حرية – (15/3/2023)
حسن حسين الحميري
فتحت مريم عينيها الواسعتين ذات الوجه البراق كأنها فلقةُ قمر في بيتٍ آخذٍ بالجمال ويزخرُ بالحب والألفة
مع والدها( عوض) ووالدتها ( هاجر ) كان بيت فخماً وكبيراً وذو شرفات تطلُّ على حديقة مُغطاة بالأشجار وتفوح منها عطور الورد المختلفة الألوان و مكون من عدة طوابق.. عوض وهاجر حاصلان على شهادة جامعية و يعيشان بسلام وود مع كل من يحيط بهما من أصدقاء و جيران، لم تشأ هاجر العمل فى المؤسسات الحكومية وفضلت مهنة ربة البيت على غيرها من أعمال، يعمل عوض في الاشراف على إدارة شركته المتخصصة فى استيراد السيارات، هذا العمل جعل منه وعائلته العيش فى بحبوحه ويسر، ولتفاعلهما الطيب مع من حولهما جعلهما موضع احترام المحيطين بهما كان خلف قصرهما كوخ يسكن فيه فلاح وزوجته، آثار العوز والفقر بادية على تقاسيم وجههما، تقوم المرأة بتنظيف الدار والعناية بالأفرشة وربما قامت بإعداد الشاي والفطور, أما زوجها فغالبا مايقوم بالعناية بحديقة الدار وترتيبها والإعتناد بالورود وتنظيفها و كثيرا ما استصطحبا مريم مجتمعين او كل على انفراد الى المدرسه القريبة بعد أن يركبا صحبة مريم فى المقعد الخلفي للسيارة المرسيدس الفخمه التي يقودها (عوض) والد مريم، وبعد أن يصلوا بالسيارة إلى باب المدرسة كثيرا ما اجتمع الطلبه على مسافة ليست بعيدة عن باب المدرسة وهم يغبطون مريم على ركوبها فى سيارة والدها كون السيارة كانت تعبّر عن رفعة اجتماعية ناهيك عن كونها سيارة مارسيدس حديثة، تقوم مريم بوداع والدها الذي ينطلق بسيارته باتجاه مقر عمله اما الرجل الفقير و زوجته فيستصطحباها الى داخل المدرسة ويطمئنان على سلامة وصولها وبعد أن يوصيا إدارة المدرسة بمريم خيرا راجعان إلى داريهما مشيا على الاقدام.. انهت مريم الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية ثم اصبحت طالبة جامعية فى كلية الهندسة بغداد، وحصلت على قسم داخلي تأوي اليه صحبة زميلاتها بعد انتهاء دراستهن فى الكلية، ابتعدت عن والدها ووالدتها كما ابتعدت عن عناية خادمتها وزوجها، ولم تعد تلتقي بهما يوميا كالسابق، كثيرا ما حضرا إليها فى القسم الداخلي صحبة والدها ووالدتها بسيارتهما الفارهه.. الان أصبحت فى الغالب تشاهدهم بعد ايابها من السفر كل خميس،تخبر والديها هاتفيا قبل قدومها لزيارتهما وعند وصولها لبيتهما يكون اول المنتظرين لها الفلاح وزوجته، يستقبلانها بلهفة فيقبلانها ويحتضناها ويحملان بدلا عنها حقائبها، ويستصحبانها إلى غرفة نومها التي قاما تنظيفها وترتيبها استعداد لقدومها، عند جلسة المساء العائلية كانت تجلس صحبة والديها لمشاهدة التلفاز، كثيرا ماكان والدها يسألها عن وضعها الدراسي واحتياجتها و يسلمها مصروفها الاسبوعي فى تلك الامسيات العائلية خوفا من أن ينسى صباحا إعطائها مصرف الجيب عندما يكون مهتما بالذهاب إلى دائرته، اما زوجة الفلاح فتقوم بكي ملابس مريم وشراء ماتحتاجه قبل سفرها الي بغداد لمواصلة دراستها.. أعجبت مريم بزميلها سعيد الذي شغف قلبها حبا واعجب سعيد بجمال مريم واخلاقها، استمرت علاقة الحب بينهما قوية وكل سنة هي أقوى وأفضل من السنة التي تسبقها, تعاهدا على أن يتزوجا بعد تخرجهما فى دراستها الجامعية, وفعلا أوفى سعيد بوعده, بعد أن فرغا من تعليمهما الجامعي حضر سعيد إلى دار اهل مريم مع والده ووالدته ومجموعة من الأصدقاء والمعارف فى ( مشية الخطوبة) لطلب يد مريم من أهلها اللذين مالبثوا ان وافقوا على اقترانها به لتاكدهما بعد استفسارهما مسبقا من أخلاقه. واستحضر التعاقد الديني وبحضور الشهود وتم عقد الزواج وأطلقت الزغاريد ونحرت الذبائح واعدت الولائم، وتم الزفاف وتناوبت عائلة مريم وسعيد الهدايا والزيارات. كان سعيد حريصا على زيارة اهل زوجته والاهتمام بهم ولا ينسى ان يجلب الي عمه والد زوجته الهدايا التي تحببه اليه وتفرحه، اما مريم فقد كانت تعد الثواني والساعات لليوم الجمعة الذي سوف تزور امها وابيها. كثيرا ما اسرت مريم والدتها عن علاقتها الخاصة بزوجها سعيد، اما والدتها فلم تكن تبخل عليها بنصيحة او معونة وفي نهاية الزيارة تكون هيأت لها الحاجيات والملابس التي سوف تستصحبها معها مريم كهدايا الى دار اهل سعيد.. أما والدها فكان حريصا على اعطائها النقود الذي ربما فى تكون فى حاجة إليها في أوقات حرجه ولتعزيز موقفها امام زوجها وعائلته. لم تكن مريم تترك بيت أهلها حتى تحتضن امها وابيها ودموع ألم الفراق تنسال من عينيها .
مرض عوض وقررت ابنته مريم زيارته ,كان ان ناقش مع زوجته هاجر ان يعلما مريم بتاريخ الاسرة، الا أنهما تراجعا وترددا ولم تتوفر لديهما الشجاعة لمصارحة ابنتهما مريم كون مريم هي الابنة الوحيدة لهما ولايريدان ان يصدعاها بالأمر. كان عوض وهاجر قد تعرضا لضغوط كبيرة من اقربائهما المقربون لأبعاد مريم من حياتهما، مستخدمين كافة وسائل التي تؤدي بهما إلى هذا الهدف سواء كانت دينية او اجتماعية، خاصة بعد زواجها وابتعادها عنهما. كانت زيارات أقارب عوض وهاجر مستمرة لدارهما وهم يذكرونهما بالاثم الكبير الذي سوف يقترفه عوض ان لم يستجب لنصائحهم خاصة بعد ان تعرضت الشركة التي يملكها اقارب الزوجين للافلاس الشديد. أخبر عوض اقربائهما ان لايستطيع ان يفعل مايريدون، بادره احد أقاربه المحامي( فاروق) بقوله( لاعليك اعطني وكالة عنك واني سأتولي الامرو واقيم الدعوى). اعتبر عوض هذا الأمر راحة له من العذاب المستمر الذي يستعر فيه.
في اليوم المعين للمراجعه سأل القاضى : عوض هل أنت عوض أجاب نعم، ثم سأل القاضي : هل أنت هاجر أجابت نعم، ثم سأل مريم هل أنت مريم أجابت بنعم ثم تكلم القاضى موجها كلامه لعوض وهاجر : هل ان كلاكما زوجا لآخر، اجابا نعم سيدي القاضي ثم وجه انظاره صوب مريم التي اجابت بعفويه دون ان يكلمها قائلة سيدي القاضي انهما والداي وان عوض والدي وهاجر والدتي وانا ابنتهما والجميع يعرف ذلك فهل هنالك خطأ في الاسماء او في تاريخ الميلاد قد وقع فيه امين السجل المدني او هناك جريمة معينه كون سؤالك يثير استغراب؟!! اجابها القاضي كلا ليس هنالك خطأ في اية واحده مما ذكرتي ولكن سوف تعلمين بعد ان يكتمل جمع الادلة, ثم سأل القاضي عوض هل مريم ابنتك ؟ فاجاب بالنفي وسأل هاجر ذات السؤال فاجابت كلا فسألهما فمن يكون والديها فأشارا إلى الفلاح وزوجته اللذين كانا حاضريين جلسة المحكمة , سأل القاضي الفلاح وزوجته هل مريم ابنتكما ؟ اجابا نعم ,وقد ضم عوض وهاجر إليهما للعوز المادي الذي كنا ننعاني منه، فقدت مريم توازنها ودارت بها الارض الكرويه فسقطت ارضا في قاعة المحكمه وهي تشاهد وتسمع مايدور امامها من تنصل والديها من بنوتهما لها وكيف سيكون موقفها امام زوجها وعائلته وصديقاتها في الجامعة.
كان سعيد واقفا في باب قاعة المحكمة يستمع لمايدور فيها والمه كثيرا الحال التي احاطت وألمت بزوجته مريم فأستأذن القاضي قائلا سيدي القاضي وقبل اصدارك لقرارك فاني اعلن امام الملأ وعلى رؤوس الاشهاد عن تمسكي بزوجتي مريم التي عرفت نبلها وخلقها وقيمها فهيا يامريم انتي و والديك الحقيقين هيا جميعا لنعيش في سقف واحد حياتنا الحقيقيه وليست المزيفه !!