حرية – (12/3/2023)
يعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران خطوة مهمة على طريق تطبيع العلاقات بينهما، لكن لماذا يظل الاتفاق خطوة محدودة على طريق إنهاء الصراع بين طهران والرياض؟
موقع أسباب المتخصص بالتحليل السياسي والاستراتيجي، نشر تقريراً حول الاتفاق بين السعودية وإيران بوساطة الصين، يضع الأساس لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وإعادة فتح سفارتي البلدين خلال شهرين، على أن يعقد وزيرا خارجية البلدين اجتماعاً لوضع الخطوات العملية لتنفيذ ذلك.
ومما لا شك فيه أن خطوة تبادل السفراء بين السعودية وإيران تمثل تقدماً حقيقياً في العلاقات بينهما، إلا أن هذا الإعلان، الذي تم من العاصمة الصينية بكين يوم 10 مارس/آذار 2023، يظل خطوة محدودة، وهذه هي الأسباب.
عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران
كانت إيران والسعودية قد أعلنتا استئناف العلاقات بينهما بعد قطيعة استمرت 6 سنوات، وهددت الاستقرار والأمن في الخليج، وساعدت في تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط من اليمن إلى سوريا.
وجاء الإعلان عن الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بعد محادثات لم يعلن عنها من قبل، استمرت أربعة أيام في بكين، بين كبار مسؤولي الأمن من البلدين.
وذكر بيان صادر عن إيران والسعودية والصين، أن طهران والرياض اتفقتا “على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران”. وأضاف “الاتفاق يتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.
ووقع الاتفاق علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ومساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة، عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني السعودي، واتفق خلاله البلدان على إعادة تفعيل اتفاقية للتعاون الأمني تعود لعام 2001، بالإضافة إلى اتفاقية أخرى سابقة للتجارة والاقتصاد والاستثمار.
ووصف وانغ يي، كبير الدبلوماسيين الصينيين، الاتفاق بأنه انتصار للحوار والسلام، مضيفاً أن بكين ستواصل لعب دور بنّاء في تسوية القضايا العالمية الصعبة.
كانت السعودية قد قطعت العلاقات مع إيران في 2016، بعد اقتحام سفارتها في طهران في أثناء خلاف بين البلدين، بشأن إعدام الرياض رجل دين شيعياً. وحمّلت السعودية إيران المسؤولية في السنوات القليلة الماضية عن هجمات صاروخية وبطائرات مسيرة على منشآت نفطية بالمملكة في 2019، وكذلك هجمات على ناقلات في مياه الخليج. ونفت إيران الاتهامات.
وكثيراً ما نفذت جماعة الحوثي اليمنية، المتحالفة مع إيران، هجمات صاروخية وبطائرات مسيرة عبر الحدود على السعودية، التي تقود تحالفاً يُقاتل الحوثيين، وفي 2022 اتسع نطاق الضربات إلى الإمارات.
ماذا يعني الاتفاق بين الرياض وطهران؟
يعكس الإعلان والبيان الثلاثي أنه لم يتم بعد التوصل لتفاهمات شاملة حول القضايا الإقليمية بين البلدين، علماً أن هذه القضايا، وبخاصة الحرب في اليمن، هي أبرز أسباب قطع العلاقات بين السعودية وإيران قبل سنوات، إضافة إلى ملفات أخرى، وكل ما تم الإعلان عنه هو وضع أسس العلاقة الثنائية بينهما.
ويمكن ملاحظة هذا الأمر من خلال التوقف عند بيان الخارجية المصرية المقتضب حول هذا التطور، والذي جاء فيه أن القاهرة “تتابع باهتمام” الاتفاق، متطلعة إلى أن يعزز الحفاظ على “مقدرات الأمن القومي العربي”، كما أعلنت الرئاسة المصرية أنها تتطلع إلى أن ينعكس الاتفاق إيجابياً على سياسات إيران الإقليمية، بحيث “تراعي الشواغل المشروعة لدول المنطقة”.
وقالت الرئاسة المصرية، في بيان رسمي، إن هذه الخطوة مهمة، وإنها تثمن التوجه الذي انتهجته السعودية في هذا الصدد، من أجل إزالة مواضع التوتر في العلاقات على المستوى الإقليمي.
وصرَّح المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، أن بلاده تُقدّر هذه الخطوة المهمة، وتشدد على تأكيد ارتكازها على مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة من حيث احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وترسيخ مفاهيم حُسن الجوار وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
كما أكد فهمي أن مصر تتطلع إلى أن يكون لهذا التطور مردود إيجابي إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية، ويشكل فرصة سانحة لتأكيد توجهها نحو انتهاج سياسة تراعي الشواغل المشروعة لدول المنطقة، بما يعزز من فرص التعاون وتوطيد التواصل الإيجابي فيما بينها، من أجل رسم مسار للعلاقات يلبي آمال شعوب المنطقة في الازدهار والتقدم.
وتحمل هذه البيانات مؤشرات واضحة على الطبيعة المحدودة للاتفاق، والتي لم ترتب على إيران التزامات إقليمية.
هل انتهى الصراع بين الرياض وطهران؟
من اللافت أن يأتي الاتفاق مباشرة عقب استضافة الرياض، في فبراير/شباط الماضي، اجتماعات رفيعة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، مثل اجتماع مجموعة العمل الخاصة بالدفاع الجوي والصاروخي المتكامل والأمن البحري واجتماع مجموعة العمل الخاصة بمكافحة الإرهاب، وفي كل هذه الاجتماعات كانت مواجهة “التهديد الإيراني” محوراً للنقاش والتنسيق.
وبحسب معلومات توفرت لموقع “أسباب”، فقد أبلغت واشنطن دول الخليج خلال الاجتماعات بأن الخيارات المتاحة للتعامل مع إيران مازالت لا تشمل الحرب، وإنما تقتصر على ثلاثية “الردع والعقوبات والتفاوض”.
لذلك من المبكر تصوير الاتفاق وكأنه نهاية للصراع طويل الأمد بين السعودية وإيران، كما أنه لا يمثل تغيراً في نظرة الرياض لطبيعة “التهديد الإيراني”، ولكن تغيراً في استراتيجية التعامل مع هذا التهديد، فالسعودية تسعى لتعزيز قدراتها على ردع تهديدات إيران عبر تطوير التنسيق مع الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه تسعى للحد من التصعيد المباشر والتوصل لتفاهمات أمنية مع إيران، لتجنب تهديد أراضي المملكة، وتجنيب الرياض التبعات الأمنية والاقتصادية للمواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل، والتي تدور بعض أنشطتها في مياه الخليج، وهو النهج نفسه الذي تبنته الإمارات منذ أواخر عام 2019.
الخلاصة هنا هي أن الاتفاق لا يضع نهاية للانقسام الجيوسياسي بين الرياض وطهران، ولكنه بداية لمرحلة جديدة أولوية السعودية فيها إدارة هذا التنافس عبر أدوات غير عسكرية، ويتناغم هذا مع مساعي ولي العهد السعودي لوضع نهاية لحرب اليمن، والتركيز على تعزيز الاستثمارات والتنمية الاقتصادية.
الصين والنفوذ المتنامي في المنطقة
لكن على أية حال، يمكن القول إن مجيء الإعلان عن الاتفاق من العاصمة الصينية بكين يمثل نقطة تحول رئيسية في الشرق الأوسط، وهي منطقة النفوذ الأمريكي بامتياز، أو هكذا كانت على ما يبدو.
فالمفاجأة الأهم هي رعاية الصين للجولة الأخيرة من الحوار، وتوقيع الاتفاق في بكين، ويشير هذا إلى قدرة بكين المتزايدة على الاستفادة من نفوذها الدولي للمساعدة في حل نزاعات خارجية ليست الصين طرفاً فيها.
ومن اللافت أن تأتي الخطوة غير بعيدة عن طرح الصين رؤيتها لإنهاء الحرب في أوكرانيا، خاصة أنها قد تكون أكثر الأطراف المرشحة للوساطة من قبل روسيا، وهو ما يضع الصين “كصانعة سلام محتملة في أوكرانيا”، حتى من قبل دبلوماسيين أمريكيين مخضرمين.
ورغم إطلاع الرياض واشنطن على المحادثات، وإعلان البيت الأبيض أنه يدعم الاتفاق باعتباره يبشر بنهاية لحرب اليمن، فإن هذا لا يقلل من الدلالة الجيوسياسية للحدث؛ فمع التسليم بتفوق النفوذ الأمريكي سياسياً وأمنياً في المنطقة، لم يعد هناك شك حول حقيقة نفوذ الصين في الشرق الأوسط، وقدرتها على تمثيل بديلٍ على الأقل في بعض القضايا، وهو ما عبَّر عنه “شمخاني” في تصريح تلفزيوني، قائلاً إن طهران تأمل أن يخلق هذا الاتفاق “توازناً في سلوك القوى الأجنبية بالمنطقة”.
المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، ذكر الجمعة أن السعودية أبقت واشنطن على اطّلاع بشأن محادثاتها مع إيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، لكن الولايات المتحدة لم تشارك فيها بصورة مباشرة. وأوضح أن واشنطن أيدت هذه العملية، باعتبار أنها تسعى لإنهاء الحرب في اليمن.
لكن المؤكد هو أن للاتفاق جانباً يثير عدم ارتياح المسؤولين في واشنطن إلى حد كبير، وهو دور الصين كوسيط للسلام في منطقة لَطالما تمتعت فيها الولايات المتحدة بالنفوذ.
جيفري فيلتمان، المسؤول الكبير السابق في الولايات المتحدة والأمم المتحدة، قال لرويترز إن دور الصين هو الجانب الأهم في الاتفاقية، لا إعادة فتح السفارات بعد 6 سنوات من القطيعة.
وأضاف فيلتمان، الباحث في معهد بروكنجز: “سيتم تفسير ذلك، وربما هذا هو الصحيح، على أنه صفعة لإدارة بايدن، وكدليل على أن الصين هي القوة الصاعدة”.
ومن جانب آخر، ترسل الوساطة الصينية أيضاً رسالة ضغط سعودية واضحة على واشنطن، تُظهر أن المملكة جادة في تنويع تحالفاتها، وهي رسالة في توقيت حاسم قدمت الرياض فيه مطالب محددة من واشنطن، تتمثل في الحصول على ضمانات أمنية يقرها الكونغرس، والمساعدة في تطوير برنامج نووي مدني، والحد من القيود على مبيعات الأسلحة الأمريكية.
صحيح أن السعودية وضعت هذه المطالب كشروط مقابل التطبيع مع إسرائيل، لكنّها ترتبط في الأصل بما تريده الرياض من واشنطن، أكثر من كونها مرتبطة بالانضمام “لاتفاقيات أبراهام”؛ لأن البديل سيكون اعتماد الرياض على حلفاء دوليين آخرين، بما فيهم الصين، لتلبية هذه المتطلبات الحيوية.