حرية – (20/3/2023)
في سن الشباب غالبا ما تكون الحياة مغامرة، حيث يختبر المرء باستمرار أشياء جديدة، كما يتمتع في الغالب بلياقة بدنية وصحة.
في المقابل عندما يصل إلى الشيخوخة تميل الأيام لأن تكون أكثر رتابة، ولا تخلو تلك المرحلة من الشكوى من آلام في الظهر ومشكلات في الركبة والعينين وما إلى ذلك.
ومع ذلك، فإن الكثير من الناس يكونون أكثر سعادة في سن الشيخوخة. مدى سعادة المرء تعتمد أيضا على نفسه، حيث يمكنه فعل الكثير من أجل الشعور بالسعادة.
قبل 10 أعوام أطلقت الأمم المتحدة “اليوم العالمي للسعادة” في 20 مارس/ آذار، حتى يذكرنا هذا التاريخ كل عام بأن السعادة ليست مهمة فقط للإنسان بمفرده، بل أيضا للمجتمع ككل.
يقول الباحث في مجال السعادة والخبير الاقتصادي كارلهاينتس روكريجل من الجامعة التقنية في مدينة نورنبرج الألمانية: “الأشخاص السعداء يتمتعون بصحة أفضل ويعيشون لفترة أطول”.
لذلك يعتقد روكريجل وخبراء آخرون أنه لا يكفي قياس ازدهار مجتمع ما على أساس النمو المادي وحده، أي الناتج المحلي الإجمالي.
ما السعادة؟
عندما يفوز شخص ما في المقامرة، يقال عموما إنه محظوظ. لكن أبحاث السعادة لا تهتم بفرصة الحظ هذه أكثر من اهتمامها بالسعادة التي تشعرك بالارتياح.
وتوضح أستاذة علم الاجتماع، هيلكه بروكمان، من جامعة “كونستراكتور يونيفيرستي” في مدينة بريمن الألمانية، والتي تتعامل مع هذا الموضوع منذ أكثر من 15 عاما، قائلة: “السعادة هي التقييم الإيجابي لحياتك، ووضع معيشتك”، مضيفة أن وصفة السعادة فردية للغاية لكل إنسان، لكن هناك شيء واحد مؤكد: المال وحده لا يجعلك سعيدا، وقالت: “في المتوسط الأغنياء أسعد من الفقراء. ولكن الوصول إلى نقطة التشبع يحدث بسرعة”.
“مفارقة الرضا”
قد يكون للعمر دور محوري في الشعور بالسعادة، ولكن الشباب هنا ليس كل شيء.
يتحدث أستاذ الطب من جامعة فيتن/هيرديك الألمانية، توبايس إيش، والذي يبحث نظام المكافأة في الدماغ وتجربة السعادة منذ 20 عاما، عن “مفارقة الرضا”.
يقول الخبير إنه على الرغم من الأمراض الجسدية، فإن كبار السن يكونون أكثر سعادة بوجه عام وأكثر رضا من البالغين في منتصف العمر، وأضاف: “من المثير للدهشة أن الحافز الأكثر أهمية لهذا الشعور هو الشيخوخة نفسها”.
يوضح إيش أن طريقة الشعور بالسعادة تتغير على مدار الحياة؛ فالشباب يبحثون عن المتعة والإثارة ويندفعون من لحظة سعادة إلى أخرى، وهي لحظات تكون ذات طابع مكثف ولكنها عابرة.
في سنوات لاحقة تأتي مرحلة في الحياة يشعر فيها كثيرون بالسعادة لمجرد أنهم ينعمون بلحظات خالية من الضغوط أو التعاسة.
في تلك المرحلة تشكل الحياة المهنية والأبناء ومشكلات العلاقات وبناء أو شراء منزل وفي بعض الأحيان رعاية الآباء تحديات لكثير من الناس.
تقول بروكمان: “في هذه المرحلة يكون لديك الكثير من الالتزامات التي تلتصق بك مثل جذع شجرة على ساقك.. في هذه المرحلة تنزلق إلى حفرة متوسطة”، مضيفة أنه في وقت لاحق يزداد الرضا عن الحياة مرة أخرى، وقالت: “لا تزال لائقا بدنيا بما يكفي للاستمتاع بتقاعدك. لديك الوقت لإعادة استكشاف نفسك وتجربة شيء جديد”.
يرى إيش أنه في سن الستين وما فوق لا يحتاج الإنسان عادة إلى الكثير ليكون سعيدا، حيث إنه يشعر بإحساس عميق ودائم بالسعادة والرضا – على الرغم من أمراض الشيخوخة.
يقول إيش: “مع تقدمك في السن تحرر نفسك من فكرة أن تكون بصحة جيدة من جميع النواحي، بشرط ألا يكون وجودك مهددا”، موضحا أنه في نهاية العمر – آخر عام ونصف إلى عامين قبل الوفاة – ينخفض الرضا مرة أخرى إحصائيا.
هل يمكن تعلم السعادة؟
“كل إنسان صانع سعادته” هذه المقولة صحيحة في الواقع إلى حد كبير. يقول إيش: “يمكنك أن تتعلم السعادة”، موضحا أن مدى سعادة شخص ما مسألة تتعلق بطبيعته.
على سبيل المثال: يقوم بعض الأشخاص بإفراز الناقل العصبي الدوبامين أسرع من غيرهم أو ينخفض لديهم بشكل أبطأ وبالتالي يكونون أكثر استعدادا لتحمل المخاطر. يبلغ تأثير الجينات في الشعور بالسعادة حوالي 30 إلى 40%. يقول إيش: “هذا يعني أنه يمكن تعلم الشعور بالرضا بنسبة تزيد عن 50%”.
ولكن كيف يمكن ذلك؟ من وجهة نظر الباحث في مجال السعادة روكريجل، تساعد في ذلك النظرة الواقعية للعالم.
يقول الباحث: “إننا ندرك الأشياء السلبية بصورة أقوى من الأشياء الإيجابية”، مضيفا أن ممارسة الرياضة وإقامة علاقات اجتماعية وممارسة مهام ذات مغزى والاهتمام بأفراد آخرين أو بالمجتمع تجعل الإنسان سعيدا أيضا – وبالطبع يكون بجانب كل هذه الأمور قدرا معينا من الدخل، وقال: “لكن هذا المعيار ينُظر إليه بمبالغة شديدة. على أية حال، هناك شيء واحد واضح: إذا ركزت على كسب المال، فأنت لا تسير جيدا على درب السعادة”.