حرية – (12/3/2023)
مستغلا من التحولات التكنولوجية الحديثة ثغرة للنفاذ إلى المجتمعات، وتجنيد المقاتلين، بات الإرهاب ظاهرة عالمية عابرة للحدود، مما استدعى فرض إجراءات لمكافحته.
إلا أن مكافحة الإرهاب لا يجب أن تقودها جهود منفردة، بل إن دورا كبيرا يقع على عاتق منظمة الأمم المتحدة في وضع آليات لمعالجة عوامل انتشار التطرف ومنع تمدده عبر الحدود، وتعزيز جهود المؤسسات الوطنية في محاربة التنظيمات الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويلها ومراقبة الوسائل التي تلجأ إليها في تجنيد الأفراد.
فما عوامل انتشار الإرهاب؟
يقول المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إن المسافات بين دول العالم تضاءلت منذ تسعينيات القرن الماضي، بتطور وسائل التواصل وتبادل المعلومات بعد الاتجاه نحو الانفتاح على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ظهور العولمة كان له آثار ليس فقط على الجوانب السياسية والاقتصادية، بل امتدت لتصل إلى معدلات انتشار الإرهاب دولياً، بحسب المركز الأوروبي، الذي قال إن علاقة طردية نشأت بين مدى انتشار العولمة ودرجة تمدد الإرهاب.
وأشار إلى أن المتغيرات العالمية بداية من الثورة الصناعية والتحولات السياسية كحقبة الحرب الباردة وما تلتها من تغيرات جيوسياسية وصولاً إلى الثورة التكنولوجية، أسهمت في تحول الإرهاب لظاهرة دولية، لسهولة انتشار الأفكار المتطرفة عبر مواقع التواصل التي استغلتها الجماعات المتطرفة كأداة لتجنيد عناصر من مختلف الدول لصفوفها.
سلاح ذو حدين
وبحسب دراسة المركز الأوروبي، فإن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 تعد دليلا واضحا على العلاقة الطردية بين العولمة وانتشار الإرهاب، نظرا لاستغلال منفذي الهجوم، التطور العلمي والتكنولوجي في اختطاف 4 طائرات نقل مدني لتنفيذ مخططهم الإرهابي.
ورغم ذلك، إلا أن العولمة لعبت دوراً في محاربة الإرهاب بعد هذه الهجمات عبر تشديد الرقابة على أنشطة الجماعات المتطرفة في الفضاء الإلكتروني وعلى أرض الواقع عبر إجراءات حوكمة شبكة الإنترنت.
إلا أنه في الآونة الأخيرة تزايدت المخاوف عالميا من تحول الفضاء الإلكتروني إلى ساحة تطرف والتوسع في ممارسة ما يعرف بـ”الإرهاب الإلكتروني”، مع تزايد استخدام التنظيمات لشبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي في التنسيق بين عناصرها وتجنيد عناصر جديدة وبث المواد المتطرفة.
كيف حاربت المؤسسات الدولية الإرهاب؟
- 1937.. أقرت الأمم المتحدة اتفاقية جنيف والتي استهدفت إجراءات لمنع الإرهاب ومعاقبة العناصر المتورطة بالإرهاب وتحقيق التعاون بين الدول في مواجهة الأنشطة المتطرفة.
- نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات.. شددت الأمم المتحدة من استراتيجية الحد من التطرف.
- 1963.. وقعت الدول الأعضاء على اتفاقية طوكيو المتعلقة بالجرائم المرتكبة على متن الطائرات.
- 1970.. طرحت الأمم المتحدة مفهوم الإرهاب الدولي باعتباره من وسائل الإكراه بين دول العالم.
- 1972.. طرحت المنظمة الأممية مناقشات حول ظاهرة الإرهاب.
- 1979.. استهدفت اتفاقية نيويورك محاربة الإرهاب وتحديداً الجرائم الخاصة باحتجاز الرهائن.
- 1985 و1987.. أصدرت الأمم المتحدة قرارين للتأكيد على أهمية التصدي لظاهرة الإرهاب بالتعاون بين الدول والإجراءات المشتركة.
- 1988.. ناقش بروتوكول مونتريال أعمال العنف غير المشروعة في المطارات والمستهدفة للطائرات المدنية.
- 1991.. ناقشت اتفاقية مونتريال كشف المتفجرات البلاستيكية وسبل حظر تصنيعها.
- 1997.. طُرحت اتفاقية مكافحة العمليات الإرهابية بوساطة متفجرات.
- 1999.. وقُعت اتفاقية روما بشأن الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية واتفاقية منع تمويل الإرهاب.
- 2003.. وافقت الأمم المتحدة على إدانة الأعمال الإرهابية.
- 2005.. ناقشت الاتفاقيات الدولية لمنع أعمال الإرهاب.
- 2006.. اعتمدت استراتيجية لمكافحة الإرهاب التي أصبحت نقطة تحول في المنهجية الأممية لمواجهة الإرهاب.
- 2015.. كانت هناك محاولات لإنشاء مجموعة عمل لصياغة اتفاقية متعلقة بالإرهاب الدولي لم تكلل بالنجاح لعدم توافق الدول على تعريف موحد للتطرف والإرهاب.
قرارات مجلس الأمن:
- رغم غياب تعريف موحد للإرهاب، إلا أن انتشار الأعمال الإرهابية دفع مجلس الأمن إلى اتخاذ عدة قرارات بشأن معاقبة مرتكبي الجرائم الإرهابية وإدراج بعض الكيانات على قوائم الإرهاب بدلاً من فرض عقوبات على الدول نفسها؛ بينها:
- 1999.. أقر القرار (1267) تجميد أصول الأفراد والكيانات ذات الصلة بتنظيم القاعدة وحركة طالبان ومنع تزويدهم بالأسلحة.
- 2001.. أقر القرار رقم (1373) عقب هجمات 11 سبتمبر للمطالبة بإعلان حزمة إجراءات لتجريم تمويل الإرهاب ودعمه بالمال أو توفير ملاذ آمن وإنشاء لجنة لمكافحة الإرهاب.
- 2004.. اتخذ قرارات رقم (1526) و(1530) و(1535) لدعم جهود الدول في محاربة التطرف ومتابعة تنفيذ قرار (1373).
- دشن لجنة أخرى لمكافحة الإرهاب بقرار 1540 للحد من انتشار الأسلحة في يد التنظيمات المتطرفة، إضافة إلى التوصية باتخاذ إجراءات ضد التنظيمات وإنشاء صندوق لتعويض ضحايا العمليات الإرهابية.
دور الإنتربول:
يعتمد الإنتربول على جمع المعلومات وتحليلها لتحديد هوية التنظيمات المتطرفة ومصادر تمويلها، لتعطيل أنشطتها ومعاقبة المتورطين بتنفيذ عمليات إرهابية.
يعمل الإنتربول على تعزيز التعاون بين أجهزة الاستخبارات حول العالم للكشف عن المخططات الإرهابية قبل حدوثها وملاحقة العناصر المرتبطة، خاصة أن هذه الجماعات تلجأ إلى تجنيد مقاتلين أجانب وذئاب منفردة عبر المنصات الإلكترونية لتنفيذ هجمات إرهابية عابرة للحدود.
ويعد الإنتربول أول منظمة دولية تعمل على تبادل المعلومات بين أجهزة الشرطة والجيش بين الدول ما يربط بين التحقيقات والملاحقات القضائية، ويمكنهم من إيقاف العناصر المتطرفة أثناء تنقلهم بالكشف عن وثائق السفر الخاصة بالنشرات الزرقاء.
وكان الإنتربول أقر مبادرات لمتابعة تحركات الشبكات المتطرفة وتفكيكها عبر التعاون بين الهيئات الدولية والإقليمية المسؤولة عن مكافحة غسل أموال وتمويل الجماعات المتطرفة، وتحليل استخدام المتطرفين لشبكة الإنترنت وأكثر التطبيقات المستخدمة لتحديد الهوية ومناطق التواجد، ورفع وعي المؤسسات بخطورة المقاتلين الأجانب والعائدين إلى أوطانهم بعد التحاقهم بالتنظيمات.
دور اليوروبول:
يعد اليوروبول هيئة مسؤولة عن تطبيق القانون الأوروبي، تعمل منذ مطلع التسعينيات على حفظ الأمن وتقديم الدعم للدول الأعضاء في التكتل الأوروبي بشأن مكافحة الإرهاب والتنسيق المشترك لتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية لتعقب مرتكبي الجرائم الإرهابية والتصدي لأي أعمال أخرى مخطط تنفيذها.
تدريجياً تطور هذا الدور المعلوماتي والاستخباراتي إلى مستوى سياسي يتعلق باتخاذ قرارات سياسية في إطار محاربة التطرف.
ويسعى اليوروبول إلى ضمان تنفيذ قانون الاتحاد الأوروبي وإزالة أي معوقات أمام جمع البيانات والحصول عليها والتأكد من تعاون جميع الأعضاء في مواجهة الإرهاب، إضافة إلى تقديم المشورة والحلول لمواكبة تطورات العولمة وما تبعتها من أدوات حديثة تلجأ لها الجماعات المتطرفة في نشر أفكارها.
عوائق أمام محاربة المنظمات الدولية للتطرف:
رغم ما قدمته منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في ملف محاربة التطرف، إلا أن هناك ثلاثة عوائق بشأن تطوير هذه الخطوات وجعلها أكثر فعالية وتأثيراً.
العائق الأول:
يتمثل في غياب مفهوم الإرهاب الدولي وعدم توافق دول العالم على تعريف موحد، ما يجعل من عدم حسم هذا الأمر شيئًا خطيرًا، وخاصة وأن هذه المنظمات ستقف عاجزة أمام وضع الطرق المناسبة لمكافحة الأفكار المتطرفة والتوافق على إدراج بعض الكيانات والتنظيمات على قوائم الإرهاب، ما يجعل من الإجراءات المعلنة بشأن محاربة التطرف ذات تأثير محدود لإغفالها مؤسسات وأشخاص ذات صلة بتنظيمات متطرفة.
العائق الثاني
تطور الإرهاب الرقمي وانتشار الدعاية المتطرفة بشكل أوسع بين دول العالم، يجعل من الصعب على المسؤولين والمؤسسات المنوطة بملاحقة التنظيمات المتطرفة وتشديد الرقابة على المنصات الإلكترونية.
العائق الثالث:
انتشار ظاهرتي المقاتلين الأجانب والذئاب المنفردة وسهولة استقطاب التنظيمات لعناصر جديدة لها وتنفيذ عملياتها دون الانتقال إلى الدولة المستهدفة، ما يجعل من الكشف عن المدبرين الرئيسيين للعمليات وتحديث أدوات الملاحقة ومراقبة المحتوى المتطرف صعباً.
مراحل اهتمام العالم بمحاربة التطرف:
المرحلة الأولى:
الإقرار بالمشكلة.. بدأت مع تسعينيات القرن الماضي بإقرار المؤسسات الدولية بعض الإجراءات وبداية مناقشة خطورة المشهد العالمي بعد تشابك مفهوم الإرهاب مع العولمة.
المرحلة الثانية:
مواجهة حذرة.. بدأت بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي تعد نقطة تحول في تعامل المنظمات الدولية مع هذا الملف بإدراج كيانات على قوائم الإرهاب وإنشاء مراكز متخصصة لمكافحة التطرف.
المرحلة الثالثة:
مواجهة فعلية.. تزامنت مع ظهور تنظيم “داعش” في 2014 وارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية في العالم، الأمر الذي دفع المؤسسات الأوروبية والدولية في تشديد رقابة الحدود وشبكة الإنترنت وتفعيل العمل المشترك مع كافة دول العالم للحد من الإرهاب.
المرحلة الرابعة:
البحث عن حل جذري.. دخل العالم إلى هذه المرحلة خلال العقد الأخير من القرن الحالي بالتدريج، مع صعود بعض الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، وتمددها في أوروبا بشكل ملحوظ إلى جانب الجماعات اليمينية، ما أدى لاتخاذ بعض الدول قرارات حاسمة لإبعاد التطرف عن مؤسساتها السياسية والاقتصادية والتعليمية والدينية.