حرية – (20/3/2023)
عند الحديث عن تزوير الأموال، دائماً نفكر في أن هذا الفعل عبارة عن جرم يعاقب عليه القانون، لكن هناك شخص واحد تمكن من كسر هذه القاعدة، ونجح في طباعة دولارات مطابقة للأصلية، بشكل قانوني، وبدعم من المخابرات الأمريكية.
إنه الأمريكي اليهودي ريتشارد ربابورت، الذي يقوم بطباعة الأموال المزورة بشكل قانوني، وتحت أعين المخابرات الأمريكية، وذلك داخل مخزن خاص يمتلكه في مدينة أطلانطا، من أجل بيعها، أو تأجيرها للاستعمال في الأفلام، والمسلسلات، وفيديو كليبات الأغاني العالمية.
وقد تمكن ريتشارد من التربع على عرش صناعة الأموال المزورة للاستعمال الفني، وذلك منذ أكثر مما يزيد على 10 سنوات، وذلك لأنه يتقن طباعتها بشكل يقارب الحقيقة بأكثر من 90%.
صناعة نقود الأفلام حسب قانون الكشف عن التزوير
تعتبر صناعة النقود الخاصة بالأفلام والفيديو كليبات مجالاً حساساً للغاية، وذلك لأن هذه الأموال، في حال كانت مطابقة للأصل، يمكن أن يتم تداولها بشكل عادي.
ولذلك، حسب قانون الكشف عن التزوير في الولايات المتحدة الأمريكية لعام 1992، فإن الأموال التي تستعمل في الأفلام يجب أن تكون مطبوعة من جهة واحدة فقط، وأن تكون أكبر أو أصغر بكثير من العملة الحقيقية، إلا أنه ليس الجميع يقوم بتطبيق هذه القواعد.
ففي سنة 2001، وخلال تصوير أحد المشاهد في فيلم “Rush Hour 2” في لاس فيغاس، تم تفجير نحو 1 مليار دولار من الأموال المزورة التي كانت قريبة من الحقيقية بنسبة كبيرة جداً، إلا أن بعض هذه الأموال لم تحترق في هذا المشهد، وتمكن بعض الأشخاص من الحصول عليها وتداولها، الأمر الذي تسبب في العديد من المشاكل، بالنسبة للأشخاص الذين يقومون بطباعة هذه الأموال.
إذ حسب تصريح سابق لريتشارد ربابورت صاحب شركة “RJR Props” لتزوير الأموال، قال لـ”CNN”، إن أغلب هذه المصانع التي تطبع المال غير قانونية، وعند ضبطها يتم إغلاقها، وتغريم أصحابها.
أما في ما يخص شركته الخاصة، فيقول ريتشارد إنه على تواصل بشكل مباشر مع المخابرات الأمريكية، عبر مكتب الخدمة السرية، الذي يقوم بمراقبة الأموال التي يطبعها؛ لكيلا يتم تداولها بشكل غير قانوني، بعد الانتهاء من استعمالها في الأعمال الفنية.
إذ إنه يمتثل للقواعد الفيدرالية، مع إيجاد طرق لطباعة نقود بطريقة احترافية، قريبة جداً من الأوراق النقدية الأصلية، والتي تفوق درجة تطابقها 90%.
ريتشارد ربابورت.. كل ما يحتاج إليه صناع السينما
عند الدخول إلى صفحة ريتشارد ربابورت الخاصة عبر “linkedin”، تجده يعرف شركته الخاصة “RJR Props”، بالشكل التالي: “نحن نقدم الأوراق النقدية غير الأصلية للأفلام، والتلفزيون، والإعلانات التجارية، ومقاطع الفيديو الموسيقية، والمؤتمرات، وشركات الإنتاج، لقد قدمنا هذه الأوراق النقدية لأكثر من 160 عملاً فنياً عالمياً، ولدينا فريق متكامل من المحترفين، يمكننا المساعدة في توفير كل ما تحتاجونه”.
ليس هذا فقط، فهذه الشركة قد تطورت مع مرور الوقت، وأصبحت تقدم خدمات أخرى في مجالات متعددة، وهي تلك المتعلقة بأجهزة الكمبيوتر والخوادم والمعدات الطبية والإلكترونيات.
وهذا ما جعل هذا الشخص مشهوراً جداً، وله شعبية كبيرة، خصوصاً في الوسط الفني، ليس فقط لتوفيره المال المزور، لصناع السينما في هوليوود، وإنما لتوفير العديد من الآلات الخاصة، المناسبة لمشاهد تاريخية، أو تلك التي تحاكي المستقبل، من بينها الطائرات، والروبوتات، والقنابل.
طريقة تزوير الأموال لتكون شبه مطابقة للأصل
يشير ريتشارد إلى أنه يقوم بطباعة نوعين من الأوراق النقدية المزورة، حسب الطلب،؛ الأولى هي تلك المطبوعة من الجهتين، إذ يتم تصويرها في لقطات مقربة جداً، من مسافة 15 بوصة تقريباً، لذلك يجب أن تكون مطابقة للأصل، مع بعض الاختلافات البسيطة جداً.
إذ إن هذه الأوراق تبدو كأنها أصلية عند تصويرها، لكن كلما اقتربت منها ستلاحظ أنها أكبر أو أصغر من العملة الحقيقية، وبها بعض الاختلافات في التصميم، الأمر الذي يجعل تداولها مستحيلاً.
أما النوع الثاني من النقود المزورة، والتي يصفها صاحب شركة “RJR Props”، بأنها من الدرجة الثانية، وذلك لأنها تكون مقاربة للأصلية بشكل أكثر من تلك الأولى، إلا أنه تتم طباعتها من جهة واحدة فقط، ويتم استعمالها في المشاهد التي يتم فيها تقديم المال من شخص لآخر مثلاً.
ومن أجل الامتثال للقوانين الفيدرالية، فقد اخترع ريتشارد طريقة جديدة من أجل طباعة الأموال بهذا القدر من الدقة، ولكن بشكل قانوني.
ويقول إن عملية صناعة الأموال تبدأ في الشركة من الصفر، من خلال استعمال ورق فارغ ذي جودة خاصة، إذ يمكن أن يتغير لونه إلى الوردي، أو الأخضر، أو الأصفر، مع التحريك، وهذه الطريقة فقط شركته هي الوحيدة في العالم التي تقوم باعتمادها، لكي تبدو الأموال حقيقية قدر الإمكان.
فيما يتم كذلك بتغيير بعض الكتابات في الورقة النقدية، فعلى سبيل المثال، في ورقة من فئة 100 دولار، يتم كتابة جملة “احتياطي العملة المزيفة غير الواقعية”، عوض جملة “الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة”، في الزاوية اليسرى العلوية من الورقة النقدية.
كما لا يتم كتابة اسم بنجامين فرانكلين تحت صورته في العملة النقدية، فيما يتم تعويض باقي الكتابات بجمل تشير إلى أن هذه الورقة غير أصلية، مع الحفاظ على طريقة الكتابة نفسها.
حزمة من 100 دولار بـ45 دولاراً!
حسب ما شاركته “CNN”، فإن شركة “RJR Props” تبيع الحزمة الواحدة من فئة 100 دولار مزورة، مطبوعة من جهة واحدة، بمبلغ 45 دولار.
فيما يصل سعر الحزمة الواحدة من الفئة نفسها، والتي تمت طباعتها من الجهتين إلى 65 دولاراً، وكلما زادت الجودة والدقة زاد السعر أكثر.
يصرح ريتشارد ربابورت بأن صناعة الأموال بهذه الطريقة أمر صعب، أكثر مما يمكن تخيله؛ وذلك لأن كل ورقة يتم الاعتناء بها بشكل خاص.
خصوصاً عندما تكون الطلبات مخصصة، مثلاً يكون العمل السينمائي بحاجة لأموال فيها تجاعيد، أو حروق، أو ملطخة بشيء ما.
إذ تتطلب عملية صناعة الأوراق النقدية المزورة أكثر من 15 شخصاً للقيام بهذا العمل، للحصول على النتيجة التي ينتظرها الزبون من الشركة.
مسلسل “Ozark”.. أكثر عمل فني استعمل عملات مزورة
يعتبر المسلسل الأمريكي الدرامي “Ozark”، من إنتاج شركة نتفليكس، أكثر عمل تمثيلي تم من أجله طباعة المال عن طريقة شركة ريتشارد، وذلك لأن محامي عصابة للمخدرات، والذي يلعب دوره الممثل جيسون بيتمان، يقوم بتخزين كميات كبيرة من النقود في جدران منزله وأماكن أخرى.
وقال ربابورت في حديثه عن هذه التجربة: “لم نكن نعرف ما الذي سيحدث خلال عملنا على هذا العمل، واتضح أنها كانت تجربة رائعة للغاية، أنت لا تعرف أبداً كيف ستنتهي هذه الأشياء. لكن هذه كانت لحظات لا تُنسى أبداً”.
وأضاف أن مدينة أطلانطا حيث يقع مقر “RJR”، أصبحت مؤخراً عاصمة صناعة أفلام ضخمة، بفضل الإعفاءات الضريبية، وحصلت على لقب “هوليوود الجنوب”، إذ أصبحت تضم أكبر أستوديو أفلام خارج هوليوود، حيث تم تصوير فيلمي “Avengers: Infinity War” و “Spider-Man: Homecoming”.
أما فيما يخص الأفلام التي قامت الشركة بالعمل على طباعة أموالها، فمنها “The Wolf of Wall Street”، و”Vampire Diaries”، و”Sleepy Hollow 3″، و”Fast and the Furious”، إضافة إلى كليبات المغني “50 Cent”، وآخرين.
إذ يؤكد ريتشارد أن مقاطع الفيديو كليب هي المصدر الأول للموارد المالية الخاصة بالشركة، وذلك بفضل الطلب الكبير على الأموال المزورة من أجل تصوير الأغاني، مشيراً إلى أنه في الأسبوع الواحد يمكن أن يصل عدد الفيديو كليبات التي يتم تصويرها باعتماد هذه الأموال إلى 20 كليباً.