حرية – (6/3/2023)
شهدت إجراءات حصر السلاح بيد الدولة دخولها حيز التنفيذ، بالرغم من جسامة التحديات التي تواجهها الدولة في تنفيذ قراراتها وكثافة انتشار الأسلحة المنفلتة.
لكن الداخلية وأجهزتها الأمنية والاستخبارية المختلفة، قررت المضي بكل حزمٍ لحصر السلاح بيد أجهزة الدولة الرسمية وإنهاء هذه الظاهرة، عبر تشكيل لجان دائمة وغرف عمليات في المقرات والمحافظات.
سلسلة جديدة من الإجراءات القانونية والأمنية، اتخذتها وزارة الداخلية للحد من ظاهرة النزاعات العشائرية وتأثيراتها السلبية في الأمن المجتمعي، تخللتها حملة واسعة النطاق لحصر السلاح بيد الدولة وتجريد الأهالي منه.
السلم الأهلي
مدير العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية اللواء سعد معن، أوضح أن الوزارة تمكنت من القضاء على النزاعات و(الدكات) العشائرية بنسبة كبيرة، في مختلف مناطق البلاد.
مضيفاً “لقد كان لوزارة الداخلية الدور الرئيس والمهم في فض تلك النزاعات والحفاظ على السلم الأهلي، وخاصة في القضايا المتعلقة بالنزاعات العشائرية، سواء من خلال مديرية شؤون العشائر في الوزارة التي لها مقر في بغداد والمحافظات، أو عبر تفعيل الإجراءات الرسمية مع القضاء”.
ولفت معن إلى “بذل جهود كبيرة في هذا الاتجاه وتنسيق عالي المستوى بين وزارة الداخلية ومجلس القضاء الأعلى في موضوعة (الدكة) العشائرية”.
إجراءات قانونية
مديرية شؤون العشائر بوزارة الداخلية، أكدت أنها تمكنت من فض وإنهاء أكثر من ستة آلاف نزاع عشائري خلال الأعوام الثلاثة المنقضية، من طريق إجراءات قانونية وأمنية استهدفت مثيري النزاعات، من خلال تعاون شيوخ العشائر.
العميد علي عجمي رسول الرماحي، قال: “لقد حددنا أسباب النزاعات العشائرية وكيفية معالجتها، وشخصنا المحافظات التي بها نزاعات وخصومات دائمية، وتواصلنا بالتنسيق مع العشائر الداعمة لسيادة القانون ولإجراءات وزارتنا لتحقيق الأمن وسحب السلاح المنفلت”.
مصادرة الأسلحة
وأضاف الرماحي “حقيقة أن السبب الأول لشيوع هذه النزاعات، هو السلاح المنفلت الذي استحوذت العشائر عليه بعد التغيير في العام (2003)، والآن بدأت القطعات الماسكة للأرض بمصادرة الأسلحة غير المرخصة والتي لا يمتلك أصحابها إجازة، إذ تم إيداعها في المديرية العامة للبنى التحتية، وبالتالي حسم أكثر من ستة آلاف ومئتي نزاع عشائري منذ (2020) ليومنا هذا”.
وتشهد مناطق العاصمة بغداد والمحافظات (لا سيما الجنوبية منها) بين فترة وأخرى نشوب نزاعات عشائرية تستخدم فيها مختلف الأسلحة، ما يثير حالة من الرعب والخوف لدى السكان المحليين، فضلاً عن انعدام السلم المجتمعي الذي تسببه هذه النزاعات.
تسجيل وإحصاء
مديرية شرطة محافظة البصرة بادرت من جهتها وتنفيذاً لتوجيهات الداخلية، بفتح عدد من المكاتب الخاصة بحصر ومصادرة الأسلحة غير المرخصة، إذ تم فتح مقر أو غرفة بكل مركز شرطة، مهمتها تسجيل وإحصاء السلاح الذي يتم ضبطه خلال المداهمات وغيرها.
قائد شرطة البصرة اللواء قاسم العتابي، أشار إلى وجود ثمانٍ وخمسين غرفة عمليات خاصة لتسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة، من قبل لجان مشكلة لهذا الغرض”.
مشيراً إلى أن الإقبال سيكون كبيراً من قبل حائزي الأسلحة الذين يستخدمونها خارج إطار الدولة، أو في النزاعات العشائرية التي تستخدم فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة”.
مؤتمر عشائري
برعاية أمير قبيلة العبيد في العراق والوطن العربي الشيخ قيس مزهر العاصي، وبإشراف عشيرة البوبصيري في محافظة البصرة، عقد مؤتمر عشائري كبير بحضور وجهاء ورجالات القبائل وشيوخها وساداتها.
وقال الشيخ شريف سلمان، “جاءت مقررات المؤتمر بالحث على التعايش السلمي، ودور العشائر في حصر السلاح بيد الدولة وتعاونها مع الأجهزة الأمنية ونبذ العنف والتشديد على تحميل الدولة مسؤولية تطبيق القانون على من يسيء وإدانة ما يسمى بـ (الدكة العشائرية) واستخدام السلاح غير المرخص”.
ونوه إلى أن العشائر شددت على ضرورة المشاركة بتطبيق القانون على الجميع دون استثناء بغض النظر عن انتماءاتهم وتجريم المخالفين والمستهترين بالنظام العام، حتى ننعم بالسلام والأمان في هذه المحافظة التي هي ثغر العراق ورئته الاقتصادية المهمة”.
سلطة البرلمان
النائب السابق في مجلس النواب، سعران الأعاجيبي قال:
“برأيي يجب أن تكون سلطة البرلمان، قوة داعمة فوق كل الانتماءات، إذ لا يمكن أن تكون قوة العشائر أكبر وأقوى من قوة القانون وأجهزته التنفيذية الرسمية”. منوهاً بأنه بسبب الانفلات وتسيد لغة السلاح المنفلت وغير المرخص، أصبحت العشائر أقوى من سلطة القانون، وهذا الأمر أخذ يفجر المزيد من النزاعات المسلحة التي يذهب ضحيتها المواطن البريء”.
ولفت الأعاجيبي إلى أهمية أن يكون هنالك دور للقبائل كما كان دورها في الدفاع عن تربة هذا الوطن، وتلبية نداء المرجعية حين قدموا الشهداء والتضحيات.
مستدركاً “لا بد أن يكون لتلك العشائر اليوم دور كبير بتغليب قوة وهيبة القانون والتنسيق العالي مع السلطات في جميع المحافظات لتغليب لغة العقل ولجم قعقعة السلاح كي تسير سفينة البلاد بأمان واستقرار نحو مستقبل زاهر للأجيال”.
اجتماعات
تنفيذاً لتوجيهات الحكومة ووزارة الداخلية، ووفقاً لما جاء بالمنهج الحكومي الذي أعلنه القائد العام للقوات المسلحة، في الفترة المنصرمة وتحديداً الفقرة التاسعة من محور أمن واستقرار العراق، تم وضع آليات المنهج أعلاه في البرنامج الوزاري في وزارة الداخلية لحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
وكانت الأولوية في هذا الموضوع هي حصر السلاح بيد الدولة من خلال اللجنة الوطنية الداعمة لحصره بيد الدولة. إذ عقدت الاجتماعات للجنة المختصة برئاسة وكيل الوزارة لشؤون الشرطة وبإشراف مباشر من قبل وزير الداخلية.
وذكر العميد منصور علي سلطان من وكالة وزارة الداخلية لشؤون الشرطة، أن “اللجنة الوطنية الدائمة للسيطرة على سلاح في مقر ووكالة الوزارة لشؤون الشرطة، عقدت المؤتمر التحضيري الأول لتنفيذ المرحلة الأولى للسيطرة على السلاح وتسجيل الأسلحة الخاصة بالمواطنين، واللقاء مع الجهات ذات العلاقة”.
ولفت سلطان إلى أن القصد من الاجتماع هو توحيد الرؤى والخروج بأفضل المستجدات وتحديد التحديات لتجاوزها، والانطلاق بهذه المرحلة ضمن التوقيتات الزمنية في المنهاج الحكومي، الذي أعلنه رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة”.
وأفاد أن وزارة الداخلية جادة في تنفيذ هذا البرنامج، بالتنسيق والتعاون مع الجهات ذات العلاقة وتبادل الرؤى والقابليات للنهوض، بأفضل المستويات، إذ تم البدء بهذه المرحلة من خلال مراكز الشرطة، وتسجيل الأسلحة الخاصة وتسهيل الإجراءات الموجودة لدى تلك المراكز واللقاء بالمواطنين لتكون حملة فاعلة للسيطرة على السلاح وتقنين استخدامه.
تشكيك وتساؤلات
وشكك بعض المواطنين في جدية تنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة، لا سيما في ظل حماية بعض الجهات السياسية لتجار الأسلحة وتوفير إجازات وهمية لحيازة هذه الأسلحة.
يقول الناشط الحقوقي ماجد أبو كلل: “أعتقد أن قضية حصر السلاح بيد الدولة، مسألة رئيسة يجب الوقوف عندها وبالتالي يكون تنفيذها وفق آليات ومعطيات ثابتة للحد من هذه الظاهرة”.
وحول المعوقات التي يتوقع بروزها، أضاف “المعوقات هي وجود قوى سياسية تعتاش على السلاح المنفلت وتجعل من هذا السلاح مظلة لها، وتقوم العشائر المناصرة بحماية تلك المظلة، ما يجعل تنفيذ القرار عقيماً أو ميتاً في مهده” حسب تعبيره.
ونوه ماجد بأن “تسجيل وترخيص السلاح يحتاج إلى آلية واسعة، وليس مجرد أن تدعو المواطن وتقول له “تعال سجل سلاحك”، والمواطن عنده في بيته ثلاث أو أربع قطع سلاح، فماذا سيسجل وماذا سيخفي؟”.
ويسترسل “المواطن اشترى هذا السلاح بماله الخاص، فهل ستعوضه الدولة مثلاً أو تصادره بدون مقابل، ونحن نعرف أن ثقة المواطن بالدولة ضعيفة وبالتالي لن يرضخ ويسلم سلاحاً أو يسجله من دون محفزات وضمانات”.