أستاذ مشارك في بحوث حول علوم الأرض والكواكب بجامعة تينيسي بالولايات المتحدة، أن الأرض مثل نبات البصل يتكون من طبقة تلو الأخرى، بدءاً من الأعلى إلى الأسفل، هناك القشرة، وهي السطح الذي نمشي عليه، ثم في الأسفل نجد الوشاح، ومعظمها مكون من الصخور الصلبة، ثم الأعمق، وهو اللب الخارجي، مصنوع من الحديد السائل؛ وأخيراً اللب الداخلي مصنوع من الحديد الصلب، وكلما تعمقت زادت السخونة، إذ إن أجزاءً من القلب الداخلي تكون ساخنة مثل سطح الشمس.
وتبلغ درجة الحرارة في الجزء السفلي من الصفائح في نواة الأرض، على عمق حوالي 100 كيلومتر، حوالي 2400 درجة فهرنهايت (1300 درجة مئوية)، وبحلول الوقت الذي تصل فيه إلى الحد الفاصل بين الوشاح واللب الخارجي، والذي يقل بمقدار 2900 كيلومتر، تكون درجة الحرارة ما يقرب من 5000 فهرنهايت (2700 درجة مئوية).
كما أنه عند الحد الفاصل بين النواة الخارجية والداخلية، تتضاعف درجة الحرارة لتصل إلى ما يقرب من 10800 فهرنهايت (أكثر من 6000 درجة مئوية)، وهذا هو الجزء الساخن مثل سطح الشمس، حيث إنه في هذه الدرجة كل شيء تقريباً يتبخر في الغاز، ولكن لأن اللب يقع تحت ضغط عالٍ في أعماق الكوكب، فإن الحديد الذي يتكون منه يبقى سائلاً أو صلباً، وهو الأمر الذي لم يتم تحديده بشكل دقيق حسب الدراسات العلمية التي أجريت حول هذا الموضوع.
إذ إن هناك مصدرين للحرارة الموجودة في لب الأرض، أحدهما، حسب الأبحاث العلمية، هو الحرارة التي ورثتها الأرض أثناء تكوينها قبل 4.5 مليار سنة، بعد أن خُلِقت من السديم الشمسي، وهي سحابة غازية عملاقة، وسط تصادمات واندماجات لا نهاية لها بين أجزاء من الصخور والحطام تسمى “planetesimals”، واستغرقت هذه العملية عشرات الملايين من السنين.
وخلال عملية التكوين، تم إنتاج كمية هائلة من الحرارة، بما يكفي لإذابة الأرض بأكملها، وعلى الرغم من فقدان بعض هذه الحرارة في الفضاء، إلا أن ما تبقى منها كان محبوساً داخل الأرض، حيث لا يزال الكثير منها باقياً حتى اليوم.
أما مصدر الحرارة الآخر، فهو تلك النظائر المشعة المنتشرة في كل مكان على الأرض، وهي ليست مستقرة، وتطلق تياراً ثابتاً من الطاقة يتحول إلى حرارة، ويعد البوتاسيوم -40، والثوريوم -232، واليورانيوم -235، واليورانيوم -238 أربعة من النظائر المشعة التي تحافظ على حرارة باطن الأرض.
ماذا سيحدث لو برد لب الأرض؟
يفقد لب الأرض، منذ أنْ تشكّل إلى اليوم، جزءاً من حرارته بشكل مستمر، إذ تنخفض حرارته بمقدار 180 درجة مئوية كل مليار سنة، لكن لا تزال هذه الحرارة مرتفعة نسبياً، حيث تصل لـ6000 درجة مئوية في الوقت الحالي.
وفي حال برد لب الأرض وفقد حرارته بشكل كامل، يقول العلماء في حال حدوث هذه الظاهرة فلن تتولد أية تيارات كهربائية، وهذا يعني أن الأرض سوف تفقد مجالها المغناطيسي، وإن حدث شيء كهذا يجب الاستعداد لجميع أنواع المفاجآت السيئة.
إذ إن عدم وجود المجال المغناطيسي يعني عدم وجود الغلاف الجوي، الأمر الذي سيؤدي إلى فقدان الغازات اللازمة للتنفس، وفي هذه الحالة سيكون من الضروري ارتداء بدل الضغط، وأقنعة التنفس، لتصبح الأرض شبيهة بالمريخ.
ومن جهة أخرى، فإنّ اللُبّ المتجمد لن يتمكن من تسخين الصخور والماء والغازات والمواد الجيولوجية الأخرى، لأن الأرض ستصبح أبرد شيئاً فشيئاً، كما سيقل معدل رمي البراكين للحمم، وسيتوقف ابتعاد القارات عن بعضها، وستختفي الزلازل بالكامل، ويختفي معها دورها المؤثر في إعادة تدوير مادّة القشرة الأرضية، ما يجعل البقاء على قيد الحياة في كوكب كهذا لفترة طويلة غير ممكن.
ومع ذلك، فحتى إنْ تجمد الكوكب كلياً، وقرر أحد ما حفر ثقب عميق يصل إلى لُبّ الأرض؛ فإنّ هذا اللُبّ، رغم فقده للحرارة بالكامل، إلا أنّ ضغطه سيكون أعلى بمقدار (3.5) مليون مرة من الضغط على سطح الأرض، وهو كبير بما يكفي لضغط هذا الشخص، دامجاً إياه في مكونات لُبّ الأرض حرفياً.
حركة نواة الأرض وعلاقتها بالموجات الزلزالية
وفقاً لما ذكره موقع “Space”، يستخدم العلماء تقنية خاصة لتصوير الهياكل الداخلية للأرض، شبيهة بتقنية التصوير بالموجات فوق الصوتية التي يستعملها الأطباء، ولكن بدلاً منها، يستخدم علماء الجيولوجيا الموجات الزلزالية، وهي الموجات الصوتية التي تنتجها الزلازل.
إذ يمكن على سطح الأرض، رؤية الأوساخ والرمل والعشب والأرصفة مثلاً، وتكشف الاهتزازات الزلزالية ما أدناه من الصخور الكبيرة والصغيرة، هذا كله جزء من القشرة التي قد تنخفض لمسافة تصل إلى 30 كيلومتراً، تطفو فوق طبقة تسمى الوشاح.
يتحرك الجزء العلوي من الوشاح عادةً مع القشرة، ويُطلق عليهما معاً الغلاف الصخري، والذي يبلغ سمكه حوالي 100 كيلومتر في المتوسط، على الرغم من أنه يمكن أن يكون أكثر سمكاً في بعض المواقع.
ينقسم الغلاف الصخري إلى عدة كتل كبيرة تسمى الألواح، فعلى سبيل المثال، تقع لوحة المحيط الهادئ تحت المحيط الهادئ بأكمله، وتغطي لوحة أمريكا الشمالية معظم أمريكا الشمالية، واللوحات تشبه قطع الألغاز “Puzzle” التي تتلاءم مع بعضها تقريباً وتغطي سطح الأرض.
لكن هذه اللوحات ليست ثابتة، بل تتحرك، وفي بعض الأحيان تكون الحركة لأصغر جزء من البوصات على مدار سنوات، وفي أوقات أخرى، يكون هناك المزيد من الحركة، وتكون مفاجئة أكثر، وهذا النوع من الحركة هو ما يتسبب في حدوث الزلازل والانفجارات البركانية.
علاقة دوران لب الأرض بزلزال تركيا وسوريا
هناك سؤال يتردد بشكل كبير، بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا خلال شهر فبراير/شباط 2023، وهو: هل فعلاً لدوران لب الأرض علاقة بالزلزال المدمر؟ إذ نفى رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية في مصر الدكتور جاد القاضي أن تكون للزلازل المتتابعة خلال الساعات الأخيرة أي علاقة بالدراسة المنشورة حول تغيّر دوران الأرض، وأن الأمرين ليس لهما أي علاقة ببعضهما.
وقال القاضي في تصريحات صحفية إن هناك حزاماً به نشاط زلزالي من تركيا شرقاً وحتى اليونان يطلق عليه “القوس الهيليني”، دون أي ربط بين ذلك وبين تغيّر دوران الأرض أو الدراسة المنشورة سلفاً.
ونشر المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية عبر صفحته الرسمية على موقع “فيسبوك” صورة توضح الوضع الجيولوجي والتركيبي للمنطقة التي حدث فيها الزلزال، موضحين أنّ مركز الزلزال بالقرب من تقاطع فالق كبير (شرق الأناضول) مع تركيب البحر الميت.
ويقول رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي المصري للبحوث الفلكية شريف الهادي: “في حال كانت حسابات تلك الدراسات مؤكدة، فبالتأكيد الانهيارات والأنشطة الزلزالية ستحدث في كافة بقاع العالم، وليس في منطقة محددة، ومعروف عن طبيعتها أنها مُعرّضة لنطاق الهزات الأرضية القوية منذ قديم الأزل”.
وتوقّع الدكتور جاد القاضي أن تكون لنتيجة الدراسة، في حال ثبتت صحتها خلال الفترة المقبلة، تأثير على التغيرات المناخية، متعجباً بالقول إن لب الأرض حرارته مرتفعة للغاية، وتفاصيله غاية في التعقيد.
تأثير تغيرات دوران لب الأرض على طول اليوم
يتغير دوران اللب الداخلي للأرض وفقاً لدورة مدتها ست سنوات، ما يجعلها تتغير طول اليوم، وفقاً لدراسة الموجات الزلزالية، وعلى سبيل المثال، في سنة 1996، اقترح الباحثون أولاً أن اللب الداخلي يدور باتجاه الشرق أسرع من بقية الكوكب، بمعدل درجة واحدة تقريباً في السنة، وهي ظاهرة تُعرف باسم “الدوران الفائق”، ومع ذلك، أشارت الأبحاث اللاحقة إلى أن هذا ربما كان مبالغة في التقدير.
وباستخدام تقنية جديدة، وجد الباحثون أن اللب الداخلي كان يدور بشكل أبطأ مما كان متوقعاً في السابق، بمعدل 0.1 درجة تقريباً في السنة، وفي دراستهم الجديدة، طبق الباحثون النهج نفسه على الموجات الزلزالية الناتجة عن زوج من اختبارات الأسلحة الذرية السابقة التي أجرتها الولايات المتحدة.
وأجريت هذه الاختبارات -التي أطلق عليها اسم “Milrow” و”Cannikin”- تحت جزيرة أمشيتكا، عند طرف أرخبيل ألاسكا، في عامي 1969 و1971 على التوالي.
وبقياس الموجات الزلزالية الانضغاطية الناتجة عن الانفجارات النووية، خلص الفريق إلى أن اللب الداخلي كان يدور في الاتجاه المعاكس بالنسبة لبقية الكوكب، “يدور جزئياً” بمقدار 0.1 درجة على الأقل كل عام. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تأكيد الفرضية القائلة بأن دوران القلب الداخلي يخضع لتذبذبات لمدة ست سنوات من خلال الملاحظات الزلزالية المباشرة.
ويتغير طول اليوم بمقدار 0.2 ثانية زائد أو ناقص على مدار كل ست سنوات، وهو تذبذب يقابله اختلافات في المجال المغناطيسي للأرض.