حرية – (28/2/2023)
شربل صفير
تُعَدّ جريمة الاتجار بالبشر إحدى أبرز الجرائم التي نشطت في العراق خلال السنوات الأخيرة، حيث يتواصل الإعلان عن كشف وضبط عمليات المتاجرة بالأعضاء البشرية في البلاد، لدرجة نقلها للخارج من قبل شبكات وعصابات منظّمة، بشكل بات يهدد بتحولها لظاهرة وفق ناشطين ومدافعين عن حقوق الإنسان، وسط انتقادات متكررة لإجراءات وخطط مكافحة تلك الجرائم.
ويعزو مراقبون اتساع ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق، إلى الفقر والبطالة وقوة الجماعات المسلحة التي يتهمونها بدعم الشبكات الإجرامية، حيث تمتلك هذه الجماعات الحصة الأكبر من شبكات الاتجار وتوفّر لها الحماية الأمنية والقانونية.
تهاون حكومي
وفي أحدث الجرائم، ما أعلنته خلية الإعلام الأمني عن إلقاء القبض على 13 متهماً بالاتجار البشر وتهريب المخدرات في محافظة بغداد.
وذكرت الخلية، أنّ “العصابة التي تتاجر بالبشر مكونة من 13 متهماً من بينهم 5 سيدات، وكانوا ينقلون النساء إلى خارج البلاد، وجرت عملية القبض عليهم في منطقة الكرادة”.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي العراقي، علي السامرائي، إن “جرائم الاتجار بالبشر تعدّ الأخطر حالياً بعد ملف تهريب وتجارة المخدرات، والجريمة تساهم في انتشار المخدرات من خلال تخصيص أفراد لعمليات توزيع المخدرات في الأحياء والمدن، وخلال الأشهر الماضية سجلت السلطات ارتفاعاً كبيراً في حالات الاتجار بالبشر، وأكثرها كان في بغداد”.
ويشير السامرائي، إلى أن “هناك تقصيراً واضحاً من الحكومة، لتهاونها في هذا الملف، حيث هناك قانون لمكافحة الاتجار بالبشر لكنه غير مفعّل بالطريقة الحقيقية، كما أن العراق لم يفِ لحد الان بالالتزامات الدولية بخصوص مكافحة الاتجار بالبشر، لذا هي مشكلة ممنهجة تتعلق بالسلطات التنفيذية، ونفوذ وقوة الذين يتاجرون بالبشر والأعضاء البشرية”.
ويضيف أنّ “الاتجار بالبشر يعود لعدة أسباب أبرزها العوز المادي الذي أجبر الأهل على الاستغناء عن أولادهم للتخلص من تكاليفهم المادية، موضحا أنّ “الفئات الأكثر عرضة للاتجار بالبشر هم الأطفال عبر استخدامهم للتسوّل، والفتيات وخصوصا القاصرات منهن والشابات، عبر تزويجهن لأشخاص لا يعرفون شيئا عنهم، أو تسفيرهن إلى خارج البلاد”.
المؤبد والإعدام
وبدأ انتشار الاتجار بالبشر في العراق بعد عام 2003 بأشكاله المختلفة ما بين استغلال الأطفال للتسول وإجبار النساء على العمل في شبكات الدعارة وتجارة الأعضاء البشرية.
ولكثرة انتشار هذه الجرائم، أقرّ البرلمان العراقي قانونا حمل رقم (28) لسنة 2012 والذي عَرّف الاتجار بالبشر بأنه “تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم، بوساطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر، بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية”.
ويتضمن قانون مكافحة الاتجار بالبشر وفق الخبير القانوني، علي التميمي، عقوبات تصل إلى حدّ السجن المؤبد والإعدام في بعض الحالات، لكن قانونيين يرون أن عقوباته صعبة التطبيق لأسباب عدة، أبرزها اعتماد عمليات الاتجار على التحايل وخداع الضحايا، أو استغلال ظروفهم وظروف عائلاتهم، وهو ما يحتاج إلى جهد استخباري فائق لملاحقة تلك الحالات والكشف عنها.
ويرى التميمي في حديث له أنّ هذه الجرائم طارئة على المجتمع العراقي وهي تحتاج إلى التوعية والتعريف عبر وسائل الإعلام، مضيفًا أنّ من الجرائم التي جاء بها هذا القانون تجنيد الأشخاص واستقبالهم والاحتيال عليهم وخداعهم واستغلال السلطة لتحقيق هذه الجرائم وقد يكون هذا الاستغلال لأغراض الجنس أو التسوّل أو السخرة.
وأشار التميمي إلى أن “قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012، ينصّ على مواد وعقوبات كافية لمكافحة الظاهرة”، لكنه يؤكد أن عقوبات مواد القانون رغم صرامتها صعبة التطبيق، كونها تحتاج جهدا استخباريا خاصاً جداً، لأنها غالبا ما تترافق مع التحايل، ويضرب مثالا على ذلك إيهام النساء بالحصول على فرص عمل خارج البلاد، ليكتشفن أنهن ضحايا عمليات اتجار بالبشر فور مغادرتهن العراق.
وفي مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، أكدت منظمة “المصير” العراقية، توثيقها “ارتفاعا صادماً” في أعداد جرائم الاتجار بالبشر التي يقع ضحيتها النساء والأطفال.
وخلصت المنظمة إلى أن القضاء العراقي ما زال يتجنّب في بعض أحكامه اللجوء إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر في 2012، ويصدر أحكامه وفقاً لقانون العقوبات الصادر في 1969، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الاستغلال الجنسي، كما أنّ المؤسسات الحكومية تفتقر إلى وجود تعريف موحد لمفهوم الاتجار بالبشر، وهناك حاجة ملحة لمنح إجازات لفتح منظمات المجتمع المدني مراكز لإيواء ضحايا الاتجار بالبشر.