حرية – (18/3/2023)
اللغات هي أداة من أدوات المعرفة والتعبير عن الذات، إذ تعتبر اللغة أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة. وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي.
بسبب اللغة نجح أسلافنا البسطاء في الوصول إلى القمر، وفك شفرة وجود الثقوب السوداء، واضطلع بدور محوري في اختراع كل شيء حرفياً.
فإذا قلت لك إنه “يمكنني طلب قهوتي بسبع لغات مختلفة!” فستبدو لك هذه الجملة رائعة، أليس كذلك؟ ولكن إذا قلت لك إنّه “يمكنني طلب قهوتي بنسبة 0.1٪ من جميع لغات العالم”، فستبدو لك هذه الجملة فجأةً باهتة قليلاً. إذا لم تكلف نفسك عناء طرح السؤال، “كم عدد لغات العالم؟”، فقد تبدو هذه النسبة غير مريحة، لكن الحقيقة هي أن سبع لغات لا تشكل سوى 0.1٪ من التنوع اللغوي على كوكبنا!
تقول نشرة Ethnologue السنوية إن هناك 7151 لغة معترفاً بها ومستخدمة، وتختلف عن اللغة الهجينة والمولدة (البيدجين والكريول).
مع ذلك، ووفقاً لموقع World Atlas الكندي، ثمة العديد من اللغات، مثل اللاتينية والقبطية والسنسكريتية، لم تعد مستخدمة بين الشعوب، لكن آثارها يمكن العثور عليها في العديد من المعاجم والبنى النحوية المعاصرة. والسبب وراء ذلك أن اللغة تميل إلى الامتزاج والاستعارة مع مرور الوقت، فضلاً عن تطوير كلمات جديدة. ينتج عن هذا المزيج لغات جديدة بمجرد أن يتحدث بها شعب ما، وهو شيء لا يكون متطابقاً مع اللغة الأصلية، وتلك العملية يمكن أن تستغرق مئات أو آلاف الأعوام.
كيف تتشكل اللغة؟
وفقاً لموقع World Atlas الكندي، تتطور اللغة الجديدة في الغالب بسبب العزلة الجغرافية والافتقار إلى توحيد المعايير، وهو ما يحدث من خلال التعليم المدرسي والأنظمة التعليمية. ومع ذلك، تتطور اللغة بوتيرة مستمرة مع مرور الوقت، وتظهر لغات جديدة وتزدهر من اللغات المجاورة، وأيضاً من التكرارات السابقة.
على سبيل المثال، تعد الإنجليزية القديمة غير مفهومة مقارنة بالإنجليزية المعاصرة؛ لأن استخدامها في حوالي عام 1000 ميلادياً، اتسم ببنى مختلفة للغاية بالنسبة للجمل ونطق الحروف المتحركة.
تتسم اللغة الآيسلندية بالتميز؛ لأن المواطنين العاديين في يومنا المعاصر قادرون على قراءة الكتابات القديمة، وهو نتاج لعملية متعمدة من المحافظة على التراث الثقافي.
بشكل عام، يغير البشر اللغة باستمرار من حيث الأصوات والكلمات والمعاني والقواعد، لدرجة أنه يصبح من الصعب بشكل متزايد فهم أقاربنا البعيدون عبر الزمان والمكان.
في الواقع يحدث تغير مماثل يسمى “تحول الحروف المتحركة في المدن الشمالية”، وذلك في أنحاء المدن الأمريكية مثل ديترويت وماديسون وبوفالو، حيث صارت بعض الكلمات تبدو مشابهة في نطقها برغم اختلاف معانيها.
تعد هذه التغيرات مؤشرات على التطورات الدراماتيكية التي حدثت على مدى آلاف السنين الماضية، مما أنتج العائلات اللغوبة. وتجدر الإشارة إلى أن عائلات اللغات هي مجموعة من اللغات ذات الاشتقاقات المشتركة. فمن بين 7151 لغة حالية، يمكن أن تدرج كل لغة منها مع عائلات لغات يصل عددها إلى 142 عائلة لغات لديها لغة بدائية سالفة.
أكبر 4 عائلات لغوية يتحدث بها العالم
من 142 عائلة لغات تتوزع عليها لغات العالم، هناك 4 عائلات لغوية هي الأكبر بالنسبة للغات الحالية، من ناحية عدد المتحدثين بها حول العالم، هذه العائلات هي:
اللغة الهندو الأوروبية
تعد أسرة اللغة الهندو أوروبية واحدة من أكبر أسر اللغات، إذ إن عدد المتحدثين بلغات أُم تنتمي إلى هذه الأسرة يصل عددهم إلى 3 مليارات شخص حول العالم.
تضم هذه العائلة عدداً كبيراً من اللغات، وتضم اللغة الرومانسية (الإسبانية، والفرنسية، والإيطالية)، واللغة الجرمانية (الإنجليزية، واليديشية، والألمانية، والنرويجية)، واللاتينية، ولغات منطقة الأناضول، ولغات الهند (السنسكريتية، والهندية والبنغالية بالتبعية).
المثير للدهشة أن الأدلة الحاضرة في اللغة الهندو أوروبية تساعد الباحثين في إعادة بناء اللغة الأم الأصلية لهذه اللغة، التي استخدمت الحروف المتحركة والحروف الساكنة التي نسمعها في عملية الإنتاج الصوتي الخاصة باللغات اللاحقة التي وُلدت من رحمها.
اللغة الإفريقية الآسيوية
تعدّ هذه العائلة الثانية في عائلات اللغات الأكثر انتشاراً في العالم، إذ يتحدث اللغة الإفريقية الآسيوية نحو نصف مليار نسمة، يتركّز أغلب المتحدثين بها في شمال إفريقيا والقرن الإفريقي والسودان والركن الجنوبي الغربي من قارة آسيا والتي تشمل الجزيرة العربية والهلال الخصيب، بالإضافة إلى أقليات في تركيا وإيران.
تعتبر العائلة اللغوية الأفروآسيوية هامةً جداً في مجال اللغويات التاريخية كما أنها تمتلك أطول تاريخ مسجل من أي عائلة لغات أخرى.
وتشكّل اللغة العربية واللغات المجاورة المرتبطة بها ثلثي هذه المجموعة، كما تتضمن بعض اللغات الإفريقية الآسيوية الحالية التي لا تزال مستخدمة -بجانب العربية- الأمهرية والصومالية ولغة الأورومو.
ومن المثير للاهتمام أن اللغة المصرية والبربرية والعبرية القديمة والآرامية، والعديد من اللغات الأخرى، تعتبر منقرضة الآن، برغم أنها أثرت في الأبجديات المعاصرة.
اللغة الصينية التبتية
يمكن تقفي أثر أكثر من 400 لغة وصولاً إلى اللغات الصينية التبتية، مع وجود حوالي 1.4 مليار شخص يتحدثون اللغات الصينية في الوقت الحالي. ومثلما هو الحال مع عائلات اللغات الأخرى، ثمة جدال ساخن حول منشأ هذه اللغات، ولكن يُعتقد على نطاق واسع أنها بدأت بمجموعة من الفلاحين الصينيين الشماليين في عام 5250 قبل الميلاد.
وتعد الصينية القديمة بطبيعة الحال أقدم نمط مكتوب للغات الصينية التبتية، حيث عُثر على أقدم أمثلتها في عام 1250 قبل الميلاد.
اللغات النيجيرية الكنغوية
يتحدث أكثر من 600 مليون شخص حول العالم في يومنا المعاصر لغات تنحدر من اللغة النيجيرية الكنغوية، ويتركز المتحدثون بهذه اللغات في المناطق التي تمتد بين السنغال وغانا وإفريقيا الوسطى وكينيا وأنغولا وموزمبيق، وصولاً إلى جنوب إفريقيا. وحتى السودان لديها جيب صغير يتحدث بلغات تنحدر من اللغات النيجيرية الكنغوية.
صحيحٌ أنّ هذه العائلة ليست صاحبة أكبر عدد من المتحدثين الحاليين في العالم، لكن اللغة النيجيرية الكنغوية تمتلك 1400 لغة مختلفة، مما يجعلها صاحبة أكبر مجموعة لغات من بين عائلات اللغات حول العالم. وعند المقارنة، نجد أن اللغات الهندو أوروبية لديها 445 لغة مختلفة، بينما تملك اللغات الصينية التبتية 400 لغة، وتملك اللغات الإفريقية الآسيوية 250 لغة مختلفة.
أما عن منشأ لغة العائلة النيجيرية الكنغولية، فيُعتقد أن التقاء نهري النيجر وبنوي هو مكان نشأة اللغة الأم الأصلية لهذه العائلة اللغوية، ولكن مرة أخرى، ثمة جدال ساخن حول هذا الأمر، ولن يهدأ إلا مع ظهور أدلة جديدة أو نظريات جديدة قادرة على إخماده.
أكثر اللغات المستخدمة حول العالم
وفقاً لموقع ethnologue، فإن 23 لغة فقط تمثل أكثر من نصف سكان العالم، مع ذلك يتحدث أكثر من مليار ونصف المليار شخص اللغة الإنجليزية التي تحتلّ المركز الأول من حيث عدد المتحدثين، وهو أمر مفهوم بالنظر إلى سهولة الوصول إليها واستخدامها في مجال الأعمال.
تأتي اللغة الصينية في المركز الثاني، بحيث يتحدّث بها أكثر بقليل من مليار شخص. وتحتل اللغة الهندية المركز الثالث بـ 602 مليون متحدث، فيما تحتل اللغة الإسبانية المركز الرابع، بـ 548 مليون متحدث. وتتبعهما اللغة الفرنسية في المركز الخامس بحوالي 275 مليون متحدث. تأتي اللغة العربية في المركز السادس بعدد متحدثين يصل إلى 274 مليوناً، وتليها البنغالية والروسية والبرتغالية والأردية، التي تتراوح بين 230 مليوناً و265 مليون متحدث حول العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك اختلافات حول هذه الإحصاءات؛ إذ تشير إحصاءات أخرى، على سبيل المثال، إلى احتلال اللغة العربية المركز الرابع على الأقل بين اللغات الأكثر انتشاراً حول العالم، بعدد متحدثين يتجاوز 400 مليون شخص.
أقل اللغات المستخدمة في العالم
على الجانب الآخر، ثمة لغات يتحدثها أقل من 10 آلاف شخص، بل إن هناك لغة يتحدثها شخص واحد فقط، وهي لغة تانيما، التي يتحدثها شخص واحد في جزر سليمان.
كما أنّ هناك لغات مثل لغة السينتينليز التي تعد معزولة عن العالم المعاصر، ولا يُعرف أي شيء عنها تقريباً؛ لأنها لا تستخدم إلا عن طريق قبيلة محمية تتكون من حوالي 150 شخصاً غير متواصلين بالعالم الخارجي، يعيشون في جزيرة صغيرة جنوب الهند.
110 لغات انقرضت في القرن الماضي فقط
خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، انقرضت سبع لغات فقط، لكن مع السنوات الماضية، ازداد عدد اللغات المنقرضة بشكلٍ كبيرٍ، كان أكبر عدد من اللغات المفقودة خلال القرن العشرين عندما أعلن انقراض ما مجموعه 110 لغات.
بالفعل هذا القرن تم تصنيف 12 لغة على أنها منقرضة، كانت أحدث لغة هي لغة Klallam، عندما توفيت هازل سامبسون في فبراير/شباط 2014، آخر متحدث لها باللغة الأم. كانت Klallam هي اللغة التقليدية لسكان الكلام الأصليين الذين يعيشون على مضيق خوان دي فوكا، الواقع في شبه الجزيرة الأولمبية في ولاية واشنطن وخليج بيتشير في جزيرة فانكوفر في كولومبيا البريطانية.
تجدر الإشارة إلى أنّ ما يقرب من 40٪ من اللغات الموجودة في العالم الآن مهددة بالانقراض، في وقتٍ يقدّر فيه الخبراء بقاء أقل من ألف لغة في المستقبل القريب مع انقراض البقية!